قال الدكتور خيري صالح شعراوي، أستاذ الدراسات الإسلامية باللغة الفرنسية بكلية اللغات والترجمة بجامعة الأزهر، إن الله سبحانه وتعالى أرسل النبي محمد رحمة للعالمين، مشيرا إلى أنه منذ أن نزل الوحي عليه في غار حراء، اعتمد النبي (صلى الله عليه وسلم) في رسالته على منهج السلام وقامت دعوته على الحكمة والموعظة الحسنة عملا بقول الله تعالى: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين". وأضاف شعراوي، فى تصريح له، أن النبي عمل بقوة على تأسيس مبدأ التعايش الذي تمثل في الإخاء بين الناس والمساواة بينهم "الناس سواسية كأسنان المشط" وقال أيضا "يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَبيضَ عَلَى أَسْوَدَ َ إِلَّا بِالتَّقْوَى"، ثم قام النبي بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وقام أيضا بالصلح بين الأوس والخزرج، ثم بعد ذلك قام بعمل عظيم ليوضح مدى حرص الإسلام على حقوق الآخر والسعي إلى التعايش السلمي معه واضعا وثيقة المدينة التي تعتبر دستورا وقتئذ لأهل المدينة مسلمين وأهل الكتاب وغيرهم لتحديد علاقات الأطراف مع بعضهم البعض. وأشار أستاذ الدراسات الإسلامية باللغة الفرنسية، إلى أن وثيقة المدينة جاءت لتساوي بين الناس وتدعو للتعايش السلمي وحثت على مبادئ العدالة المطلقة، وأن يتمتع كل إنسان على اختلاف لسانه ولغته ولونه وحتى ديانته بالحرية والتعايش مع أخيه الإنسان، كما أعلنت الوثيقة صراحة أن "حرية العقيدة وحرية العبادة، وحق الأمن والأمان ، والتعايش مكفولة لكل إنسان، للمسلمين دينهم ولأهل الكتاب دينهم" مصداقا لقوله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}. وأوضح شعراوي أن كتب السيرة النبوية تؤكد أن النبي (صلى الله عليه وسلم) نهى عن مخالفة مبدأ التعايش السلمي وحذر من ينكر هذه الدعوة الإسلامية للتعايش وتحقيق العدالة بين الناس، وهذا تطبيق عملي من النبي يدل على قبول الآخر واحترام ثقافته وخصوصياته، ما يؤكد أن الإسلام لا يرفض الآخر على الإطلاق بل إنه يقر أن الاختلاف والتنوع بين الناس في أشكالهم وألوانهم ومعتقداتهم سنة إلهية وحكمة ربانية ينبغي احترامها والحفاظ عليها حيث قال الله تعالى "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ...". وأكد أن ما يحدث الآن على الساحة مخالف لدعوة النبي (صلى الله عليه وسلم)، لأن التعايش مبدأ نادى به الإسلام وشدد عليه، وينبغي على المسلمين أن يعوا محاسن دينهم الحنيف ويحسنوا عرضها على الآخرين ويعملوا على تطبيق روح التعايش والسلام وقبول الآخر في أمورهم الحياتية حتى يفهم الناس أن هذه هى حقيقة الإسلام التى شوهتها الجماعات المتطرفة، لأن مبدأ التعايش الآمن والمودة الحسنة واحترام الآخر هو الذي يحقق السلم والإخاء في المجتمعات البشرية ويساعد على التعارف والتكامل بين البشر.