مع الانفلات الأمني الذي شهده الشارع المصري عقب اختفاء الأمن في ظروف غامضة،ومع الانفلات الأخلاقي الذي لم نكن لنتصوره في المواطن المصري وشيوع سلوكيات يندى لها الجبين،وتفشي الجريمة التي باهت وفاخرت بما بدت عليه كَمَّاً ونوعا،حتى بتنا لا نعجب لكثرتها ولكن لتنوعها المخيف وأصبح السير في الشارع يمثل خطورة غير محدودة وباتت حياة المواطن رخيصة،وربما بلا ثمن،وأحيانا يصبح ثمنها مبالغاً فيه إذا قسناه مادياً بما كان سائداً من أسعار في العقود الثلاثة الماضية. إذ كان الرأس،أي المواطن أي حياة المصري راكب القطار أو الباخرة أو الطائرة أو الذي"يتقلب على جمر النار" تقدر حياته بثلاثين ألفاً من الجنيهات المصرية تصرفها الشئون الاجتماعية بعد جهد جهيد قد يستمر لسنوات وبعد الخصومات والضرائب والأرباح ربما يصل سعر المصري إلى عشرين ألف جنيه،ولكن بفضل الانفلات الأمني وصل سعر المواطن المختطف إلى ملايين الجنيهات بحد أدنى هو خمسين ألف جنيه. لقد منحنا الانفلات الأمني حلولاً عاجلة لبعض مشكلاتنا فهاهو المصري الذي كان يدب الخلاف بينه وبين زوجته بسبب تأخرها في إعداد كوب الشاي والذي كان يلجأ إلى أهلها ليشكوها طرفهم وكان يشكوها لبعض زميلاتها وقد يصل الأمر إلى العمدة أو نقطة الشرطة فالمركز فالنيابة فمحكمة الأسرة فالمأذون فطلاقها بإذن الله،نجده مع الانفلات الأمني يختصر كل هذه الاجراءات والتعقيدات ،يختصرها في خروجه ليقطع طريقاً زراعياً أو صحراوياً أو السكة الحديد فقط لا غير. واليوم والحمد لله بدأنا نشعر بالارتياح ،بعد تنصيب الدكتور محمد مرسي رئيساً لمصر،حُلَّت مشاكلنا تقريباً أو قاربت على الحل ،إذ بعد أن كنا نجد التظاهرات والمليونيات والاعتصامات والإضرابات والاحتجاجات والشكاوى والاستغاثات كنا نجدها في طول البلاد وعرضها،تعطل الحياة اليومية للناس ،وجدناها قاربت على الحل بأن تجمعت جميعها في مكان واحد إذ أصبحت جميعها أمام القصر الجمهوري ولا تهتف ضد الوزير فلان والوزير علان وجدناها جميعها موجهة ضد شخصية واحدة هي الدكتور محمد مرسي،فهو الذي يحل المشكلات الفردية والشخصية والفئوية والطائفية والمذهبية والوطنية والقومية،مرسي نتظاهر ضده يوم تختفي إحدى بناتنا،ونتظاهر ضده لعدم تثبيت العمال في شركة كذا ونتظاهر ضده لأنه لم يلغ الإعلان الدستوري المكمل ونتظاهر ضده لأنه حين اشترى بقصومات لم يعط كل من صادفه بقصوماية. إن ما يجري أمام القصر الجمهوري من تجمهر إنما يقصد من ورائه إهانة مؤسسة الرئاسة وإهانة المنصب،وتمييع الأمور وجر الرئيس إلى اتخاذ مواقف تعيبه أو تؤخذ عليه أو يتورط بسببها،إن التواجد أمام القصر الجمهوري وتسلق أسواره وبوابته إنما هو "قلة أدب"،إذ تمنيت لو يجيبني أحد المتظاهرين أمام القصر الجمهوري:هل يجرؤ مواطن على تسلق سور بيت عمدة قريته أو سور فيلا أحد أعضاء مجلس الشعب أو يجلس على مصطبة أمام بيت فلاح مصري دون إذنه ورضاه؟!والله عيب ،عيب قوي . للمرة التي فاقت المائة الثالثة أقول بأنني لم أمنح صوتي لمرسي ولم أمنحه لشفيق.