البناء عماد الحضارة المصرية، جوهر ماقدمه المصريون الي الانسانية منذ أن بدأ الحكماء القدامي يتأملون مظاهر الكون ويوقنون ان ما يبدو للحواس إنما يخفي قوة أشمل وأعظم.. ثمة رسم يرمز الي هذه القوة رأيته لأول مرة في الاوزيريون التابع لمعبد ابيدوس في صعيد مصر والذي وصل الينا سليما بمعجزة بعد عبور المبني الفريد بمحتواه من فن وكتابة ومعان خلال عصور الاضطراب والتعصب الديني والغزوات الاجنبية المدمرة والتي ماتزال جدران المعبد خاصة الاجزاء السفلية تحمل آثار الدماء الذي لحق بها، الرسم الذي توقفت امامه طويلا عبارة عن دائرة تحيط بها او تلمسها من طرفيها يدان لانري إلا أصابعهما فقط، الرسوم المصرية القديمة رغم بساطتها الظاهرة الا أنها تعبر عن افكار عميقة جدا يمكن القول إنها الافكار الاساسية للهموم الانسانية حتي الآن.. يعبر هذا الرسم عن القوي الخفية التي تدير العالم. من خلال حركة الشمس اليومية وظهور النجوم وغيابها. من خلال فيضان النيل في وقت معلوم، اكتشف المصريون ان ثمة قوة لاتري تدبر كل شيء، فرمزوا اليها بما يتفق مع الوعي الانساني في ذلك الزمن البعيد. هكذا أقدم محاولة انسانية لادراك وجود الخالق سبحانه وتعالي، تعني كلمة »امون« الخفي. الذي لايري وفي الديانات الثلاث تختتم الصلوات بنفس المعني »آمين«، ادرك المصريون ان كل شيء زائل الا من خلق الوجود كله ويديره، وان الحياة ليست إلا جسرا يعبر الي الابدية، وان الخلود لمن احسن عملا بعد محاكمة يتم فيها وزن القلب. وإن منكثرت ذنوبه سيلقي مصيرا مؤلما، أما من خفت اخطاؤه فإلي الجنة التي اطلقوا عليها اسم »حقول يارو« وفي مقبرة الفنان سنجم رع بدير المدينة بالاقصر لوحة متخيلة لها، ادرك المصريون ان كل شيء يزول، من هنا كان اهتمامهم بالبناء، بالعمارة، البناء للذكري، ضد النسيان ضد المحو، البناء لتجدد الحياة، لتجسيد الفكرة، للعبادة، مما يتصل بالعقيدة والفكرة بقي وعبر الازمنة المضطربة، وما يتعلق بالحياة اليومية اندثر معها. بقيت المعابد والمقابر حيث بيوت الابدية، وزالت البيوت حتي قصور الملوك. ولولا العمارة ما كان ممكنا ان نعرف شيئا عن الحضارة المصرية. وبدون العمارة لايمكن فهم المصريين. نقلا عن الاخبار