الصحة: خدمات شاملة لدعم وتمكين ذوي الهمم لحصولهم على حقوقهم    أحمد حمدي يكتب: هيبة المعلم    بالمستند.. أكاديمية المعلم تقرر مد موعد المتقدمين لإعادة التعيين كمعلم ل31 ديسمبر    One Circle يطلق مرحلة جديدة لتطوير الاقتصاد الدائري بقطاع الاتصالات    نائب وزير المالية: تمويل 100 ألف مشروع جديد للانضمام للمنظومة الضريبية| فيديو    في جولة محطة العبادلة بالقليوبية.. فودة يشدد على التشغيل القياسي وتعزيز خطط الصيانة    ماكرون يبدأ زيارته الرابعة إلى الصين وملف أوكرانيا حاضر بقوة على الطاولة (فيديو)    ويتكوف وكوشنر يبلغان ترامب بنتائج محادثات موسكو مع بوتين    وسائل إعلام: ماكرون سيعلن عن تعديلات على العقيدة النووية الفرنسية مطلع العام القادم    د. خالد سعيد يكتب: إسرائيل بين العقيدة العسكرية الدموية وتوصيات الجنرال «الباكي»    موعد مباريات اليوم الخميس والقنوات الناقلة    إصابة 5 أشخاص بينهما شقيقتان في تصادم توكتوكين ب"ملاكي" بالدقهلية    حلمي عبد الباقي يكشف إصابة ناصر صقر بمرض السرطان    دراما بوكس| بوسترات «سنجل ماذر فاذر».. وتغيير اسم مسلسل نيللي كريم الجديد    أحمد مراد: رؤية فيلم "الست" تناسب جيل "زد" الذي لم يعش زمن أم كلثوم    منى زكي: فيلم "الست" أصعب أدواري على الإطلاق وتجسيد الشخصية أكبر من أي ممثلة    جمال شعبان يُحذر: ارتفاع ضغط الدم السبب الرئيسي للفشل الكلوي في مصر!| فيديو    نجاح جراحة دقيقة لمريض يعاني أعراضًا تشبه الجلطة في الجانب الأيسر    لا خوف من الفيروسات.. الصحة توضح سبب شدة الأعراض في هذا الموسم    أستاذة بمعهد بحوث تكنولوجيا الأغذية تكشف أفضل أساليب الطهي للحفاظ على جودة اللحوم    وصول جثمان السباح يوسف محمد لمسجد الكريم ببورسعيد لأداء صلاة الجنازة.. فيديو    أكسيوس: إسرائيل تحذر من استئناف الحرب في حال استمرار تسلح حزب الله    محمد رجاء: لم يعد الورد يعني بالضرورة الحب.. ولا الأبيض يدل على الحياة الجميلة    موعد صلاة الفجر.....مواقيت الصلاه اليوم الخميس4 ديسمبر 2025 فى المنيا    وزير الثقافة يُكرّم المخرج القدير خالد جلال في احتفالية كبرى بالمسرح القومي تقديرًا لإسهاماته في إثراء الحركة المسرحية المصرية    حظر النشر في مقتل القاضى "سمير بدر" يفتح باب الشكوك: لماذا تُفرض السرية إذا كانت واقعة "انتحار" عادية؟    استشهاد 5 فلسطينيين في غارات الاحتلال على خيام النازحين في خان يونس    القانون يحدد عقوبة صيد المراكب الأجنبية في المياه الإقليمية.. تعرف عليها    كأس إيطاليا – إنتر ونابولي وأتالانتا إلى ربع النهائي    خبر في الجول - انتهاء مهلة عبد الحميد معالي ل الزمالك في "فيفا" ويحق له فسخ التعاقد    وليد صلاح الدين: لم يصلنا عروض رسمية للاعبي الأهلي.. وهذا سبب اعتراضي على بسيوني    اليوم، آخر موعد لاستقبال الطعون بالمرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب    تواصل عمليات البحث عن 3 صغار بعد العثور على جثامين الأب وشقيقتهم في ترعة الإبراهيمية بالمنيا    حريق بجوار شريط السكة الحديد بالغربية.. والحماية المدنية تُسيطر على ألسنة اللهب    أحدهما دخن الشيشة في المحاضرة.. فصل طالبين بالمعهد الفني الصناعي بالإسكندرية    محافظة الجيزة يتفقد أعمال إصلاح الكسر المفاجئ لخط المياه الرئيسي بشارع ربيع الجيزي    علاج ألم المعدة بالأعشاب والخلطات الطبيعية، راحة سريعة بطرق آمنة    احذر.. عدم الالتزام بتشغيل نسبة ال5% من قانون ذوي الإعاقة يعرضك للحبس والغرامة    قناة الوثائقية تستعد لعرض سلسلة ملوك أفريقيا    النيابة الإدارية يعلن فتح باب التعيين بوظيفة معاون نيابة إدارية لخريجي دفعة 2024    هل يجوز لذوي الإعاقة الجمع بين أكثر من معاش؟ القانون يجيب    هجوم روسي على كييف: أصوات انفجارات ورئيس الإدارة العسكرية يحذر السكان    بيراميدز يتلقى إخطارًا جديدًا بشأن موعد انضمام ماييلي لمنتخب الكونغو    الحكومة: تخصيص 2.8 مليار جنيه لتأمين احتياجات الدواء    الإسكان تحدد مواعيد تقنين الأراضى بمدينة العبور الجديدة الإثنين المقبل    استئناف المتهمة في واقعة دهس «طفل الجت سكي» بالساحل الشمالي.. اليوم    بالأسماء.. إصابة 8 أشخاص في حادث تصادم ب بني سويف    أهلي بنغازي يتهم 3 مسؤولين في فوضى تأجيل نهائي كأس ليبيا باستاد القاهرة    الشباب والرياضة: نتعامل مع واقعة وفاة السباح يوسف بمنتهى الحزم والشفافية    تصادم موتوسيكلات ينهى حياة شاب ويصيب آخرين في أسوان    العناية الإلهية تنقذ أسرة من حريق سيارة ملاكى أمام نادى أسوان الرياضى    ألمانيا والنقابات العمالية تبدأ مفاوضات شاقة حول أجور القطاع العام    مصر تستورد من الصين ب 14.7 مليار دولار في 10 أشهر من 2025    آثار القاهرة تنظم ندوة علمية حول النسيج في مصر القديمة واتجاهات دراسته وصيانته    هل يعتبر مريض غازات البطن من أصحاب الأعذار ؟| أمين الفتوى يجيب    في يومهم العالمي.. 5 رسائل من الأزهر لكل أسرة ترعى طفلا من ذوي الإعاقة    وكيل لجنة مراجعة المصحف ورئيس منطقة الغربية يتفقدان مسابقة الأزهر السنوية لحفظ القرآن الكريم    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 3ديسمبر 2025 فى المنيا.. اعرف مواقيت صلاتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خالد الجندي: لا يجوز ترك السنة الواجبة.. والإفتاء تعلق على الفتوى
نشر في صدى البلد يوم 15 - 07 - 2019

قال الشيخ خالد الجندى، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، إن السنة الواجبة تتساوى مع الفريضة، ومبينة للعبادة ويثاب فاعلها ويعاقب تاركها، كعدد ركعات الصلاة، فهذه الأمور عُرفت من السنة ولم يوضح القرآن الكريم عدد ركعات صلاة الظهر مثلًا، فمن تركها كما فعلها الرسول فهو آثم.
وأضاف «الجندي»، خلال حلقة برنامجه «لعلهم يفقهون»، المذاع على فضائية «dmc» أن الفرض هو الواجب، من يتركه ولا يفعله يكون آثما أو عاصيًا، ولو قلت إن هذا معصية فهذا ليس معناه أن صاحبه فى النار، وإنما الحديث هنا عن الفعل، ولا دخل لنا بما سيكون عليه فى الآخرة».
وردًا على هذه الفتوى، أوضحت دار الإفتاء المصرية، إنه يقسِّم جمهور الأصوليين الأحكام الشرعية إلى خمسة، وهي الواجب والمندوب والمحرم والمكروه والمباح، وعرفوا المندوب بأنه ما يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه، ومن مسمياته: المرغوب فيه، والسنة، والنافلة، ومن أمثلة المندوب: صلاة الوتر، والسواك، والمبالغة في المضمضة والاستنشاق، وتخليل الأصابع في الوضوء، وإفطار الصائم على تمرٍ، وتكرار الحج والعمرة، ومساعدة المحتاجين من الناس، ونحو ذلك.
وتابعت: أنه بيَّن الفقهاء أن هذه السنن ليست على درجة واحدة في مطلوبيتها، فبعضها أقوى من بعض مع اشتراك كلها في أفضلية الفعل مع عدم المعاقبة على الترك، يقول الزركشي في البحر: «ويجوز أن يكون بعض المندوب آكد من بعض، ولهذا يقولون: سنة مؤكدة. وقال ابن دقيق العيد في شرح الإلمام: لا خفاء أن مراتب السنن متفاوتة في التأكيد، وانقسام ذلك إلى درجة عالية ومتوسطة ونازلة وذلك بحسب الدلائل الدالة على الطلب». [1/ 376، 387، ط. دار الكتبي].
وواصلت: أنه قسَّم الفقهاء السُّنة من حيث مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليها إلى مؤكَّدة وغير مؤكَّدة، يقول ابن نجيم الحنفي رحمه الله بعدما نقل عدة أقوال لعلماء الحنفية في تعريف السنة ثم زيَّفها، قال: «والذي ظهر للعبد الضعيف أن السنة ما واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم، لكن إن كانت لا مع الترك فهي دليل السنة المؤكَّدة، وإن كانت مع الترك أحيانًا فهي دليل غير المؤكِّدة». [البحر الرائق 1/ 18، ط. دار الكتاب الإسلامي].
وأفادت بأن المواظبة على فعل الشيء من النبي صلى الله عليه وسلم من غير أن يكون واجبًا معيار التأكيد على سنيته، وتقسيم السُّنة إلى مؤكدة وغير مؤكدة مجرد اصطلاح لا مشاحة فيه، وهذا الاصطلاح ناشئ عن تتبع أفعال النبي صلى الله عليه وسلم في المناسبات المختلفة، فما واظب عليه -كركعتي الفجر مثلًا- خصوه بهذا الاسم، لكن البحث يأتي في كيفية إثبات المواظبة، والظاهر أن تصريح الصحابة هو المعوَّل عليه في إثباتها، ومثاله ما قالته السيدة عائشة رضي الله عنها: «لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم على شيء من النوافل أشد منه تعاهدًا على ركعتي الفجر». [متفق عليه]، بخلاف ما أثر عنه صلى الله عليه وسلم الترغيب فيه ولم تنقل مواظبته، كالمتابعة بين الحج والعمرة، كقوله صلى الله عليه وسلم: «تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة» [رواه أحمد الترمذي والنسائي].
وأشارت إلى أن السنة المؤكَّدة يسميها الحنفية سنة الهُدى، يقول ابن عابدين: «والسنة نوعان: سنة الهُدى، وتركها يوجب إساءة وكراهية كالجماعة والأذان والإقامة ونحوها. وسنة الزوائد، وتركها لا يوجب ذلك كسِيَر النبي عليه الصلاة والسلام في لباسه وقيامه وقعوده»، وقال: «سنة الهُدى وهي من السنن المؤكدة القريبة من الواجب». [رد المحتار 1/ 103، ط. دار الكتب العلمية]، مضيفة: والمستقرئ لنصوص فقهاء المذهب الحنفي -لا سيما المتأخرين- يجد أنهم يسوُّون بين مصطلح (السنة المؤكدة) ومصطلح (الواجب) في جانب توكيد الفعل والتحذير من الترك، أي في لحاق الإثم تاركهما، وإثابة فاعلهما، وهو واضح من كلامهم على صلاة الجماعة.
ونقلت دار الإفتاء قول الكاساني بعد أن ذكر أن قول العامة وجوب صلاة الجماعة، قال:«وجه قول العامة الكتاب والسنة وتوارث الأمة... أما توارث الأمة فلأن الأمة من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا واظبت عليها وعلى النكير على تاركها، والمواظبة على هذا الوجه دليل الوجوب، وليس هذا اختلافًا في الحقيقة، بل من حيث العبارة؛ لأن السنة المؤكدة والواجب سواء، خصوصا ما كان من شعائر الإسلام، ألا ترى أن الكرخي سماها سنة ثم فسَّرها بالواجب، فقال: الجماعة سنة لا يرخص لأحد التأخر عنها إلا لعذر. وهو تفسير الواجب عند العامة» [بدائع الصنائع 1/ 155، ط. دار الكتب العلمية].
وعرضت قول البابرتي: «(الجماعة سنة مؤكدة) أي قوية تشبه الواجب في القوة حتى استدل بمعاهدتها على وجود الإيمان، بخلاف سائر المشروعات وهي التي يسميها الفقهاء سنة الهدى، أي أخذها هدى وتركها ضلالة، وأشار إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ((الجماعة من سنن الهدى لا يتخلف عنها إلا منافق)). [العناية 1/ 345، ط. دار الفكر].
واستطردت: وفي حاشية الشِّلبي على تبيين الحقائق: «(قوله: قال عامة مشايخنا: إنها واجبة... إلى آخره) وفي مختصر البحر المحيط: الأكثر على أنها سنة مؤكدة ولو تركها أهل ناحية أثموا ووجب قتالهم بالسلاح؛ لأنها من شعائر الإسلام. وفي شرح خواهر زاده: سنة مؤكدة غاية التأكيد. اه. غاية. قال الكمال: وقيل: الجماعة سنة مؤكدة في قوة الواجب. اه. وممن قال بأنها سنة مؤكدة الكرخي والقدوري ويدل على أن المراد أنها في قوة الواجب قول صاحب التحفة فيما ذكر محمد في غير رواية الأصول أنها واجبة، وقد سمَّاها بعض أصحابنا سنة مؤكدة، وهما سواء» [ 1/ 133،ط. المطبعة الأميرية].
وواصلت: قال برهان الدين البخاري الحنفي: «الجماعة سنة لا يجوز لأحد التأخر عنها إلا بعذر، والأصل فيه قوله عليه السلام: ((لقد هممت أن آمر رجلًا يصلي بالناس وأنظر إلى أقوام تخلفوا عن الجماعة فأحرق بيوتهم))، ومثل هذا الوعيد إنما يلحق تارك الواجب أو تارك السنّة المؤكدة» [المحيط البرهاني 1/ 428، ط. دار الكتب العلمية].
ولفتت إلى أن من الحنفية من أثبت لبعض السنن المؤكدة ما للواجب، ففي شرح الأشباه للحموي عند كلام ابن نجيم على الرواتب وأن منها ركعتي الفجر، قال الحموي: «قوله: «ركعتان قبل الفجر»، قال في الخلاصة: أجمعوا أن ركعتي الفجر قاعدًا من غير عذر لا يجوز، وغيره من السنن يجوز أداؤها قاعدًا من غير عذر حتى التراويح على الصحيح المختار. قيل: إنما كان كذلك مراعاة للقول بوجوبها ولم يقل في غيرها؛ وقد فهم بعضهم من قول علمائنا أن سنة الفجر لا يجوز قاعدًا، أي لا يحل أداؤها قاعدًا وهذا خطأ لما قلنا من مراعاة للقول بوجوبها، كما في شرح الطحاوي من أن هذه سنة مؤكدة اختصت بزيادة تأكيد وترغيب وترهيب ووعيد، فالتحقت بالواجبات. فهذا تصريح بأن معنى لا يجوز: لا يصح». [1/ 120، ط. دار الكتب العلمية].
ونوهت الإفتاء بأنه بعيدًا عن اصطلاح الحنفية فإن الصلوات المسنونة المؤكَّدة منها ما لا يتبع فرائض ومنه ما يتبع، فالتابع للفرائض أو له وقت معين غير الفرائض تسمى رواتب، وقد ورد تحديد الرواتب والترغيب في فعلها والمحافظة عليها في عدة أحاديث، منها حديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال: «حفظت من النبي صلى الله عليه وسلم عشر ركعات: ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب في بيته، وركعتين بعد العشاء في بيته، وركعتين قبل صلاة الصبح». [رواه البخاري].
واستدلت بما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم لا يَدَعُ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ» [رواه البخاري]، وعن أم حبيبة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَنْ صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيْتٌ فِي الجَنَّةِ»، قالت أم حبيبة: فما تَرَكْتُهُنَّ منذ سمعتُهُنَّ من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. [رواه مسلم]. وزاد الترمذي: «أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ المَغْرِبِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ العِشَاءِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاةِ الفَجْرِ».
وبيّنت دار الإفتاء، أن السنن الرواتب ليست على درجة واحدة من التأكيد -وضابطه كما قلنا مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليها- فبعضها آكد من بعض، فالعشر ركعات الواردة في حديث ابن عمر من الرواتب المؤكَّدة، لا سيما ركعتا الفجر فهي آكد الرواتب؛ لقول عائشة رضي الله عنها: «لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى شَيْءٍ مِنَ النَّوَافِلِ أَشَد مِنْه تَعَاهُدًا عَلَى رَكْعَتَيِ الفَجْرِ» [متفق عليه]، وفي لفظٍ: «لَمْ يَكُنْ يَدَعُهُمَا أَبَدًا». وعنها -أيضًا- أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رَكْعَتَا الفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» [رواه مسلم]؛ ولذلك نقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن يدع ركعتي الفجر أبدًا، ففي المصنف لابن أبي شيبة من حديث عائشة، قالت: «أما ما لم يدع صحيحًا ولا مريضًا في سفر ولا حضر غائبًا ولا شاهدًا -تعني النبي صلى الله عليه وسلم- فركعتان قبل الفجر».
وذكرت أن ابن القيم، قال: «... ولذلك لم يكن يدعُها -أي النبي صلى الله عليه وسلم- هي والوتر سفرًا ولا حضرًا، وكان في السفر يواظب على سنة الفجر والوتر أشد من جميع النوافل دون سائر السنن، ولم ينقل عنه في السفر أنه صلى الله عليه وسلم صلى سنةً راتبةً غيرهما» [زاد المعاد 1/ 305، ط. مؤسسة الرسالة].
وواصلت: هذا بالإضافة إلى أن سائر النوافل ومنها الرواتب إنما شرعت لجبر الخلل وتكميل النقصان الواقع في الفرائض، وفي الحديث: «إن أول ما يحاسب به العبد المسلم يوم القيامة الصلاة المكتوبة، فإن أتمها وإلا قيل: انظروا هل له من تطوع؟ فإن كان له تطوع أكملت الفريضة من تطوعه، ثم يفعل بسائر الأعمال المفروضة مثل ذلك» [رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه].
وأبات بأن المحافظة على النوافل والمواظبة على فعلها فيه من العناية بدين الله والاهتمام بشرعه والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم عملًا بقوله تعالى: «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا» [الأحزاب: 21]، والمداومة على الإخلال بها بلا عذر يعكس مدى عدم الاكتراث بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وقد نصَّ العلماء على أن تارك الرواتب مطلقًا ترد شهادته لسقوط عدالته بنقصان دينه، يقول الإمام النووي: «من واظب على ترك الراتبة أو تسبيحات الركوع والسجود رُدَّت شهادته لتهاونه بالدين» [المجموع 4/ 30، ط. دار الفكر].
وأردفت: وقد نقل عن الإمام أحمد أن تارك الوتر متعمدًا رجل سوء، وذلك لتأكد سنية الوتر. [راجع على سبيل المثال: المبدع لابن مفلح 2/ 21، ط. دار الكتب العلمية]، ويقول الإمام البهوتي عند بيان شروط من تقبل شهادته: «(السادس: العدالة وهي استواء أحواله) أي الشخص (في دينه، واعتدال أقواله وأفعاله، ويعتبر لها) أي العدالة (شيئان) أحدهما (الصلاح في الدين، وهو) نوعان (أداء الفرائض) أي الصلوات الخمس والجمعة. قلت: وما وجب من صوم وحج وزكاة وغيرهم (برواتبها) أي سنن الصلاة الراتبة، نقل أبو طالب: الوتر سنة سنها النبي صلى الله عليه وسلم، فمن ترك سنة -أي دائما- من سننه صلى الله عليه وسلم فهو رجل سوء (فلا تقبل ممن داوم على تركها) أي الرواتب، فإن تهاونه بها يدل على عدم محافظته على أسباب دينه، وربما جره التهاون بها إلى التهاون بالفرائض، وتقبل ممن تركها في بعض الأيام». [شرح المنتهى 3/ 589، ط. عالم الكتب].
وشددت على أنه لا ملامة ولا إثم على مَن ترك سنة من السنن الرواتب المؤكَّدة ما لم يداوم أو يواظب على الترك مطلقًا، فإن واظب على الترك مطلقًا فإنه مُلامٌ لاستهانته بسنة النبي صلى الله عليه وسلم لا سيما وأن المواظبة والمداومة على الشيء فيها نوع قصد وحرص، ومن قصد ترك سنة النبي صلى الله عليه وسلم المؤكَّدة وداوم عليها فلا شك في أنه يتهاون في دينه، ومع ذلك فإن الإمام الشاطبي ينحى منحًى آخر في مسألة ترك السنن، فيفرق بين ترك السنة في النظر الكلي والنظر الجزئي، يقول الشاطبي في موضع: «وكما أن من حقيقة استقرار المندوب أن لا يسوَّى بينه وبين الواجب في الفعل، كذلك من حقيقة استقراره أن لا يسوَّى بينه وبين بعض المباحات في الترك المطلق من غير بيان؛ فإنه لو وقعت التسوية بينهما لفهم من ذلك مشروعية الترك، ولم يفهم كون المندوب مندوبًا، هذا وجه. ووجه آخر: وهو أن في ترك المندوب إخلالًا بأمر كلي فيه، ومن المندوبات ما هو واجب بالكل؛ فيؤدي تركه مطلقا إلى الإخلال بالواجب، بل لابد فيه من العمل به ليظهر للناس فيعملوا به، وهذا مطلوب ممن يقتدى به كما كان شأن السلف الصالح» [الموافقات 1/ 108، ط. دار ابن عفان].
وأردفت: وقال في موضع آخر: «إذا كان الفعل مندوبًا بالجزء كان واجبًا بالكل؛ كالأذان في المساجد الجوامع أو غيرها، وصلاة الجماعة، وصلاة العيدين، وصدقة التطوع، والنكاح، والوتر، والفجر، والعمرة، وسائر النوافل الرواتب؛ فإنها مندوب إليها بالجزء، ولو فرض تركها جملة لجُرِّح التارك لها، ألا ترى أن في الأذان إظهارًا لشعائر الإسلام، ولذلك يستحق أهل المصر القتال إذا تركوه، وكذلك صلاة الجماعة من داوم على تركها يُجرَّح فلا تقبل شهادته؛ لأن في تركها مضادة لإظهار شعائر الدين، وقد توعَّد الرسول عليه السلام من داوم على ترك الجماعة فهَمَّ أن يحرق عليهم بيوتهم، كما كان عليه السلام لا يُغير على قوم حتى يصبح، فإن سمع أذانًا أمسك، وإلا أغار، والنكاح لا يخفى ما فيه مما هو مقصود للشارع من تكثير النسل وإبقاء النوع الإنساني وما أشبه ذلك؛ فالترك لها جملةً مؤثرٌ في أوضاع الدين إذا كان دائمًا، أما إذا كان في بعض الأوقات فلا تأثير له، فلا محظور في الترك». [1/ 211].
ولفتت إلى أن الإمام الشاطبي بنظرته هذه يجعل من المندوب (مندوبًا كفائيًّا) في مقابلة (الواجب الكفائي)، ويرتِّب على ذلك أن المندوب الكفائي يلحق الإثم تاركوه إن هم أجمعوا على تركه، بل إن الشاطبي يذهب بالنظر المقاصدي إلى ما هو أبعد من ذلك، فهو يرى أن المندوب الكفائي راجع بالنظر الكلي إلى مرتبة الضروري، وهو واضح من الأمثلة التي ذكرها في النص الأخير.
ولخصت فتواها، بأن المداومة على السنة المؤكدة مطلقا تؤثر على عدالة -استقامة- تاركها، ومن تركها في بعض الأيام والأوقات فلا شيء عليه، لكن لا يجوز للمجتمع كله ترك السنن الكفائية التي تعد من شعائر الإسلام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.