* سفير مسلمي بورما: * «نصف مليون مسلم» ضحايا مجازر ميانمار * الروهينجا يضطهدون ويقتلون بسبب «اللحية» * حكومة ميانمار حرمت الروهنيجا من «الجنسية والبطاقة الشخصية» * يانمار ضد الدين عامة وأي مسلم فيها يعد «مخالفًا للقانون» * صور مذابح مسلمي بورما على السوشيال ميديا ليست «مفبركة» * مزاعم الحكومة ببورما غير صحيحة والروهينجا أصولهم ليست من بنجلاديش * الإسلام وصل ميانمار قبل البوذية منذ «1200عام» مع التجار العرب عرفنا مسلمو بورما أو بمزيد من الدقة "الروهينجا" من خلال مجموعة من اللقطات والصور المأساوية، المتداولة على صفحات السوشيال ميديا، والتي قد شكك فيها البعض، فثار الخلاف والاختلاف حولها، ولكن هذا لم يمنع المؤسسات الدينية وعلى رأسها الأزهر الشريف، من الشجب والتنديد، ومناداة العالم لرفع الظلم عنهم. واليوم أدرك العالم بل واعترف بأنهم من أكثر شعوب الأرض اضطهادًا، وُوصفوا من بعض مسئولى الأممالمتحدة أنهم بلا أصدقاء، حيث يرفض النظام الحاكم هناك منحهم الجنسية، كما لا تستطيع الدول المجاورة استقبالهم، وفى تصريح لمكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، قال إن ما يواجهه أفراد الروهينجا يبلغ حد الجريمة ضد الإنسانية. ويمكن القول إنه أخيرًا وصلت صرخاتهم إلينا، لكن يبدو أنها لم تصل بعد إلى حكومتهم في ميانمار، والتي مازالت مُصرة على حرمانهم من الجنسية، ومن أبسط حقوقهم الأولية كالأمن والحياة، بزعم أنهم مهاجرون غير قانونيين من بنجلاديش، فتحت هذا العنوان العريض تُستباح دماؤهم وأعراضهم وكرامتهم، بل وتمتهن إنسانيتهم، وببحث هذه "الدعوى" التي يستخدمها النظام للنيل من أولئك المسلمين، وجدنا أنه وفقًا ل"ويكيبيديا" ، عن أصول الروهينغيا، أنهم ينحدرون من بنغلاديش ولغتهم مرتبطة لغويًا بلغة شيتاغونغ المستخدمة في الجزء البنغلاديشيالجنوبي، بما يعني أنه حتى "ويكيبيديا" تعزز ذلك الظن. من هنا كان لابد من الاقتراب أكثر، لنتبين حقيقة معاناة مسلمو بورما "الروهينجا"، وحقيقة تلك الدعوى التي تحرمهم من حقهم الإنساني وحقهم في الحياة، وكذلك تلك الصور المنتشرة بوسائل التواصل الاجتماعي، والتي تعرضت للكثير من الطعن والتشكيك، والأهم من ذلك، كشف سبب تصاعد الأزمة في الآونة الآخيرة، لذا التقى "صدى البلد" بالدكتور عمر فاروق يي تون، سفير مسلمي بورما ومستشار مفتي بورما، للإستفهام منه في الحوار التالي.. وقال: بداية.. بورما هى إحدى دول جنوب شرق آسيا وتقع على امتداد خليج البنغال تحدها من الشمال الشرقي الصين، وتحدها الهندوبنغلاديش من الشمال الغربي، وتشترك حدودها مع كل من لاوس وتايلاند، أما حدودها الجنوبية فسواحل تطل على خليج البنغال والمحيط الهندي ويمتد ذراع من بورما نحو الجنوب الشرقي في شبه جزيرة الملايو، ولقد احتلت بريطانيا بورما في نهاية القرن التاسع عشر وحتي استقلالها في 1948م، كانت بورما تاريخيًا اسمها "بيو"، ثم تغير وحدث لها إعادة تسمية. إعادة تسمية بورما ففي عام1989 م غيرت الحكومة البورمية اسم الدولة رسميًا في الترجمات الإنجليزية من بورما إلى ميانمار، ورسميًا جمهورية اتحاد ميانمار، وعملية إعادة التسمية هذه مازالت مسألة مختلف عليها، حيث اعترفت الأممالمتحدة بالاسم ، ميانمار بعد خمسة أيام من إعلانه، والكثير من الدول لا تزال تعترف باسم الدولة بورما، منها أستراليا، كندا، فرنسا، المملكة المتحدة والولايات المتحدة. فيما تعترف العديد من الدول باسم ميانمار، منها ألمانيا، الهند، اليابان، روسيا، وجمهورية الصين الشعبية، بالإضافة إلى اتحاد دول جنوب شرق آسيا. بداية.. متى وكيف وصل الدين الإسلامي إلى بورما؟ كانت بورما تاريخيًا اسمها قبيلة بيو، وكانت الديانة هندوسية، ووصل التيبيتو-بورمان الذين يتحدثون بلغة بيو لاحقًا في القرن الأول قبل الميلاد إلى بورما وأسسوا فيها عدة مدن وولايات يتحدثون اللغة البورمية، ومنذ ما يقرب من 1200 سنة استطاع التجار العرب المسلمين وأصحاب الطرق الصوفية، الوصول إلى بورما ، حتي عُرفت اللغة عربية بخمس مدن بها. فقد جاء الإسلام قبل البوذية، وعندما حدث كان المسلمون الذين وصلوا بورما إما تجارا أو مستوطنين أو عساكر أو أسرى الحرب أو لاجئين أو ضحايا العبودية، وقد وصل هؤلاء المسلمين إلى أركان وجارتها بنغلاديش بغرض التجارة ونشر الإسلام وهناك استقر الكثير منهم ونشروا تعاليم الدين الإسلامي. وكان عدد السكان من المسلمين في بورما قبل استقلالها عن الهند في ازدياد خلال الحكم البريطاني في بورما بسبب موجات جديدة من المسلمين الهنود المهاجرين، ولكنها انخفضت انخفاضًا حادًا بعد 1941م، بسبب الاتفاقية الهندية-البورمية، ثم مالبثت أن توقفت رسميا عند استقلال بورما (ميانمار) في 4 يناير 1948. من هم الروهنيجيا.. هل هذا مُسمى يُطلق على المسلمين عامة في بورما؟ الروهينغيا أو الروهنيجيا هي اسم قومية عرقية تنتمي إلى عائلة الشعوب الهندية، وتقطن في ولاية أركان غربي بورما أو ما تُعرف اليوم ب"ميانمار"، وهم قبائل مسلمة سُنية، تختلف لغتهم عن بقية سكان بورما، حيث يتحدثون اللغة الروهينغية، وليست البورمية، لذا يصعب حل مشكلتهم بالحوار لعدم وجود لغة حوار مشتركة، وحيث إنهم أقلية دينية يتعرضون إلى تضييق كبير يصل إلى حد القتل، الأمر الذي أدى إلى فرار العديد منهم إلى بنغلاديش المجاورة، وعدة مناطق داخل تايلاند على الحدود مع بورما. حدثنا عن حال مسلمي الروهينجا في بورما وما حقيقة معاناتهم هناك؟ يتعرض مسلمو الروهينجا إلى أعمال عنف وحشية ومجازر وقتل وصور متعددة من الاضطهاد، حتى إنهم محرومون من حق الحياة، ومن أبسط الإنسانيات، فالحكومة في ميانمار تحرمهم من الحصول على الجنسية، ومن بطاقات الهوية الوطنية، وتتعامل معهم على أنهم مهاجرون غير قانونيين، فالجيش في بورما ليس ضد مجموعة معينة بل هو ضد الدين بوجه عام. وفى نظر القانون بميانمار فإن أي مسلم في بورما، يُعد مُخالفًا لقوانين الدولة، وإقامته غير صحيحة، ولا يستحق الجنسية، كما أنهم محرومون حتى من السفر خارج ميانمار وذلك نظرا لكونهم لا يحملون بطاقات هوية مثل باقى مواطنى بورما، بما لا يجعل أمامهم حل سوى الهروب من القتل والحرق والذبح إلى الدول المجاورة مثل بنجلاديش. فقد أكدت حكومة ميانمار في يوليو 2012 بأن الأقلية الروينغية تُصنف على أنها عرقية من مُسلمي البنغال عديمي الجنسية، قدمت من بنغلاديش سنة 1982، وأنها لم تُدرج مع حوالي 130 عرقية تُطالب بجنسية ميانمار، أي أنها ترى أنهم مهاجرون غير قانونيين من بنجلاديش، وبناءً عليه لا يكون لهم أي حق من حقوق المواطن. وما حقيقة ذلك، هل فعلًا مسلمو الروهينجا مهاجرون من بنغلاديش، وليسوا مواطنين بورميين؟ كل الأقاويل المزعومة من الحكومة البورمية، والتي يصدقها كثير من سكان بورما، بأن الروهينجا أصولهم من بنجلاديش غير صحيحة على الإطلاق، فالاغلبية من ميانمار، ولكن أقلية منهم تعود أصولهم لبنجلاديش، حيث إن أكثر المسلمين الأركانيين -بإقليم أركان- ينحدرون من أصول عربية. ويعود نسبهم إلى المسلمين في اليمن والجزيرة العربية وبعض بلاد الشام والعراق والقليل من أصول فارسية، ويوجد أيضًا عدد آخر ولكن أقل بقليل من أصول بنغلاديشية وهندية، وقبائل الروهينجا تعدادها يبلغ نحو مليون مسلم نصفهم تعرض للقتل والنصف الآخر ما بين محاصر فى أركان بميانمار، وتمارس ضدهم أعمال عنف وحشية، وبين هاربين من جحيم القتل والحرق إلى بنجلاديش وغيرها من الدول المجاورة. ويمكن القول أنهم أقليات مسلمة تعيش مع بعض الديانات، التي لا تعرف ولا تفهم مظاهر الإسلام مثل اللحية واللباس، التي تُعد سببًا كافيًا بالنسبة لبورما حكومة ومواطنين، يجعلهم يظنون أن مسلمي الروهينجا جاءوا من بنجلاديش لقربها منهم. هل مشكلة الروهينجا تنحصر على الدولة فقط، وما بال البيئة والجوار هل يتقبلهم بقية سكان بورما؟ فى بورما "ميانمار" عدد السكان يزيد عن 55 مليون نسمة، ونسبة المسلمين في هذا البلد لا تقل عن 15% من مجموع السكان نصفُهم في إقليم أراكان - ذي الأغلبية المسلمة- أي أن مسلمي بورما متركزين بدرجة كبيرة في إقليم "أركان"، فيما أن أغلب سكان بورما من البوذيين ويقطنون في قرى حول دلتا ووادي نهر اراوادوي. ويوجد فى بورما عدة ديانات لكن أكثر سكانها يعتنقون البوذية، وأقلية يعتنقون الإسلام وهم يتركزون في العاصمة رانجون، ومدينة ماندلاى ثم في إقليم أراكان شمالًا على حدود الهند، 89% من السكان هم بوذيون، و4% مسلمون، 4% مسيحيون، 1% الوثنيين، 1% ديانات أخرى تشمل الإحيائية والديانة الصينية الشعبية. إذن لماذا يعاني الروهينجا –مسلمو ولاية أراكان- خاصة من الاضطهاد الديني، إذا كان هناك مسلمون آخرون في أقاليم بورما؟ هناك بعض قبائل مسلمي بورما ملتزمين جيدًا، فيصعب التدخل في شئونهم، فيما أن هناك قبيلة الروهينجا فلديهم تعليم ضعيف ولديهم فكر متشدد، كما أن قبيلة الروهينجا يميلون إلى التشدد ولغتهم تختلف عن باقى المسلمين المنتشرين فى ميانمار. وبشكل عام، يختلف سكان بورما من حيث التركيب العرقي واللغوي بسبب تعدد العناصر المكونة للبلاد، ويتحدث أغلب سكانها اللغة البورمانية ويطلق على هؤلاء "البورمان" وهم " الموغولايت"، أي أن أصولهم من التبت الصينية وهم قبائل شرسة، وعقيدتهم هي البوذية، هاجروا إلى المنطقة "بورما" في القرن السادس عشر الميلادي ثم استولوا على البلاد في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي وهم الطائفة الحاكمة، وباقي السكان يتحدثون لغات متعددة. وهناك "الأرين" وأصول هندية، ومن بين الجماعات المتعددة جماعات أراكان " الروهنيجيا"، ويعيشون في القسم الجنوبي من مرتفعات أراكان بورما، وجماعات الكاشين، والأغلبية من أصول من وسط آسيا وفدوا إلى المنطقة وهي أكبر مجموعة عرقية في البلاد و تشمل ما يقرب من ثلثي السكان. أما المجموعات الأخرى فهي تشمل الكارين وشان والاراكانيس وتشين وكاشين ومون وناجا ووا، حيث يسكن حوالي خمسة وسبعون في المائة منهم في المناطق الريفية، أما البقية فتعيش في المدن. كيف بدأت أزمة مسلمي الروهنيجا مع دولة بورما؟ بالمراجعة التاريخية نجد أن مسلمي بورما يتعرضون للظلم منذ ما يقرب من تسعة وثلاثين سنة، فقد بدأ تاريخ أزمة بورما، منذ تلك السنوات العديدة، وحُرموا خلالها كل تلك السنوات من كل حقوقهم بالتدريج، فبعدما كان لديهم بطاقة قومية ثم تغير ذلك ليس ببطاقة مُستحقة ولكن ببطاقة مؤقتة، ثم صعوبة باستخراج بطاقات هوية، وبالتالي الحرمان من كثير من حقوق المواطنة بالإضافة إلى السفر والعودة مرة أخرى، وكلها إجراءات غير قانونية. وتصاعدت الأزمة بدرجة كبيرة منذ عام 2012 وحتى الآن، وقتل نحو نصف مليون مسلم من الروهينجا، من أصل مليون كانوا يعيشون في بورما. ما سبب تصاعد أعمال العنف ضد المسلمين في بورما في السنوات الأخيرة؟ هناك مجموعة من الأخطاء والمغيبات وراء تصاعد أزمة مسلمي الروهينجا، ومنها ضعف تعليمهم مع تشددهم الديني، فضلًا عن أنهم أقلية دينية تعيش بين أغلبية لا تستطيع استيعاب مظاهرهم الدينية، والمتمثلة في لحية ولباس، يُضفي عليهم مظهر أبناء دولة مجاورة، ويشكك في مواطنتهم، فضلًا عن اختلاف في اللغة يعزز هذا الخلاف والاختلاف، حيث إن غالبية سكان بورما يتحدثون اللغة البورمية، ولا يفهمون اللغة الروهينية التي يتحدث بها مسلمو الروهينجا. فرئيسة وزراء ميانمار "أون سان سوتشي" والتي ليس لها سلطة، فهى تتعامل مع الشعب فقط، وتحاول معه بنشر الحب والسلام بين طوائفه، ولكن كل جهودها تلك ومساعيها من أجل مسلمي بورما لا تصل إلى قبائل الروهينجا، حيث إن الناس هناك لا يفهمون اللغة البورمية، وإنما السلطات في ثلاثة أيدي، هي: "وزارة الداخلية، ووزارة الدفاع، والوزارة الحدودية"، وجميعها سلطة كبيرة بالجيش، والذي قرر أن الأقلية الروينغية تُصنف على أنها عرقية من مُسلمي البنغال عديمي الجنسية، وبناءً عليه يحرمون من الحياة، ويتعرضون للتطهير عرقى. هل صور المجازر المنتشرة بالسوشيال ميديا لمسلمي بورما حقيقية أم مفبركة؟ كل الدعاوى التي تشكك في الصور التى يتم تداولها بالسوشيال ميديا عن القتل والحرق الذى يتعرض له المسلمين، وكذلك تلك الأخبار المنشورة التي تقلل من مأساة مسلمي الروهينجا، وترى أنهم لا يستحقون، ليست أكثر من كذبة هدفها إضاعة حق مسلمي الروهينجا في الحياة والحصول على مساعدة العالم وحمايته. والفيديوهات التى تتنشر على السوشيال ميديا معظمها صحيح وما تتضمنه من محتويات صادمة ووحشية حقيقي، والتشكيك فيها، ووصفها بالمُفبركة، هو ظلم كبير لمسلمين يتعرضون للظلم منذ أكثر من 39 سنة.