أصبح من المتعارف عليه عالمياً، أن واحداً من الإجراءات التي يمكن اتخاذها ضد دولة ما أو نظام حكم أو حزب معين ، يتمثل في الحجز على أموال المسئولين في ذلك النظام و المودعة في المصارف العالمية وخاصة سويسرا وأمريكا وفرنسا وبريطانيا والعديد من الجزر في المحيط الهادي ...الخ. ومنذ بداية الربيع العربي مع مطلع عام 2011 ، توالت الأسماء والأرقام بلا انقطاع في هذا البلد أو ذاك ، لتزيح الستار عن صورة كانت غير معروفة للوطن والمواطن صورة تكشف حالة التكسب والتنفع والسمسرة غير القانونية المتفشية على أعلى المستويات. والملفت للنظر انه كلما ازدادت الإجراءات الدولية شده كلما ظهرت أسماء جديدة تضم مدنيين وعسكريين على السواء وبشكل رئيس مسئولين في مواقع متقدمة جداً .ابتداء من رؤساء الدول وانتهاء بمديري مكاتبهم. وما بين هؤلاء وهؤلاء من وسطاء ورجال أعمال ووكلاء وعملاء وأقرباء وانسباء وغيرهم . والأموال التي يجري الحجز عليها ،عادة ما تكون بعشرات أو مئات الملايين وأحياناً كما كان الحال مع القذافي ومبارك قد تصل الى المليارات . أما أبن علي والأسد وأركان حكمهما فالحديث فقط عن عشرات الملايين. ومع الدخول غير الرشيد وغير العلمي، وغير الحكيم من منظور وطني لحقبة السوق المفتوح والخصخصة وتجاهل العنصر الاجتماعي في ألاقتصاد وفهم السوق على أنه تخلي الدولة عن مسئولياتها والتعامل مع الخصخصة على انها مجرد بيع موجودات وثروات الوطن للمشتري ألأجنبي وبقرار أو توصية أو تشجيع سياسي. من هذا المسئول أو ذاك وربط كل ذلك بالعبارة السحرية الغامضة “ المصلحة الوطنية"، ومع غياب أدوات الرقابة الشعبية، وسيطرة الأجهزة التنفيذية على الأجهزة التشريعية والفضائية مع كل ذلك تعمق زواج المال بالسلطة، وأصبح المال الكبير على شكل عمولات وحصص تقدر بالملايين يتسرب من مفاصل الدولة ويجري في ايدي المتكسبين والمستفيدين من المسئولين وسواهم. والسؤال كيف كانت تسرق هذه الأموال وكيف كان يجري الحصول عليها؟ وكيف يتم تحويلها ؟ وهل مازالت الحال كما هي دون تغيير ؟هناك منابع رئيسة لهذه الأموال ينبغي النظر فيها. الأول : العقود الضخمة وغير معروفة التفاصيل لصفقات الأسلحة والمعدات والعسكرية والتي تصل قيمتها عادة الى عشرات ومئات الملايين. والمنطقة العربية هي من أكبر المناطق المستوردة للأسلحة والمعدات العسكرية في العالم وبمعدل يتجاوز (4.5) مليار دولار سنوياً. وهناك في كل بلد سلسلة طويلة من الوسطاء والمستوردين تتيح الفرصة للحصول على العمولات التي يتم تحويلها إلى الخارج . الثاني : العقود الضخمة أيضاً للمواد الغذائية ومنها الحبوب. حيث تستورد المنطقة العربية ما يزيد عن (32) مليار دولار سنويا من الغذاء،و من القمح وحده ما يقرب من (40) مليون طن سنوياً في عقود كبيرة تتيح الفرصة للنفوذ السياسي وللوسطاء الإفادة من هذه العقود . الثالث : المرافق التي تمت خصخصتها تتجاوز مئات الملايين لتصل الى المليارات . وهنا تكمن الفرص للتجاوز على المال العام خاصة وانه ليس هناك من ضوالمرافقة.معلنة لقيمة وأسعار المرافق المراد خصخصتهما ولا للشروط التفصيلية المرافقة . ولآن الشركاء الإستراتيجيين في الغالب هم من الأجانب فإن العمولات تذهب مباشرة الى حسابات المستفيدين في البنوك الدولية. ولا يعلم أحد بالتحويلات والحسابات والترتيبات التي ترافق كل ذلك . الرابع : الأراضي. حيث يتم شراء أو استملاك أو تفويض أو الاستيلاء على أراض ذات قيمة سوقية متواضعة أو ثمينة جدا وكثيراً ما تكون أراضي زراعية أو غابات أو ذات مواقع هامة.ومن ثم تباع هذه الى مستثمرين أجانب أو محليين بأسعار باهظة أو بخسه و لكنها ليست عادلة في أي حال من الأحوال. ويستفيد المسئولون و المستنفذون والوسطاء من فروق الأسعار والتي تبدو ظاهرياً انها طبيعية. و أحيانا يتم العكس اذ تمنح أراض عالية القيمة بأثمان رمزية بخسة، وهذه تبلغ مئات الملايين من الدولارات ويتم تحويل العمولات الى البنوك الأجنبية. الخامس :مشاريع الإسكان والأعمال. حيث تقام مشاريع اسكانية على أراض رخيصة الثمن، وتباع بأعلى الأسعار. كما كان يحدث في مصر أيام مبارك. ويسهل المسئولون و المتنفذون الحصول على التراخيص والخدمات والموافقات مقابل عمولات كبيرة. السادس : التسهيلات البنكية حيث تتم إحالة عطاءات أو مشاريع على شركات أو مستثمرين و أحيانا أشخاص لا تتوفر لديهم الأموال أو لا تتوفر لديهم المعدات أو الخبرة. وبمجرد أن تحال العطاءات أو يمنحوا التراخيص أو الامتياز يصبح بإمكانهم الحصول على التمويل من البنوك المجلية أو بيع أسهم شركاتهم بأسعار مضاعفه وخلال ذلك تصل العمولات الى المتنفذين. كما فعل حسين سالم بامتياز الغاز المصري. وحقيقة الأمر ان مجمل هذه الأموال وهي جزء أساس من حقوق الشعب والوطن كافية لتغيير حالة المجتمع الى الأفضل لو أنها استثمرت لصالح المجتمع ولم تذهب الى الجيوب الخاصة، والبنوك الأجنبية. سابعا :عدم التهاون في قضايا الفساد .ثامنا:التحسين الأفقي والعمودي للحاكمية للوصول إلى الحاكمية الجيدة. تاسعا إعادة الاعتبار للقيم الإنسانية والأخلاقية والوطنية في التربية والتعليم والثقافة والإعلام وفي إدارة الدولة.عاشرا سيادة القانون على الجميع بالعدل والمواطنة وبالمساواة وفاعلية الإدارة الحكومية. أن قادة ست دول عربية نهبوا نحو 300 بليون دولار من ثروات بلادهم على مدى الأربعين سنة الماضية. والدول هى مصر والعراق (فى ظل صدام حسين) وتونس وليبيا واليمن وسوريا وهذه الأموال كان يمكن أن تزيد خلال تلك الفترة إلى أكثر من تريليون دولار لو استثمرت فى التنمية البشرية والصناعية والبنى التحتية. أن خبراء البنك الدولى قدروا حجم الأموال المنهوبة من مصر خلال الثلاثين سنة الأخيرة (سنوات عهد مبارك) بنحو 134 بليون دولار من بينها 54 بليونا فى السنوات الثمانى الأجيرة فى حين ذكر برنامج هيئة الإذاعة البريطانية أنها لا تزيد كثيرا على البليون دولار منها 700 مليون فرنك فى مصارف سويسرا. لكن تلك الأموال لم ترد بعد إلى الخزينة المصرية، وقد تستغرق عملية الرد نحو عشر سنوات، إن الحكومة السويسرية أصدرت أمرا بتجميد أصول مبارك بعد نصف ساعة من تنحية فى حين أن بريطانيا لم تقرر ذلك إلا بعد 37 يومأ ومع ذلك فإن الجهات الرسمية هناك لم تأخذ الأمر على محمل الجد وغضت الطرف عن ممارسات كثيرة لأسرة مبارك وأعوانه كان ينبغى أن تخضع للتجميد، وإن بريطانيا كانت الاسوأ فى التعامل مع ذلك الملف. عرضت ال«بى بى سى» مستندات خاصة بالشركات التى أسسها أبناء مبارك وأعوانه على مدى الأشهر الستة الأولى بعد الثورة. ولاحظت أن هؤلاء استغلوا التسهيلات فى فروع المصارف العربية فى حى المال بلندن وسجلوا فيها الإيداعات عبر شركات قابضة. وتبين أنهم نظفوا الأموال القذرة فى ملذات مثل بنما وجزر كايمن وقبرص وجبل طارق إضافة إلى بعض مراكز المال العربية (دبى فى المقدمة منها)، كان النهب مبرمجا ومنظما من جانب أسرة مبارك ورجالة إذ تم تأسيس مصرفين خاصين فى عهد الرئيس السابق، لهما وضع مصارف أوف شور للتعامل مع تحويل الأموال خارج مصر. وقد تم تأسيس المصرفين وفقا لمرسوم رئاسى صدر فى عام 1974، قبل وصول مبارك إلى السلطة. وكان جمال مبارك عضوا فى مجلس إدارة احدهما وهو مختلط عربى أفريقى. وقد ظل أحد المصرفين يمارس نشاطه كالمعتاد حتى 22 مارس 2012 (13 شهرا بعد الثورة) حين تم تعديل نظامه وأخضع لرقابة البنك المركزى المصرى. أشار البرنامج إلى أن مرسوما رئاسيا صدر فى 2004 حدد دورا للبنك المركزى فى رقابة مصارف الأوف شور، ومن بينها المصرفان المذكوران، وأعطى المرسوم للرئيس الحق فى تعيين محافظ البنك المركزى ورئاسة مجالس إدارات المصارف بما فيها مصارف الأوف شور. وتحدث عن ان بعض المصارف التى ساعدت فى تهريب الأموال وتنظيفها لاتزال فى مراكز القرار. صدر قرار بريطانى بتجميد أصول بقيمة 85 مليون جنيه إسترلينى يملكها مبارك وزوجته ونجلاه، إضافة إلى 15 آخرين من الأعوان. إلا أن تحقيقات ال«بى بى سى» بينت أن ممتلكات وأصولا أخرى لم يشملها التجميد منها منازل فاخرة فى منطقتى «تشيلسى» و«نايتس بريدج» الراقيتين فى لندن. إضافة إلى شركات تجارية ظلت تمارس نشاطها لعدة أشهر بعد صدور قرار التجميد. لم يستطع مندوبو الهيئة البريطانية أن يجدوا أية مؤشرات دالة على أن مكتب تسجيل الأراضى والعقارات اتخذ قرارا بشأن المنزل الذى كان يقيم فيه جمال مبارك لسنوات عدة فى منطقة «ويلتون بالاس» بحى «نايتس بريدج» ويقدر ثمنه بما يتراوح بين 8 و10 ملايين إسترلينى. وهو العنوان الذى اعتبره محل إقامته وسجله فى شهادة ميلاد ابنته فريدة. أثناء التحقيقات التى أجريت حول تصرفات أسرة مبارك فى جنيف تبين أن قرينة الرئيس السيدة سوزان مبارك كانت تقيم فى جناح ملكى فى فندق فور سيزونز، بكلفة 15 ألف دولار فى الليلة الواحدة (أكثر من 90 ألف جنيه مصرى،في النهاية نقول ان البنوك عبر تاريخها الطويل قد ابتلعت اموال الشعوب المنهوبة ولم ترجعها سواء للشعوب او من نهبها من الزعماء او الاشخاص فصيرها التأميم من قبل هذه البنوك للان الشعوب غير قادرة للوصل اليها وناهبوها من القيادات والزعماء غير قادرين بالاستمتاع بها فكانت فرصة لهذه البنوك لتأميمها ولا عزاء للشعوب الفقراء من نهب البنوك اموالها.