في كتابه "صفحات من تاريخ مصر" روى الدبلوماسي يحيى حقي- الذي أصبح فيما بعد الروائي والأديب من أدباء الصف الأول في مصر والعالم العربي- كيف سحبت مصر وزيرها المفوض في تركيا عبدالملك حمزة سنة 1932، وذلك بعد أن تعرض الدبلوماسي المصري- لما اعتبرته القاهرة إهانة لها- فيما عرف بحادثة الطربوش- كنوع من الاحتجاج والرد على ما اعتبره الدبلوماسي إهانة له وللطربوش. حيث قام رئيس جمهورية تركيا وزعيمها مصطفى كما أتاتورك، بمطالبة الوزير المفوض بأن يخلع طربوشه، وكان ذلك في حفل رسمي بمناسبة العيد الوطني التركي، وقد طلب أتاتورك هذا الطلب من السفير بما يشبه الأمر العسكري- وجاء الطلب علنا أمام جميع الحاضرين في الحفل- وكان عددهم لا يقل عن 500 من السفراء والوزراء وأعضاء السلك الدبلوماسي. وقد تصرف عبد الملك حمزة بهدوء ولطف- ولكن في كرامة وكبرياء حيث فضل الانسحاب من الحفل ورفض خلع الطربوش وانسحب دون استئذان من أحد وانسحب قبل أن يحرج أتاتورك نفسه- وفضل أن يرجع لحكومته التي سحبته من تركيا احتجاجا على ما حدث. والطربوش في هذه الفترة كان غطاء رسميا للرأس في مصر، وقام الدبلوماسي المصري بعد ذلك بكتابة تقرير إلى القاهرة يصف فيه ما حدث- وحمل التقرير من أنقرة الشاب يحيى حقي وكان عمره وقتها 27 عاما، والذي روى كيف حرص الوزير المفوض عبد الملك حمزة على أن يرسل تقريره إلى القاهرة وعن طريق موظف موثوق به من السفارة، حتى لا تكون هناك فرصة لمعرفة الأتراك بما جاء في التقرير إذا ما تم إراساله بالبريد. وبعد وصول الرسالة عرفت القاهرة بما حدث وأهمية القصة وعرض الأمر على وزير الخارجية وقتها حافظ عفيفي، ووصل الأمر إلى رئيس الوزراء إسماعيل صدقي بل إلى الملك فؤاد نفسه- غضب الملك أشد الغضب وقررت الحكومة المصرية سحب وزيرها المفوض من تركيا احتجاجا على إهانة الطربوش أحد الرموز المصرية في ذلك الوقت. كان أتاتورك يحارب الطربوش ويعاقب من يقومون بارتدائه بعد إلغائه بصورة رسمية- كما اتخذ قرارا بشنق مواطن تركي اصر على لبس الطربوش- وتم شنق الرجل بالفعل فمات دفاعا عن الطربوش وفداء له- وضحى بحياته لأنه رفض أن يلبي القبعة التي فرضها أتاتورك على الأتراك. الغريب أنه بعد أن حدثت واقعة الطربوش في 29 أكتوبر 1932 وبعد الحادثة بخمسة أشهر وبالتحديد في 26 مارس 1933 احتفلت المفوضية المصرية ب عيد ميلاد الملك فؤاد- وكانت المفاجأة حضور كمال أتاتورك للاحتفالية على غير العادة وقال أمام الجميع أنه حضر إلى بيت مصر كما يحضر إلى بيته ويعتبر نفسه صاحب الدار تحية منه إلى شعب مصر- وأضاف هنا داري وبيتي وجئت دون دعوة إعزازا لمصر وللمصريين.