أستبدل بنص الآيات القرآنية التي أستشهد بها في المقالات الصحفية اسم السورة ورقمها ورقم الآية، وذلك لمعرفتي أن أوراق الصحف قد تداس بالأقدام أو تستخدم في تنظيف الأشياء أو تلقي في أماكن غير طاهرة، وعندئذ تتعرض النصوص القرآنية لما لا ينبغي أن تتعرض له. وأعود كلما تمكنت لكتب الله سبحانه وتعالي، التوراة والإنجيل والقرآن الكريم، أطالع وأحاول أن أتدبر لعل وعسي أن أهتدي، وفي هذا أتوقف كثيراً عند المشهد الذي صوره القرآن الكريم أبلغ تصوير وأعمقه، وهو مشهد خلق آدم والحوار الذي دار في الملأ الأعلي بين رب العزة سبحانه وتعالي وبين ملائكته الأطهار ثم مع إبليس، واشتراك آدم بتنفيذ الأمر الإلهي. في ذلك المشهد تأملت حكمة الله سبحانه وتعالي في أن يخبر ملائكته بمشيئته لأن يجعل في الأرض خليفة "الآية 30 من سورة البقرة" فيبدي الملائكة تساؤلهم الذي قد يبدو سؤالاً تقريرياً فيه مسحة من استفهام استنكاري "الآية 30 من سورة البقرة" ويقولون ما معناه، كيف تجعل في الأرض خليفة يفسد فيها ويسفك الدماء بينما نحن نسبح بحمدك ونقدس لك. ويجيبهم الحق سبحانه وتعالي بأنه يعلم ما لا يعلمون، ثم يمضي التصوير القرآني العظيم لهذا المشهد لتكون محصلته، التي فهمتها، أن الملائكة المجبولين علي الطاعة والعبادة والذين لا يمكن أن يخطئوا أو أن يتوقفوا عن العبادة لم يحظوا بشرف الاستخلاف في الأرض، وإنما حظي به ذلك المخلوق الذي يخطئ، وربما يفسد ويسفك الدماء، وفهمت أيضاً أن الميزة التي تميز بها هذا المخلوق "آدم" وجعلته موضع الاختيار الإلهي للخلافة هي ميزة العلم، "الآيات من 30 إلي 38 من سورة البقرة"، لأن الله سبحانه وتعالي علمه الأسماء كلها وطلب إلي ملائكته أن ينبئوه بالأسماء التي قيل إن الضمير في الكلمة "أسمائهم" قد يعود إلي الملائكة أنفسهم، وقد يعود إلي الأشياء كلها التي علمها الله سبحانه وتعالي لآدم، فلم يستطيعوا، وعندئذ طلب إلي آدم أن ينبئهم فقام بالمهمة خير قيام. نحن إذن أمام مشهد لو حاولنا فهمه بمنطق المفاضلة لوجدنا أن العلم مع احتمالات الخطأ والمعصية والقدرة علي التوبة بعدهما هو السمة التي يتعين علي الكائن الأرضي أن يتسم بها ولا مجال لأولئك الذين يجأرون ليل نهار بأن الأساس في الأرض هو ما يذهبون إليه من طقوس وأشكال، دون أن يتطرقوا لحظة واحدة إلي العلم ثم العلم ثم العلم باعتباره الميزة الكبري التي تميز بها الإنسان علي الملائكة الأطهار. لقد حاصروا الأمة والحياة كلها بالشكليات التي لم يثبت أنها من أركان الدين، وكل لحظة يطالعوننا باللحي الطويلة غير المشذبة والشوارب المحلوقة تماماً، والجلاليب القصيرة وأغطية الرأس غير المعتادة في وطننا، لأنها مستوردة من الصحراء، ثم يزعقون بما زعق به غيرهم عبر القرون وكأن الناس حديثة عهد بالدين، وهم في هذا الزعيق الصارخ لا يقدمون جملة واحدة مفيدة في صميم العلم.. العلم الذي تتعدد فروعه وتتشعب بين علوم شرعية وأخري نظرية وثالثة عملية علمية.. العلم الذي ساهم فيه سلفنا الجليل منذ الصحابة رضوان الله عليهم ثم التابعون وتابعو التابعين من مؤسسي المذاهب الفقهية التي أعملوا فيها عقولهم وأفرغوا لها وسعهم فاستطاعوا أن يستنبطوا وأن يقيسوا وأن يجتهدوا، وفي هذا تستطيع كل المدارس الفقهية من معتزلة وأشاعرة وأباضية وجعفرية وغيرها! ثم إن هناك غيرهم من رواد العلوم الفلكية والرياضية والطبيعية والكيميائية والهندسية وهلم جرا.. وعندئذ يحق لنا أن نتساءل أين هؤلاء المنفوشون المغرورون الذين يدعون لأنفسهم القوامة علي دين الأمة ودنياها من ذلك المشهد الأول.. مشهد الاختيار الإلهي لآدم لكي يكون الخليفة علي الأرض وليس الملائكة.. آدم الطيني الخطاء التائب المسلح بالعلم والمعرفة وليس باللحية والجلباب القصير.