* أبو الغيط لرؤساء البرلمانات العرب: * توجهات أمريكا فى القضاء على الإرهاب تتفق مع المصالح العربية * الحُكم الرشيد الحصن الأهم فى مواجهة تهديدات دولنا * نشهد حالة غير مسبوقة من التكالب على العالم العربى وفق مشروع طائفي للتقسيم أكد أحمد أبو الغيط، الأمين العام للجامعة العربية، أنه رصد إشارات متضاربة من الإدارة الأمريكية الجديدة، وقال: "نُفضِل أن نتريث وأن نُراقب ما يجري، فبعضُ توجهات هذه الإدارة في التصدي للإرهاب بجميع صوره يتفق مع المصالح والأهداف العربية كما نفهمها، كما أن موقفها من بعض القوى الإقليمية التي جاوزت المدى في تدخلاتها في الشئون العربية يُعد إيجابيًا، على أن الوقت ما زال مُبكرًا للحُكم على مُجمل توجهات الإدارة أو مواقفها من العالم العربى". كما أكد أبو الغيط، خلال كلمته اليوم، السبت، فى المؤتمر الثاني لرؤساء البرلمانات العربية، أن "هناك بالقطع ما يُقلق من الإدارة الأمريكية في بعض ما أُعلن بشأن القضية الفلسطينية، التي لا تزال عنوانا أساسيًا على أجندة الاهتمامات العربية"، مشيرا إلى أن الحكومة اليمينية في إسرائيل تسعى إلى انتهاز فُرصة التشوش الحادث على الساحة الدولية، وما تظن أنه ضوء أخضر لها لتمعِن في الاستيلاء على الأرض واستكمال مشروعها الاستيطاني البغيض الذي يقوض احتمالات تحقيق حل الدولتين، ويجعل من الصعب إقامة الدولة الفلسطينية المُستقلة وعاصمتها القُدس الشرقية. وقال: "تعرفون جميعًا أن الإرادة الدولية اجتمعت على إدانة هذا النهج الإسرائيلي، واعتبرت المستوطنات خروجًا على القانون في القرار التاريخي 2334 الصادر عن مجلس الأمن في ديسمبر 2016، كما أن مؤتمر السلام الذي عُقد في باريس الشهر الماضي وحضره ممثلون عن أكثر من سبعين دولة جددّ التزام المُجتمع الدولي بحل الدولتين باعتباره السبيل الوحيد لإنهاء الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وبقي أن يتحقق هذا الالتزام فعليًا وأن يجري إنفاذ هذه الإرادة الدولية، فليس معقولًا ولا منطقيًا أن تفرض دولة واحدة إرادتها على المُجتمع الدولي بأسره، وأن تكون سببًا في إشاعة هذا القدر من انعدام الاستقرار والاضطراب في المنطقة، بل وفي العالم كله". وأضاف: "المجالس والبرلمانات العربية مدعوة إلى الإبقاء على قضية فلسطين حيةً، وعليها الاستمرار في التحرك وتكثيف جهودها في إطار الدبلوماسية البرلمانية مع نظرائها من البرلمانات الدولية لتأكيد مطالب الشعب الفلسطيني في المحافل والمؤتمرات البرلمانية الدولية، ولا تعارض أبدًا بين الدبلوماسية الحكومية والدبلوماسية البرلمانية، فالأخيرة موازية للأولى ومكملة لها". وأوضح أبو الغيط أن "البرلمانات والمجالس النيابية هي ركيزة أساسية من ركائز الدولة الوطنية الحديثة، وهي ليست، ولا ينبغي أن تكون، مجرد مظهر ديكوري أو كيان تجميلي، فالمهام التمثيلية والتشريعية والرقابية، هي من صميم آليات الدولة الحديثة، وبدونها تصيرُ الدول أقل منعة وأكثر عرضةً للاضطراب، والأمرُ متروك بالطبع لكل دولة لكي تجد الصيغة الأمثل لعمل هذه الآلية، الصيغة التي تُناسب مُعطياتها السياسية والاجتماعية بحيث تكون برلماناتها مُعبرة بحق عن واقعها الثقافي والاجتماعي ومُنسجمة معه". كما قال أبو الغيط إن "الجامعة العربية – كما نعرف جميعًا - مؤسسة للحكومات وللدول، وهذه هي طبيعة عملها وهذا ما أراده له مؤسسوها، إلا أنها تظل فوق ذلك البوتقة الحاضنة لفكرة العروبة بمعناها الواسع، وتبقى الخيط الناظم لكل مسارات العمل العربي في أبعاده الشعبية والرسمية على حدٍ سواء، وغنيٌ عن البيان ما ينطوي عليه البعد الشعبي من أهمية بالغة في هذه المرحلة بالذات، فالعمل المُشترك ظل لسنوات طويلة حِكرًا على الرسميين من ممثلي الحكومات، وكان في ذلك إغفالٌ لجانبٍ مُهم من جوانب المنظومة العربية، ولا شك أن البرلماناتِ العربية تُعدُ التجسيد الحقيقيَ لإرادة الشعوب العربية، والممثل لطموحاتها والمعبر عن آمالها وتطلعاتها، وهي بذلك ركنٌ لا غنى عنه في منظومة العمل العربي". وأضاف: "لا يخفى عليكم جميعًا أن التهديدات التي تواجه دولنا الوطنية صارت تتعاظم كل يوم في حدتها، وتتصاعد في كثافتها وخطورتها، وهي تهديدات تضرب للأسف في كيان الدول، وتستهدف شرعيتها وبقاءها ككيانات سياسية موحدة ومستقرة، ولا شك أن الحُكم الرشيد، بمعناه الشامل، يُمثل الحصن الأهم في مواجهة هذه التهديدات الخطيرة، ذلك أنه السبيل الأوفق للحفاظ على علاقة سليمة وصحية بين الحُكام والمحكومين، وهي علاقة تسير في طريقين، فيكون لدى الحُكام الفرصة للاستماع لآراء الناس والوقوف على رغباتهم وتصوراتهم عن المستقبل، ويكون لدى الناسُ – من جانب آخر- الفُرصة لمناقشة ما يطرحه الحُكام من خطط وما يتخذونه من قرارات، هذه العلاقة التبادلية هي من علامات الحُكم الرشيد، ومن مقومات الاستقرار الاجتماعي والسياسي، وما من شكٍ في أن إغفالها وتجاهلها أوصل بعضَ دولنا إلى ما نشهده للأسف من تفكك وتناحر واحتراب بعد أن انسدت قنوات الحوار والتواصل بين الحُكام والمحكومين، وساد بدلًا منها شعورٌ متبادل بالشكِ والريبة وانعدام الثقة". وتابع: "إن اجتماع اليوم يكتسب أهمية خاصة كونه يُكرِس أعماله لبلورة رؤية عربية برلمانية شاملة لمواجهة التحديات الراهنة المُحدقة بالعالم العربي، وهي تحدياتٌ، وإن كانت تختلف من بلدٍ لآخر، إلا أن ثمة قواسم مُشتركة تجمع بينها، ولا أخفيكم أن الصورة – كما أراها- ليست بأي حال وردية، وأن التغيرات المُتسارعة في الإقليم والعالم تستدعي منّا جميعًا انتباها كاملًا ويقظة حقيقية وإرادة جماعية للتحرك والفعل". وأكد أن "الأزمات التي تعصف ببعض بلداننا العربية، سواء في سوريا أو اليمن أو ليبيا، تفرض على البرلمانيين العرب مسئولية ضخمة، فما يجري في هذه الأقطار العربية هو شأن يهم المواطنين العرب من المُحيط إلى الخليج، ويتعين على أعضاء المجالس النيابية والبرلمانات الاضطلاع بمهامهم في مناقشة هذه القضايا الخطيرة، وطرحها للجدل العام، وإشعار الجمهور بأهميتها وخطورتها وضرورة التداعي الجماعي لمعالجتها والتعامل مع تبعاتها الخطيرة في إطار منظومة العمل العربي المشترك حفاظًا على الدولة الوطنية العربية وسيادتها ومقدرات شعوبها". وقال: "إننا نشهد حالة غير مسبوقة من التكالب على العالم العربي من جانب قوى إقليمية تستغل فُرصة الفوضى التي ضربت بعض ربوعنا، هذه القوى تعمل على إزكاء الفوضى وتعميق التفكك عبر تبنيها لمشروع طائفي يُقسم الأوطان على أساس الهوية الدينية، ويبث فيها بذور الشقاق والاحتراب، ومن واجب الشعوب العربية، قبل الحكومات، مواجهة هذه المُخططات التخريبية التي تستهدف استقرارها بالدرجة الأولى، وترمي إلى تمزيق نسيجها الوطني وتفكيكها، وإنني على ثقة من أن قيادات العمل البرلماني العربي على وعي كامل بهذه المخاطر، ولديهم إدراك لمسئولياتهم إزاء تنبيه الناس لها وتحذيرهم منها".