أيام قلائل وتحتفل مصر بالذكرى الثانية لانتفاضة شعبها المجيدة التي سمتها - تيمّنا- ثورة 25 يناير.. تلك الاحتفالات التي يُستبعد منها للمرة الثانية أيضا جماعة الإخوان واتباعها من التيارات السلفية، والذين اختاروا معا منذ البداية طريقا مناقضا لما يراه الثوار. حيث اتهموا ومنذ الأسابيع الأولى بإفساد الثورة وتبريدها وتفريغها من محتواها لتتحول إلى مجرد انتفاضة شعبية أطاحت برأس النظام لصالحهم. بينما تحول الثوار إلى مجموعة من المقتولين والمصابين والمطاردين والمتهمين والمنبوذين والمشتومين من قبل هذا النظام الجديد، الذي من المتوقع أن يطيح بما تبقى من تلك الانتفاضة ورموزها في الأسابيع القادمة. ورغم أن المتوقع من الإخوان أن يفتعلوا بعض الاحتفالات هنا وهناك بمشاركة أتباعهم بهذه المناسبة، كنوع من تثبيت "وضع اليد" على الثورة، وفرض تاريخ جديد على الواقع المصري، إلا أن الواقع المعاش يقول غير ذلك، حيث أصبح الإخوان فصيلا في مواجهة الثوار والقوى الأخرى، بل ويتكرس ذلك الانفصال. ويظهر جليا في تشكيلات وتحالفات مجلس النواب القادم، الذي يقف فيه فصيل الإخوان بمفرده، بينما تحالفت كل القوى الثورية والوطنية الأخرى في مواجهته، حتى أتباع الأخوان من السلفيين قرروا - حتى الآن- أن يخوضوا المعركة بمفردهم، كأحزاب متناثرة، دون التحالف مع الجماعة التي أدمنت المقامرات السياسية منذ وصولها للسلطة، سواء عبر حزبها أو رئيسها في قصر الاتحادية. ومع هذا الاستقطاب الذي يتسع، والتخندق الذي بات واقعا تعيسا في الحياة السياسية والاجتماعية في مصر، ومع اتهام الإخوان بشق الوطن وتقسيم المجتمع والانقلاب على الثورة والثوار من أجل تمكين أنفسهم والاستحواذ على السلطة، والانحياز لمخططات الجماعة ومصالحها على حساب الوطن والمواطن، فلازال الإخوان يدافعون عن مواقفهم بذات الخطاب الممجوج حول اضطهادهم التاريخي، وما عانوه من قبل الأنظمة السابقة. وهى محاولة لاستنساخ التجربة اليهودية في ابتزاز المشاعر، من خلال نُواحِهم حول المحرقة (الهولوكوست)، والمتاجرة بعذاباتهم التاريخية كلما اشتد الضغط عليهم عالميا في اضطهاد الفلسطينيين واحتلال أراضيهم وتقتيلهم وانتهاك حقوقهم، وكأن العرب فقط عليهم أن يدفعوا ثمن ما لاقاه هؤلاء إن صدق، وعلى المصريين الآن أيضا أن يدفعوا ثمن استبعاد الإخوان من الحياة السياسية، أو اعتقالهم وسجنهم بسبب عملهم السري عبر ثمانين عاماً. وبنفس العقلية والاسلوب احتفل الإخوان بالثورة العام الماضي، وسوف يحتفلون هذا العام أيضا بمفردهم، وربما من خلال بعض الوقفات والمسيرات المفتعلة للأعضاء والأتباع، وبعض الخطب التي يلقيها مرشدهم ورئيسهم ورموزهم الأخرى، مدعين أنهم ضحوا من أجل الثورة، وأنهم يحملون شعاراتها، ويسعون لتحقيق أهدافها باعتبارهم ثوريين. بينما يرى الآخرون عكس ذلك، وهو ما قد يحوّل تلك الذكرى بمرور الزمن إلى مناسبتين متناقضتين في نفس الوطن وبين نفس الشعب، حيث يحتفل الإخوان وأتباعهم بنجاح الثورة التي أوصلتهم للحكم، بينما يحيي الثوار الذكرى ك"يوم نكبة"، أُهدِرت فيه دماؤهم، وسُرقت أحلامهم بوطن يحتوى الجميع ويحفظ كرامتهم وحقوقهم وهويتهم التي ناضلوا من أجلها. تلك الصورة البائسة التي آلت إليها الأحوال في مصر لا تبشر بغد أفضل، ولا بوطن مستقر للجميع، وإنما هي نذير بانفجارات شعبية جديدة، قد تتحول مع تردي الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأمنية، إلى ثورة حقيقية هذه المرة، تملك وتحكم وتتحكم وتُطهِّر وتتطهَّر وتحقق أحلامها، وتضع مصر على عتبات المستقبل المنشود، وليست مجرد انتفاضة كالتي جرت في يناير 2011 . ولم تأتِ على مصر سوى بانهيارات اقتصادية واجتماعية، وحالة من الكراهية، لم تعرفها مصر عبر تاريخها السحيق، إلا بظهور تلك التيارات اليمينية المتطرفة، التي بثت بذور الشقاق الكريهة في ربوع الوطن.