مهما حاول السياسيون السير بعكس اتجاه التاريخ فلن يفلحوا فالحتمية التاريخية لها رؤية حاكمة دائما هي قادرة على ضبط المسار وفرد السجاجيد الحمراء بطريقتها تحت أقدام المسيرة ...!! لا مرآة مطلقا قادرة على عكس صورة الشخصية المصرية بعمقها وإظهار الملامح الخفية لمكوناتها غير مرآة العراق والشام فإن كان في مصر يسري ليمنحها الحياة نهر النيل ... فهناك يسري كي يمنحهم البقاء دجلة والفرات .. وإن كان هنا الحضارة الفرعونية التي يشد العالم الرحال إليها وينظر لشخصية مصر من خلالها ... فهناك حضارات السومريين والأشوريين العريقة على نفس معيار جلالها حين تشكل ملامح هذه الأوطان العريقة ليجمع همس التاريخ بين هذه المتفرقات ويَلحم بطريقته الفواصل ويَبقى نبعه متدفقا وإن كنت لا تراه ليُقرب ويجمع بين سكان هذه المناطق بما يشبه عمل الجينات المتشابه في دماء الشعوب القريبة ...! وكما اكتشف الفراعنة الزراعة ... أكتشف السومريون الكتابة .. فجاءت من هنا النار لتمنح الحياة دفئها وبقائها ... وجاء من هناك النور ليبقى الحياة ماضيه بهداية شعاها ..! وكما خط قدماء المصريون قانون الماعت الأخلاقي الذى لا يزال ينشر هدايته في ثقافة المصريين .... أنتج العراق لعالمنا قانون حمورابي ليقول أن هذه الأوطان هي من بدأت بمنع التغول على الحقوق والوقوف في وجه تحويل الدنيا لغابة يفترسها القوى بلا قيم ويأكلها الجبان البدوي صانع الصنم ..!! على هذه الضفاف قامت الحضارات وتواصلت الثقافات وانتهت برمزيه عجيبة تمنع عنا شبح الفراق عندما أصبح قدرا يوم احتوت العراق جثمان سيد الشهداء الحسين في كربلاء لتبقى برمزيتها رأسه في القاهرة .. فيحكي الحدث بإسهاب وفقا لمبادئه أنه لا تحيا رأس بلا جسد ولا يسلم جسد بلا روح ...!! فكيف تفترق القاهرةوبغداد .. أو تنفصل مصر عن العراق مهما عملت أجندات شغوفه بالتحشيد الطائفي والضرب على وتر استثمار الأزمات وفي واقع لئيم يحاصرنا اليوم ...!! ولم يكن عجيبا أن نفس موجات الإرهاب السلفي المعروفة مصادره الفكرية والمالية التي تضرب اليوم شعبي العراق والشام في أسواقهم ومساجدهم ومدنهم وشوارعهم فتصيب منهم أنهرا من الدماء تختلط روافدها بما يشبهها في القاهرة وسيناء وخط ممتد من الإسكندرية إلى أسوان يشرف عليها نفس الفكر السلفي الذى طعن بغداد في الخاصرة لتصبح الشراكة في التاريخ قدرا يحتم علينا شراكة نوعيه في مواجهة المخاطر نفسها التي تحاصر البلدان الثلاثة عندما تصبح العراق والشام عمقا طبيعيا للأمن القومي المصري فما يقع على حدود الأنبار أو إدلب يسمع دويه ويتأثر بكوارثه كل سكان الأنهار في المنطقة المضروبة بالتخلف الفكري الذى ساهم في انتشاره حمله الرايات السوداء والمباخر من أصحاب اللحى والأثواب والعقول القصيرة ..!! بيقيني لن ينجو هذا العالم من كل هذه الويلات إلا بحلف نوعي يجمع القاهرة ودمشق وبغداد ليضع التصور المناسب النابع من العمق الحضاري لحصار ظاهرة الإرهاب ومموليه ووضع الخطط الملائمة للنهوض بشعوب المنطقة داحل حد زمنى وإنتاجي معين يبدأ من الاستثمار في التعليم وتعظيم قيم الدولة المدنية الحديثة وإعلاء كل مصلحة فوق صوت كل خلاف ومنح الحريات وقيمها للشعوب المبدعة لتنتج في الثقافة والبحث العلمي كما تنتج في الزراعة بالجهد الذاتي... ولتُخرج لنا أفضل ما فيها لنستثمره وأسوأ ما فيها لنقومه ...!! وبغير هذا الطريق ستبقى دروبنا دائما محفوفة بمخاطر الغرق في بحر من الرمال وإن كانت مدفونه بأسفله ثروات لا يمكن أن تكون يوما ما كما أرشدنا التاريخ رافعة أمان ...!! فحتميه اللقاء .... جزء من عمل التاريخ فلا يشغلنكم عنه حمله الدنانير أصحاب الحناجر المشوهة اللئيمة ..!