يكشف كتاب "بديع خيري الأعمال الشعرية الكاملة" عن أن هذا المبدع لم يكتف بأن يكون شاعرًا وزجلاً ومؤلفًا لمسرحيات لنجيب الريحانى بل كان صحفيًا أصدر العديد المجلات منها مجلة "ألف صنف" وهي مجلة اجتماعية ثقافية بالعامية واهتم فيها بالحركة الزجلية، فنشر لكثير من زجالي عصره وتبنى في هذه المجلة قضايا حزب الوفد وآراءه. وفى 10 أغسطس 1930 أصدر بديع خيري جريدة "النهاردة" اليومية هدفها الأساسي الجهاد من أجل الدستور، وكتب في أعلى الصفحة الأولى "الأمة مصدر السلطات" وكتب أسفل الجريدة "النهار وليد الجهاد في سبيل الدستور". وجاء اهتمامه بالدستور انطلاقًا من الظروف التاريخية في عصره آنذاك حيث عطلت وزارة محمد محمود باشا العمل بدستور 1923 في عام 1928 وألغته وزارة صدقي باشا بعد أن تشكلت في 1930 وأحلت محله دستورًا جديدًا، وكتب بديع افتتاحية للجريدة تحت عنوان "حديث النهار.. الميثاق"، فقال: "باسم الله، وباسم الدستور نفتتح عهد الجهاد بهذه الجريدة في سبيل مصر وفي سبيل ما تصبو إليه من حرية صحيحة واستقلال تام وفي سبيل ما تحرص عليه من حياة نيابية صادقة". ولم تستمر الجريدة طويلاً إذ صادرها إسماعيل صدقي بعد صدور عددها الثامن في 17/8/1930 وعادت "ألف صنف" إلى الصدور مرة أخرى في 19 أغسطس 1930 وعلى غلافها صورة لسعد زغلول، إلا أن إسماعيل صدقى سرعان ما صادرها في 17 فبراير 1930 بحجة أنها تحمل صورًا خليعة والحقيقة أنها لم تحمل طوال هذه الفترة سوى صورة واحدة لسعد زغلول. وأصدر بديع خيري في يناير 1926 بالاشتراك مع محمود طاهر العربي مجلة سياسية أطلق عليها "الغول" وكان أهم أبوابها "جولة في المنام " التي كان ينتقد فيها السياسيين في عصره، وجميع ما نشر في هذه المجلة جاء دون توقيع، وقام محمد محمود باشا بمصادرتها مع بداية عام 1929، وفي نهاية عام 1927 أصدر محمود طاهر العربي مجلة "مصر الحرة" ورأس بديع خيري تحريرها. ويشير الكتاب الذي حققه الدكتور نبيل بهجت وصدر ضمن مكتبة الأسرة بالهيئة المصرية العامة للكتاب أن بديع شاعر ثورة 19 بلا منازع بما كتبه من اغانى لسيد درويش التي ألهبت حماس الجماهير والتي نرددها حتى الآن. ويبدأ الكتاب -الذي يضم 900 صفحة من القطع الكبير- بدراسة محققة لأعمال بديع خيري يعرض فيها المحقق للعديد من القصائد التي تركها بدون توقيع أو بتوقيع مستعار، ويعتمد على أدلة مختلفة تثبت نسبة هذه القصائد إلى بديع خيري، ويقدم بعد ذلك ثبتا لأعمال بديع خيري، سواء كانت الأغاني أو المسرحيات المختلفة أو الأفلام. ثم يعرض الكتاب بعدها للقصائد السياسية، والمساجلات ثم القصائد الاجتماعية، ثم القصائد التي وقعها باسم مستعار، ثم قصائد المناسبات، فالقصائد العاطفية، ثم افتتاحيات مجلة "ألف صنف"، ثم الإعلانات الزجلية، ثم الأغاني العامة، أغاني الأفلام، أغاني الاستعراضات والمسرحيات. وبديع خيري من مواليد القاهرة في 18 أغسطس 1893، وتوفى في 3 فبراير 1966، أبوه من أصل تركي جاء إلى مصر عام 1890، وأرسله والده إلى الكتاب فحفظ القرآن، وانتظم في دراسته حتى حصل على دبلوم المعلمين عام 1914، وثقف نفسه منذ نعومة أظفاره بالثقافة الشعبية فانصهر في مقاهي الجمالية والبغالة والإمام الشافعي، يستمع إلى ما ينشده شاعر الربابة من السير والأشعار. وقال خيري عن هذه المقاهي "هي مدرستي الأولى في التأليف المسرحي، حتى لهجات البلاد العربية عرفتها وحفظتها هناك، إذ كان يتردد عليها أبناء تلك البلاد الشقيقة الذين يدرسون أو يتاجرون أو يسيحون في القاهرة". وعاش بديع خيري آمال تلك الفئات وآلامهم وذاق مرارة الاحتلال، فانتسب للحزب الوطني منذ صباه، ونشر وهو في الثالثة عشرة من عمره (عام 1906) في جريدة الحزب الوطني قصيدة عن عقيدة الحزب الوطني التي كان يعتنقها معظم أبناء الشعب المصري في ذلك الوقت ووقعها ب"ابن النيل". وبدأ بديع خيري بكتابة الشعر الفصيح كما يقول في مقال له في مجلة "الأستوديو" وعمل فور تخرجه مترجما في شركة التليفونات وفصل منها على أثر إهماله لشكوى من بيت واطسون باشا، ثم عمل مدرسا في مدرسة رفاعة باشا الطهطاوي في طهطا، ثم في مدرسة السلطان حسن في شبرا. ومع بداية عام 1918 انفصل نجيب الريحاني عن مؤلفه أمين صدقي على أثر خلاف حدث حول مسرحية "حمار وحلاوة"، وبدأ في البحث عن مؤلف جديد، في الوقت الذي كان يعرض فيه بديع خيري مسرحيته الأولى والتي كانت تقدمها فرقة نادي التمثيل العصري، وكان يخفي اسمه خشية أن يفقد وظيفته الحكومية فكتب له استعراض "على كيفك" و"مصر" (1918 1920)، وبداية من الاستعراض الثالث "ولو" أنضم سيد درويش لفرقة الريحاني. وفي مارس 1919 قامت الثورة وجاءت استعراضات تلك الفترة لتقف على قضايا العمل الوطني وقدم بديع استعراضات "قولوله" الذي عرض في 17/5/1919 و"اش" الذي عرض في 23/6/1919 و"كله من ده" الذي عرض في أكتوبر 1919 و"رن" الذي عرض في 23/11/1919 و"فشر" الذي عرض في 15/4/1920. ويقول محقق ديوان بديع خيري "كانت الدوريات التى أصدرها أحد أهم مصادر هذا الديوان ثم جاءت بعد ذلك الدوريات المهتمة بالزجل كالسيف والمسامير، والكشكول، والفكاهة، والمطرقة، والمصيدة، والفارس، والعروسة، والراديو، والإذاعة المصرية، والبعكوكة... واعتمدت أيضا على الدوريات الفنية التي كانت تتابع أخباره كالفنون، والمسرح، والتياترو، والمصور، والكواكب، والصباح وغيرها وكانت المكتبات الخاصة أحد أهم مصادر الجزء الثاني، ومكتبة الإذاعة المصرية ومكتبة المركز القومي للمسرح".