مع قرب انتخاباته.. ما هي مهام واختصاصات مجلس الشيوخ؟    صعود سعر الذهب اليوم في مصر ببداية تعاملات الاثنين    الصين تقرر تثبيت أسعار الفائدة عند مستوى 3%    تراجع في بنكين.. سعر الدولار اليوم ببداية تعاملات الاثنين    أسعار الفراخ والبيض في أسواق وبورصة الشرقية اليوم الإثنين 21-7-2025    استشهاد فلسطيني في قصف إسرائيلي لمنطقة الصفطاوي شمال مدينة غزة    موعد مباراة الأهلي ضد الملعب التونسي الودية والقناة الناقلة    أيمن منصور يكشف سر تفضيله الزمالك عن الأهلى رغم تمثيل القطبين    "صعبة".. وكيل مصطفى شلبي يكشف تفاصيل انتقاله للبنك الأهلي    أسرة الطفل ياسين تصل جنايات دمنهور لحضور ثاني جلسات الاستئناف    مصرع عامل وإصابة آخر في انقلاب جرار زراعي بسوهاج    إخماد حريق داخل شقة سكنية فى الهرم دون إصابات    حديقة الحيوان تعود بحلة جديدة.. افتتاح مرتقب بعد دمجها مع الأورمان    بعد قليل.. السكة الحديد تشغل قطارا مخصوصا لتسهيل العودة الطوعية للسودانيين    الذوق العالي، تامر حسني ومحمد منير يتصدران تريند يوتيوب في أول ديو غنائي بينهما    أحمد مجدي: شخصيتي في «فات الميعاد» تعاني من مشاكل نفسية مركبة ومتورطة في الظلم    تقديم التوعية بمخاطر الإدمان ل457 ألفًا من طلبة المدارس ضمن مبادرة «صحتك سعادة»    كريم رمزي يشيد ب جون إدوارد بسبب صفقات الزمالك الجديدة    أسعار مواد البناء بالأسواق اليوم الإثنين 21 يوليو 2025    وزير الثقافة يناقش حصاد لجان الأعلى للثقافة ويطالب بتطوير وتيرة العمل    الجيش الإسرائيلي يحرق منازل بمخيم نور شمس ويواصل عمليات الهدم في مخيم طولكرم    من هي ياسمين فؤاد وزيرة البيئة المستقيلة؟ وما سبب استقالتها؟ وكيف احتفل بها مجلس الوزراء؟    انفجارات في كييف ومدن أوكرانية أخرى    مسيرة في تونس دعما للشعب الفلسطيني    كيف تتخلص من مرض التعلق العاطفي ؟    ياسمين فؤاد: 800 مليون جنيه استثمارات في الطاقة المتجددة بشرم الشيخ بقدرة تتجاوز 51 ميجاوات    لكل ربة منزل.. إليكِ الطريقة المثلى لحفظ الفاكهة من التلف    لكل ربة منزل.. إليك أفضل الطرق لتحضير مكرونة الميزولاند    المسلمون يصلون الفجر قبل وقته بساعة ونصف    مصروفات المدارس الحكومية 2025– 2026.. التفاصيل الكاملة وقواعد الإعفاء والسداد لجميع المراحل التعليمية    رئيس مجلس أمناء الجامعة الألمانية: هناك علماء مصريين متواجدين في كل دول العالم    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الاثنين 21 يوليو 2025    إنفوجراف| حصيلة 650 يوما من الحرب الإسرائيلية في غزة.. «أرقام الشهداء والجرحى»    مستقبل وطن يدعم مرشحيه بمؤتمر جماهيري في مركز كفر البطيخ بدمياط    «الرقابة النووية» تُنهي جولتها التوعوية من أسوان لتعزيز الوعي المجتمعي    شراقي يكشف مفاجأة حول تصريف المياه من سد النهضة الإثيوبي    "تموين الدقهلية" يحرر 196 مخالفة في 48 ساعة (صور)    طريقة عمل الحجازية في خطوات بسيطة وأحلى من الجاهزة    ما أهمية عودة الحكومة السودانية إلى العاصمة من جديد؟    تقديم 40476 خدمة طبية وعلاجية بحملة "100 يوم صحة" في الإسماعيلية    رئيس "الحرية المصري": رجال الأمن خط الدفاع الأول في مواجهة التطرف والمخططات الإرهابية    برئاسة ماجي الحلواني.. "الوطنية للإعلام" تعلن تشكيل لجنة لرصد ومتابعة انتخابات الشيوخ    يوسف معاطي: لست ضد الورش التي تكتب السيناريوهات ولكنها لا تنتج مبدع كبير    لا تأخذ كل شيء على محمل الجد.. حظ برج القوس اليوم 21 يوليو    نادية رشاد: أتمتع بحالة صحية جيدة.. وقلة أعمالي الفنية لضعف مضمونها    شقيقة أحمد حلمي عن منى زكي: "بسكوتة في طريقتها ورقيقة جدا"    التليجراف: وزير الدفاع البريطانى سيعلن حملة مدتها 50 يوما لتسليح أوكرانيا    واشنطن بوست: قراصنة يشنون هجوما عالميا على وكالات حكومية وجامعات أمريكية    دعاء في جوف الليل: اللهم أجرني برحمتك واجبر بلطفك كسر قلبي    فيديو- عالم بالأوقاف يوضح حكم إقامة الأفراح وهل تتعارض مع الشرع    عبد الكريم مصطفى يشارك فى مران الإسماعيلى بعد التعافى من الإصابة    "يريد أكثر من مبابي".. سبب تعقد مفاوضات تجديد فينيسيوس وخطوة ريال مدريد القادمة    "شباب النواب" تثمن الضربات الاستباقية لوزارة الداخلية في دحر البؤر الإرهابية    إصابة 3 سيدات من أسرة واحدة في انقلاب سيارة ملاكي أمام قرية سياحية بطريق العلمين    "تدخل الإدارة".. نجم الأهلي السابق يكشف مفاجأة بشأن غضب لاعبي الفريق    أنغام فؤاد ومنيب تتألق في صيف الأوبرا 2025 بحضور جماهيري كبير    آدم كايد: حققتُ حلمي بالانضمام إلى الزمالك    أمين الفتوى: التقديم على شقق محدودي الدخل بغير وجه حق «حرام شرعاً»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر: قصة صورتين
نشر في صدى البلد يوم 21 - 12 - 2011

صورتان لا تلتقيان، وتلغي إحداهما الأخرى، تبقيان أيقونتا مصر في عام الثورة، الصورة الأولى هى صورة اللواء محسن الفنجري وهو يؤدي التحية لشهداء الثورة أمام شاشات التليفزيون في رمزية تقدير واحترام لمن جرت دماؤهم في عروق الوطن، فأحيته بإذن الله بعد أن كان جسدا هامدا، والصورة الأخرى هى صورة الفتاة المصرية التي يجرجر الجنود جسدها في الشارع ونصفها الأعلى عارٍ أو يكاد.
فتاة مصرية عرفت فيما بعد على أنها غادة كمال، دكتورة صيدلانية، لا غبية ولا بلطجية، بل فتاة شريفة ربما بذل أهلها كل ما لديهم ليصلوا بها في تعليمها إلى هذه المنزلة، وما ذلك عليهم بأمر قليل.
الصورة الأولى فيها شهامة الجيش المصري واعتداده بوطنه ووطنيته، وبدماء أبنائه، صورة شرف وطن.. والصورة الثانية.. صورة عار، وكفى. ليس فيها من شيم المصريين شيء، ولا من خصالهم أو من طبائعهم حتى عندما ينزل البعض منهم إلى لحظات الإغضاب أو حتى الانحطاط، يبقى جسد المرأة هو جسد الوطن، ما حدث لا من طبائع أهل الريف ولا من طبائع أهل المدن في المحروسة، ليس من طبائع أهل مصر ولا خصالهم أن تكشف عورة فتاة على الملأ، ومن قبل أناس ائتمنهم الوطن على حماية العرض والأرض.. عار، هى كلمة الوصف، وكفى.
صورة الجنود يجرجرون الفتاة مكشوفة بطنها وملابسها الداخلية معروضة على صفحات الصحف العالمية تلغي تماما صورة اللواء المصري الذي ضرب بقدمه الأرض فانفجرت من تحتها اثنتا عشرة عينا للثورة وهو يحيي الشهداء، صورة غادة كمال لم تتفجر تحتها عيون بل فتحت عيونا أخرى على مصر، عيون المصريين وعيون العالم على ما يحدث للمحروسة.. صورة غادة هى مجرى العيون، مجرى عيون الخجل، ودموع على وطن يتسرب من بين أيدينا كالرمال، ونناقش بشيء من شهامة الرجال أو ما تبقى منها، وعلى الملأ في مؤتمراتنا الصحافية، كيف أن الصورة كانت مزيفة، أو كيف أن الفتاة غير الفتاة، وكيف سنجري تحقيقا في ما جرى.. الفتاة غير الفتاة، وربما لأن الوطن غير الوطن.
في الميثولوجيا الفرعونية هناك قصة قريبة مما نحن فيه، حيث يحاكم الثائر بميزان عدل غير الميزان، وتختلط موازين العدالة والقيم عند الحاكم والمحكوم.. يسجل بهاء طاهر في مجموعته القصصية «أنا الملك جئت»، حوارا بين الكاهن الثائر على عبادة الإله آمون «كاي - نن»، وبين كهنة النظام الذين أرادوا أن يعدموه على تمرده كما رأى الفرعون.. فما كان من الكاهن الثائر إلا أن طلب الاحتكام إلى العدالة المتمثلة في ريشة إلهة العدل ماعت، وريشة ماعت هى ريشة العدل في الميثولوجيا المصرية القديمة، إذ توضع الريشة في كفة الميزان، وقلب المتوفى في الكفة الأخرى، فإذا تساوى القلب مع الريشة دخل المتوفى الفردوس، أو في هذه الحالة نجا من العقاب في الدنيا.. وقبل المحاكمة طلب كبير الكهنة من الكاهن الثائر، أن يلتقيا في جلسة سرية، لما بينهما من صداقة قديمة منذ أن كانا معا في مدرسة الكهنوت.. وأسر إليه بسر خطير يضرب في قلب فكرتي العدل والحكم في تلك الفترة.. أسر الكاهن الأكبر لصديقه الذي سيواجه مصير الإعدام المحتوم، بأنه بالفعل ستكون هناك محاكمة وسيكون هناك ميزان، وستكون هناك ريشة، ولكنها لن تكون هى ريشة إلهة العدل ماعت، ولن يكون الميزان هو الميزان.. ببساطة إن الموضوع سيكون من أوله «غش في غش».. وبهذا، ومنذ زمن، رفع بهاء طاهر المرآة للمصريين كي يروا وجوههم الحقيقية فيها، ولكنهم حتى الآن عنها معرضون، لأن الوطن على ما يبدو أصبح غير الوطن، وأصبحت تعرية فتاة في الشارع من مهام من يفترض أنهم أشجع الرجال وأنبلهم.
صورتان لا تلتقيان، صورة شرف وصورة عار، ستبقيان في ذاكرة المصريين صورتين لتناقض جوهري في النفس المصرية الحديثة التي شوهتها ستون عاما من القيم المغشوشة التي لم تكن فيها الريشة هى الريشة ولا الميزان هو الميزان.
المشكلة في مصر اليوم أساسها الصورتان، تناقض بين الحقيقة والغش، وكله يلتقطه الناس عبر الفضائيات وعبر الدش، في مكالمة كاذبة خاطئة، كل مساء، يتحاور من يدعون أنهم يمثلون الثوار مع من يدعون أنهم يمثلون الجيش على تقسيم كعكة الوطن، ولا الجيش هو الجيش ولا الثوار هم الثوار، لا الريشة هى الريشة ولا الميزان هو الميزان.
دخل المصريون الانتخابات بأحزاب دينية غير دستورية، ومع ذلك صوتنا لها، وأصبحت أمرا واقعا، ويقترح البعض الآن في غياب الريشة والميزان أن يتولى رئيس مجلس الشعب المقبل رئاسة البلاد في الفترة المتبقية من المرحلة الانتقالية، يسلم الوطن هكذا لنتيجة عملية مغشوشة من المنبع، ظنا منهم أنهم يسلمون الوطن للثوار، ولا الثوار هم الثوار ولا البرلمان هو البرلمان، بنفس الطريقة التي لم تكن فيها الريشة في محاكمة الكاهن الثائر، لا الريشة هى الريشة ولا الميزان هو الميزان.
لقد تشابه الناس علينا، واختلطت الأمور وانشق الوطن، فلم نعد ندري هل من حيا الشهداء ودب قدمه في الأرض فانفجرت من تحت أقدامه شعارات شتى، هو ذاته الذي كشف عورة فتاة على الملأ في شوارع القاهرة العامرة الثائرة الفائرة.. صورتان لا تلتقيان، وانقسم الوطن: بأي الصورتين يصدقون الناس ويؤمنون، وهم واعون غير مخدرين بالوطنية الزائفة.. لا الذين يتفاوضون مع المجلس العسكري منذ شهور هم الثوار، ولا المجلس الاستشاري من الثوار، ولا المجلس العسكري هو روح الجيش العظيم، لا الريشة هى الريشة ولا الميزان هو الميزان، والصورتان هما الصورتان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.