يبدو أن المتابع للتيارات المعادية للإسلام يجد أن الأمر لم ينشأ من فراغ أو من فترة وجيزة؛ أبدًا، وإنما من نظر في صفحات التاريخ قديمًا سيجد أن طائفة من المشككين في القرون المتقدمة هم من حملوا الراية لهذه الطائفة، التي جعلت الإعلام وسيلة مسخرة لنشر هذه الأفكار، التي يمكنهم ترويج فكرهم وتشكيك طائفة معينة من الناس وبخاصة الشباب عن طريق طرح الشبهات والنيل من أصول الدين وثوابته، زعمًا منهم أنهم يريدون تجديد الدين أو التراث أو هدمه وإعادة بنائه. وبإطلالة سريعة في صفحات التاريخ نجد أن قصة الإلحاد في عصر الإسلام بدأ ظهوره على يد واحد يُقال له (ابن الراوندي) المسمى ب أحمد بن يحيى بن إسحاق المتوفى سنة 298 ه، والعجيب أنه بدأ حياته طالبًا للعلوم العقلية حتى صار من أبرز علماء المعتزلة في زمانه في القرن الثالث الهجري، فلما أطلق لعقله العنان بدأ يُشكك في الإسلام ويُنكر وجود الإله حتى ثم يطعن في الأنبياء والمرسلين. يقول (ابن حجر) : "صنف كتبًا كثيرة يطعن فيها على الإسلام" ويذكر عن (ابن النديم) : "أن ابن الرواندي كان في أول أمره حسن الأمر، جميل المذهب، ثم انسلخ من ذلك كله" ولقد ألف عدة كتب منها على سبيل المثال كما ذكرها (ابن البلخي) فقال الكتب التي وضعها وهو ملحد: 1 كتاب الابتداء والإعادة (ذكره ابن البلخي) 2 كتاب الأسماء والأحكام (ذكره ابن البلخي) 3 كتاب خلق القرآن (ذكره ابن البلخي وابن النديم) 4 كتاب البقاء والفناء (ذكره ابن البلخي) 5 كتاب لا شيء إلا موجود (ذكره ابن البلخي) 6 كتاب الطبائع في الكيمياء (ذكره الانتصار وابن المرتضى) 7 كتاب اللؤلؤ (ذكره ابن البلخي) وبعد انفصاله عن المعتزلة واختلافه معهم ألف الكتب الآتية: 8 كتاب الإمامة (ذكره الانتصار وابن المرتضى) 9 كتاب فضيحة المعتزلة: وقد وضع الخياط كتاب (الانتصار) ردًا عليه. 10 كتاب القضيب: سماه ابن البلخي: كتاب القضيب الذهبي (ذكره ابن البلخي وابن المرتضى وابن خلكان). 11 كتاب التاج: (ذكره الخياط وابن البلخي وابن المرتضى وابن خلكان) وذكره ابن النديم أن أبا سهل النوبختي رد عليه في كتابه (السبك) (الفهرست ص117). 12 كتاب التعديل والتجوير: زعم فيه أنه من أمرض عبيده، فليس بحكيم في ما فعل بهم ولا ناظر لهم ولا رحيم بهم، كذلك من أفقرهم وابتلاهم (الانتصار ص1). 13 كتاب الزمرد: ذكر فيها آيات الأنبياء فطعن فيها وزعم أنها مخاريق حسب كلام الخياط (ذكره ابن البلخي وابن المرتضى وابن خلكان والخياط). 14 كتاب الفرند: انتقد فيه الأنبياء، وقد رد عليه أبو هاشم (أشار إلى ذلك ابن المرتضى، ويقول ابن البلخي إن الخياط رد عليه) (وجاء ذكر هذا الكتاب عند ابن البلخي وابن المرتضى وابن خلكان). 15 كتاب البصيرة: (ذكره أبو العباس الطبري، وقال إنه ألف هذا الكتاب نزولاً عند رغبة اليهود وطعناً في الإسلام. 16 كتاب الدامق: ذكره ابن البلخي وابن المرتضى . 17 كتاب التوحيد (ذكره الخياط في الانتصار (الفقرة 5) . 18 كتاب الزينة (ذكره صاحب (كشف الظنون) 5: 9). 19 كتاب اجتهاد الرأي (ذكره ابن النديم في (الفهرست) ص177) وأضاف أن أبا سهل النوبختي رد على هذا الكتاب. 1 نقد الشريعة الإسلامية والطعن في سيدنا محمد –صلى الله عليه وسلم- في كتابه (الزمرد) فقال ما نصه عن معادة الشريعة للعقل : "إن الرسول أتى بما كان منافرًا للعقول مثل الصلاة، وغسل الجنابة، ورمي الحجارة، والطواف حول بيت لا يسمع ولا يبصر، والعدو بين حجرين لا ينفعان ولا يضران: وهذا كلّه مما لا يقتضيه عقل، فما الفرق بين الصفا والمروة إلاّ كالفرق بين أبي قبيس وحرى، وما الطواف حول البيت إلاّ كالطواف على غيره من البيوت" . 2 نقد القرآن والمعجزات التي وقعت لسيدنا محمد –صلى الله عليه وسلم- فقال أيضًا في زمرده : "إن المخاريق شتى، وإن فيها ما يبعد الوصول إلى معرفته، ويدق على المعارف لدقته، وإن أورد أخبارها بعد ذلك عن شرذمة قليلة يجوز عليها المواطأة في الكذب، وأمّا تسبيح الحصى، وكلام الذئب، وما يجري مجراها فلا تنكره العقول، إنه لا يمتنع أن تكون قبيلة من العرب أفصح من القبائل كلها، وتكون عدة من تلك القبيلة أفصح من تلك القبيلة، ويكون واحد من تلك العدة أفصح من تلك العدة، وهب أن باع فصاحته طالت على العرب، فما حكمه على العجم الذين لا يعرفون اللسان وما حجته عليهم؟، إن الملائكة الذين أنزلهم الله تعالى في يوم بدر لنصرة النبي بزعمكم، كانوا مفلولي الشوكة قليلي البطشة على كثرة عددهم، واجتماع أيديهم وأيدي المسلمين، فلم يقدروا أن يقتلوا زيادةً على سبعين رجلًا؛ أين كانت الملائكة في يوم أحد لما توارى النبي ما بين القتلى فزعًا، وما بالهم لم ينصروه في ذلك المقام؟! 3 الاستهزاء بشعائر الدين، فقال على سبيل المثال : "... إنه يلزم من يقول بالنبوة، أن ربهم أمر الرسول أن يعلمهم صوت العيدان. وإلاّ فمن أين يعرف أن أمعاء الشاة إذا جفّت وعلقت على خشبة فضربت، جاء منها صوت طيب" . 4 الطعن في المعجزات : "إن المخاريق شتى. وأن فيها ما يبعد الوصول إلى معرفته، ويدق عن المعارف لدقته، وإن أورد أخبارها بعد ذلك شرزمة قليلة يجوز عليها المواطأة على الكذب" . والواقع أنا ما يُردد اليوم من طائفة نصبت نفسها زورًا وبهتانًا النداء بتجديد الخطاب الديني والعكوف على نشر المذهب العقلاني التنويري على حد زعمهم ما هو إلا عبارة عن ترديد لأقوال ( ابن الراوندي) فمن يتذكر ما قاله (سيد القمني) عن الحج وما هو إلا تقديس وعودة للوثنية الأولى، وما ادعاه (زيدان) من إنكار المعجزات، وما ردده (عيسى) من أنكار الأمور الغيبية، وما زعمته (ناعوت) عن وحشية الإسلام في سنة الأُضحية في يوم عيد الأضحى أن الأضحية في هذا اليوم "أهول مذبحة يرتكبها الإنسان كل عام منذ عشرة قرون، بسبب كابوس النبي إبراهيم" ؟؟؟ ومن هنا ما الفارق بين شبه (الرواندي) وبين من حملوا راية الطعن في الدين في عصرنا الحالي، فالشبه لا تكاد أن تنفك في تبعيتها ل(ابن الرواندي) وهؤلاء لم يُفصحوا عن مجال استيراد هذه الشبه، ويمكن القول بتطابق الاثنين في القول بالشبه قديمًا وحديثًا وللحديث بقية د . علي محمد الأزهري .