مثلما كانت تجمعهم جدران القصور في الحياة.. جمعتهم قباب وأضرحة بعد موتهم.. هكذا حال أسرة محمد علي الذين عاش أفرادها حياة أقل ما توصف به أنها درامية تخللتها أحداث صاخبة، وعلى قدر ما كانت فخامة القصور التي عاشوا فيها كانت فخامة الأضرحة التي دفنوا فيها بعد وفاتهم.. حيث الزخارف والنقوش غاية في الروعة والتي من فرط جمالها تبدو أحيانا مصدر بهجة ومتعة للعين بعكس ما يرمز إليه المكان من موت ومغادرة الحياة وقد رصدت كاميرا "صدى البلد" واحدة من أروع قباب وأضرحة ملوك وأمراء أسرة محمد علي.. قبة أفندينا التي تعد من جواهر منطقة صحراء المماليك التي تضم أكثر من 70 أثرًا مهمًا، وهذه القبة أمرت ببنائها"أمينة هانم الهامي"المدفونة فيها,وهي زوجة الخديوي توفيق ووالدة الخديو عباس الثاني علي الطراز المملوكي الحديث، حيث حدد المختصون في الآثار تاريخ الإنشاء في عام 1870 ميلادي و1311 هجري. وتضم أيضا أضرحة والدة الخديوي عباس حلمي الأول"بمبة قادن",والخديوي توفيق,والخديوي عباس حلمي الثاني,والأمير محمد علي توفيق ابن الخديوي توفيق وأخو الخديوي عباس حلمي الثاني,والأمير محمد عبد المنعم ابن الخديوي عباس حلمي الثاني,والأميرة فتحية بنت الخديوي عباس حلمي الثاني,وجميعها تعلوها تراكيب رخامية وخشبية ممتلئة بالزخارف الخشبية,ومطعمة بالعاج الذي يعطيها بريقا جماليا خاصا,كما أن قبر العالم الكبير الراحل الدكتورمصطفي مشرفة يقع داخل حديقة الضريح,حيث تم نقله لهذا المكان أثناء إنشاء طريق الأوتوستراد قبل عدة سنوات. الوصول إلي باب القبة يستلزم عبور بوابتين حديديتين تقطعان الحديقة الكبيرة التي تقع القبة في نهايتها,إلا أن البوابة الأولي التي تقع علي الشارع مباشرة لا تنبئ بأي حال أنها تخص ضريح بهذه القيمة الجمالية والتاريخية,حيث أن البوابة الحديدية يعلوها الصدأ ويكسوها بشكل سئ جدا نتيجة الإهمال حتي تأكلت بعض أجزائها,وربما كانت البوابة الثانية أحسن حالا,حيث تحتفظ برونقها الجمالي وزخافرها النباتية البارزة. باب القبة خشبي تحيط به وفي منتصفه زخارف حديدية ونحاسية لا تخل من جمال,أما في الداخل عبارة عن متحف صغير من الزخارف والتشكيلات الفنية والنباتية,حيث نحتت الأضرحة من الرخام والنحاس والخشب بمهارة فائقة لتصنع مع ألوانها لوحات فنية بديعة,كما تجد الشبابيك الجصية معشقة بالزجاج الملون والمقرنصات والمشكاوات الزجاجية,وكل هذا تم الإعتناء به جيدا وبنظافته عكس الوضع خارج القبة. وسط هذا الجمال والروعة الزخرفية داخل القبة,وجدنا أريكة"كنبة"خشبية غاية في الجمال وفن الأرابيسك,حيث كانت مطعمة بالصدف والأبنوس والعاج بدقة متناهية,لكن المحزن أن الجزء القماشي منها"التنجيد"كان مقطعا ومهترئا بشكل يشوه قيمة الكنبة التاريخية,حيث علمنا أنها كانت ضمن الأثاث المستخدم إحتفال إفتتاح قناة السويس في حكم الخديوي اسماعيل والد الخديو توفيق. وربما لا يتخيل البعض القيمة التاريخية والجمالية للقبة وما تحويه من أضرحة,لكن ذلك موثق بشهادة المختصين في الأثار والتراث,وكتاب"عمارة الأضرحة" أحد الأدلة علي ذلك,حيث ذكر مؤلفه المهندس والأديب محمد عبدالسلام العمري ضمن ما تناوله من أضرحة وطرز بنائها وتاريخها في مصر ودول أخري,أن قبة أفندينا تأتي في المركز الثاني عالميا بعد ضريح"تاج محل"بالهند من حيث الطراز المعماري الذي يتسم بالأصالة والجمال,خاصة أن"تاج محل"واحدا من أشهر المقابر عبر التاريخ . المثير أن الضريح تعرض من قبل للسرقة عدة مرات,ونجح بعضها بالفعل حيث سرقت بعض التحف منه عاد بعضها والأخر لم يعد حتي الآن، وإن كانت أبرز محاولات سرقة الضريح التي لم تنجح حينما حاولت بعض شخصيات من إحدي الدول العربية إستمالة حارس الضريح الذي كان موظفا في الأوقاف,لسرقة كسوة الكعبة وستار قبر الخليل ابراهيم,إلا أن الحارس رفض ذلك رغم عرضهم عليه رقما يدخل في نطاق ملايين الجنيهات، وهذا كان قبل ثورة يناير حيث أنه بعد الثورة سرقت قطع من ضريح الخديوي توفيق. الدكتور مختار الكسباني أستاذ الأثار الإسلامية بكلية أثار القاهرة قال لنا أن القبة بها مقتنيات وتحف منها مجموعة من قطع كسوة الكعبة,وأكد لنا محاولة سرقتها من بعض الأشخاص المنتمين لدولة عربية بالفعل,وذلك بالإتفاق مع الغفير الذي كان يحرسها قبل عدة سنوات قبل ثورة يناير,وعندما تم كشف الأمر قام الغفير بالإبلاغ عن الموضوع,إلا أنه وعقب ثورة يناير تمت بالفعل سرقة بعض من تلك القطع من الكسوة والتي تعد من أهم المجموعات الأثرية من عصر الخديوي توفيق أما الدكتور ولاء الدين بدوي مدير عام متحف قصر محمد علي توفيق بالمنيل، فقال إن القبة بنيت في الثلث الأخير من القرن ال 19,وتم ترميمها عام 2008 م على نفقة سمو الأمير السابق عباس حلمي الثالث,والذي أقام داخل القبة ضريح له بحيث يدفن فيه بعد موته بجوار أجداده من أسرة محمد علي وكشف مدير متحف قصر المنيل معلومة مثيرة,مشيرا إلي أن الأمير عباس حلمي الثالث يأتي فى الذكرى السنوية للامراء والخديوى كل عام ويحضر 3 من مقرئي القرأن لقراءته علي أرواح أجداده وأقاربه,كما أنه يقوم أيضا بتوزيع"قرص وشوريك وبرتقال وموز وعلب عصائر"رحمة ونور علي أرواحهم,حيث تظهر عليه في تلك الذكري علامات التأثر من جانبه قال عماد عثمان مدير عام مناطق أثار شرق القاهرة أن القبة لها أهمية تاريخية كبيرة,حيث أنها شاهدة علي جزء مهم من تاريخ مصر,كما أنها تمتلئ من الداخل بالزخارف الفنية الجميلة جدا,ولا تشهد أي زيارات إلا من الباقين من العائلة المالكة خاصة الأمير عباس حلمي الذي تولي الإنفاق لي ترميمها من ماله الخاص قبل حوالي 8 سنوات,لكنه ورغم ذلك لم يلق أي تقدير حينها وعن واقعة سرقة كسوة الكعبة قال لنا أنها بالفعل تعرضت لمحاولة سرقة لبعض محتواياتها,حيث حاول أحد الأشخاص من دولة عربية بالإتفاق مع غفر أمن القبة سرقة كسوة الكعبة وعرض عليه أن يأتوا بجزء مماثل لكسوة الكعبة لكنه غير أصلي