يهل علينا شهر رمضان مصحوبا بنفحات الخير والرحمات ويقبل العباد على القرآن الكريم إقبالا؛ إيمانا بأنه الباب الذي يلج منه أصحاب الألباب المخلصة، ولا غرو في ذلك لأن في كل آية من آيات النص المبارك دلالة تدل على وجود الخالق، والأدلة على ذلك كثيرة والشواهد عليها لا تنضب استدلالاتها، ففي قوله تعالى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) }البقرة :30{ في معرض حكاية الحق - سبحانه وتعالى - لقصة خلق آدم عليه السلام، حيث يقودنا التصوير القرآني الفريد إلى تجسيد المشهد القائم بين الحق – سبحانه و تعالى – والملائكة، والحامل لتتميم المراد من القصص القرآني الذي لم يأت للحكاية الفنية فقط بل جاء لمقاصد وأهداف أستأثر بها دون غيره من ألوان البناء النثري، وأول أولئك هو تفرد الحق - سبحانه وتعالى - دون غيره بالربوبية والرحمة لعياله من الملائكة والإنس والجن؛ وخير شاهد ودليل الآية محل الاستشهاد حيث جاء النظم القرآني متصدرا في الآية المباركة بقوله تعالى: (وإذ قال ربك) ولم يقل :( وإذ قال الله). لأن (الرب) مأخوذة من الربوبية المعنية بالتربية والعناية. وثانيها أن الآية المباركة جاءت مؤكدة أن الملائكة لهم عقول، فهم يتكلمون ويحاورون، وفي هذا إبطال للقول القائل: إن الملائكة عبارة عن القوى الخيرية، وليست أجساما تتكلم أو تسمع. وأما الأمر التالي فممثل في أن سفك الدماء من أهم الأمور الجلل المصاحبة لحركة الإنسان على الأرض، والدليل على ذلك أن الملائكة استعانت في تأييد استفهامها بشاهد يجترفه الإنسان على الأرض - باعتبار ما سيكون - وعلى رأس الاستدلال (سفك الدماء)، ويخيل إليّ أن الملائكة تستفهم عن علة استخلاف آدم في الأرض مع يقين الملائكة بأن الله – سبحانه وتعالى – يعلم ما لا يعلمون، كما هو كائن في الدلالة المصاحبة للآية المباركة. وعلى الرغم من ذلك الأمر السالف فحينما قال الحق سبحانه وتعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ)} البقرة: 34{ يشخص في خاطري مشهد التسليم واليقين الذي لازم الملائكة حيث تنفيذ التكليف الإلهي الممثل في السجود لآدم، إلا إبليس على الرغم من أنه لم يكن من الملائكة إلا أنه كان يعمل بنفس أعمال الملائكة من الطاعة والتسبيح؛ لذلك دخل في إطار التكليف إلا أن استكباره حال بينه وبين تنفيذ التكليف الإلهي، لذلك كان جزاؤه أنه صار من الكافرين الخارجين عن رحمة الرب – جل علاه – وفي شهر رمضان تصفد الشياطين الذين توعدوا لبني آدم، قال تعالى: قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16)) (الأعراف). وهذا العقاب رحمة من رحمات الشهر الكريم ببني آدم، ليتجلى للرائي لونا من ألوان ربوبية الحق – سبحانه و تعالى – لعباده حتى يكونوا أجدر على العبادة والطاعة و الفوز بالجائزة العظمى في الشهر المبارك و هي المغفرة الربانية بعد أن تخلص الإنسان من شرور الوسواس الخناس الذي يوسوس في الصدور بقدرة الخالق جل علاه. فاحرص عبد الله على ألا ينقضي شهر رمضان دون أن تنال العفو و المغفرة التي وعد بها الحق عباده الطائعين الصالحين بعد أن صفدت آلة الانحراف عن طريق الهداية والصلاح.