إيمانا بدور مصر وأزهرنا الشريف الريادى العظيم، وانطلاقا من قدرها وقدره تجاه قضايا أمتنا العربية والإسلامية المختلفة عامة، وفلسطينوالقدسالمحتلة خاصة، على مر السنين والأزمنة، عقد الأزهر الشريف بالتعاون مع مجلس حكماء المسلمين الأربعاء والخميس الماضيين "مؤتمر الأزهر العالمي لنصرة القدس"، برعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، وحضور الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بمشاركة علماء ورجال دين ومفكرين وكتَّاب من 86 دولة، إضافة لمشاركة حركة "ناطورى كارتا" اليهودية، والتي تعد إحدى الحركات الدينية اليهودية الرافضة للسياسات الإسرائيلية ومواقف وقرارات الحكومة الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، برئاسة الحاخام اليهودي مير هيرش، وعدد من الحاخامات اليهود. عقد المؤتمر جاء ضمن سلسلة الآليات والقرارات التي اتخذها فضيلة الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، للرد على قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى مدينة القدسالمحتلة، حيث ناقش المؤتمر استعادة الوعي بقضية القدس، والتأكيد على هويتها العربية الإسلامية، واستعراض المسئولية الدولية تجاه المدينة المقدسة باعتبارها خاضعة للاحتلال. جاء إصدار البيان الختامي للمؤتمر في بنوده الثلاث عشر شاهدا على قيمة وقامة مصرنا العظيمة، وأزهرنا الشريف وشيخه رئيس مجلس حكماء المسلمين، ومدى غيرته وعلمائنا الأفاضل بدول العالم المختلفة على هوية ومكانة وعروبة القدس الشريف عربيا وإسلاميا وكونها حرمًا إسلاميًّا ومسيحيا مقدسا عبر التاريخ، والتأكيد على أن القدس عاصمة أبدية لفلسطين المستقلة، وأن المسلمين والمسيحيين وهم يعملون على تحريرها من الاغتصاب الصهيوني الغاشم، إنما يهدفون إلى تأكيد قداستها، ودفع المجتمع الإنساني إلى تخليصها من الاحتلال الصهيوني. كما أكد البيان أن عروبة القدس ثابتة تاريخيا منذ آلاف السنين، وأمر لا يقبل العبث أو التغيير، ولن تفلح محاولات الصهيونية العالمية في تزييف هذه الحقيقة أو محوها من التاريخ، باعثا برسالة رفض قاطع لقرارات ترامب وإدارته الأمريكية الأخيرة، والتي لا تعدو بالنسبة للعالم العربي والإسلامي وأحرار العالم، أن تكون حبرًا على ورق، إذ رفضها علماؤنا عبر بيانهم رفضا قاطعا، مؤكدين أنها فاقدة للشرعية التاريخية والقانونية والأخلاقية التي تلزم الكيان الغاصب بإنهاء هذا الاحتلال وفقًا لقرارات الأممالمتحدة الصادرة في هذا الشأن. نادى البيان أيضا مشددا على وجوب تسخير جميع الإمكانات الرسمية والشعبية العربية والدولية (إسلامية، مسيحية، يهودية) من أجل إنهاء الاحتلال الصهيوني الغاشم الظالم لأرض فلسطين العربية، داعيا حكومات العالم الإسلامي وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والأممالمتحدة ومنظمات المجتمع المدني إلى التحرك السريع والجاد لوقف تنفيذ قرار الإدارة الأمريكية، وخلق رأي عام عالمي مناهض لهذه السياسات الجائرة ضد الحقوق والحريات الإنسانية. آزر المؤتمر صمود الشعب الفلسطيني الباسل ودعم انتفاضته في مواجهة هذه القرارات المتغطرسة بحق القضية الفلسطينية ومدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك، مؤكدين أنه معهم ولن يخذلهم، حتى يتحرر القدس الشريف، موجها رسالة تحية إعزاز وتقدير، للهبَّة القوية التي قامت بها الشعوب العربيَّة والإسلامية والاتحاد الأوروبي وأحرار العالم، داعيا إلى مواصلتها للضغط على الإدارة الأمريكية للتراجع عن هذا القرار المجافي للشرعية الدولية. وكم أسعدنى ذلك الدعم في تبنى مبادرة الأزهر بتصميم مقرر دراسي عن القدس الشريف يُدرَّس في المعاهد الأزهرية وجامعة الأزهر، استبقاءً لجذوة قضية القدس في نفوس النشء والشباب، وكما جاء بالتوصيات، ترسيخًا لها في ضمائرهم، مع دعوة القائمين على مؤسسات التعليم في الدول العربية والإسلامية، وسائر بلدان العالم، إلى تبني مثل هذه المبادرة. وكم كان قيَّما ومبهرا أن يحثّ المؤتمر عقلاء اليهود أنفسهم للاعتبار بالتاريخ، الذي شهد على اضطهادهم في كل مكان حلّوا به إلَّا في ظل حضارة المسلمين، من باب -وشهد شاهد من أهلها- وأن يعملوا على فضح الممارسات الصهيونية المخالفة لتعاليم موسى عليه السلام التي لم تدع أبدا إلى القتل أو تهجير أصحاب الأرض، أو اغتصاب حقوق الغير وانتهاك حرماته وسلب أرضه ونهب مقدساته. ثم كان اعتماد دعوة ومقترح الأزهر، بأن يكون عام 2018م عاما للقدس الشريف، وحث كل الهيئات والمنظمات العالمية، ودعوتها للحفاظ على الوضع القانوني لمدينة القدس، وتأكيد هُويتها، واتخاذ جميع التدابير الكفيلة بحماية الشعب الفلسطيني. ونأمل نحن العرب -مسلمين ومسيحيين- في كل بقاع وطننا العربى أن يكون "مؤتمر الأزهر العالمي لنصرة القدس"، استعادة حقيقة فاعلة للوعى بهوية القدس الشريف، ورسالة قوية لترامب وإدارته الأمريكية المتغطرسة، ووكيله وكيانه الصهيوني المحتل الغاشم، أن أرضنا ومقدساتنا الإسلامية والمسيحية تمثل عرضنا وشرفنا، ولا نتنازل عن حقنا فيه، والثأر له، حتى وإن دارت عجلة الزمان، وانتهكت الحرمات، وأنَّ كل احتلال إلى زوال إن عاجلا أو آجلا، -كما أكد فضيلة شيخ الأزهر رئيس مجلس حكماء المسلمين الدكتور أحمد الطيب- وأنه إن بدا اليوم وكأنه أمر مستحيل، إلَّا أن الأيام دول، وعاقبة الغاصب ونهاية الظالم وإن طال انتظارها، معلومة ومؤكدة. وإذا كان كما يقال "لا شكر على واجب"، إلا إننى أجدنى امتنانا وواجبا علىّ أن أتقدم بكل الشكر والتقدير لأزهرنا الشريف، وشيخه، وعلماء المسلمين، وكل علماء الديانات الأخرى من دول العالم المختلفة، الذين شاركوا في المؤتمر، على هذا المؤتمر الحيوى المهم الشأن لقدسنا الشريف، ومقدساتنا العربية ولهويتنا الإسلامية، ولتغيير تلك الحقيقة التي كنا نؤمن بها دوما، ولا نملك سواها، المتمثلة في الشجب والتنديد والبكاء والعويل، إلى حقيقة الفعل والأخذ بالمبادأة والمبادرة العربية والإسلامية، مؤمنين جميعا، وكل أحرار العالم معنا، بأن قرار ترامب وتحريك المياه الراكدة بالعالم من حوله، يأتي حلقة جديدة من حلقات توم وجيرى، التي ألفناها حتى مللنا من مشاهدتها، وهو يعلم وربيبته إسرائيل، أن تمكين القدس لإسرائيل ليس عملا ذكيا، بل غباء حيثى.. والله يقول الحق، وهو يهدى السبيل.