ثار جدل كبير فى الآونة الأخيرة حول مدى أحقية قسم التشريع بمجلس الدولة فى مراجعة مشروعات القوانين التى ستصدر من البرلمان ومنها اللائحة الداخلية لمجلس النواب والتي ستصدر بقانون، واستند أصحاب هذا الرأى إلى نص المادة 190 من الدستور المعدل الصادر فى 2014 والتى تنظم اختصاصات مجلس الدولة ، ومنها اختصاصه بمراجعة مشرعات القوانين والأدوات التشريعية، وارتأى البعض أن اختصاص قسم التشريع بمراجعة مشروعات القوانين شامل بما في ذلك اللائحة الداخلية لمجلس النواب والتى أستلزم الدستور المعدل أن تصدر بقانون من مجلس النواب وفقا لنص المادة 108 منه. وقبل تفنيد ودحض هذه الادعاءات التى لا تتفق مع الأحكام التي انتظمها قانون مجلس الدولة 47 لسنة 1972 ولا مع نصوص الدستور المعدل فى 2014 ،يجب علينا استعراض بعض النصوص القانونية منها : (أولا ) نص م 63 و 64 من قانون مجلس الدولة 47 لسنة 1972. م( 63 ) على كل وزارة أو مصلحة قبل استصدار أى قانون أو قرار من رئيس الجمهورية ذي صفة تشريعية أو لائحة أن تعرض المشروع المقترح على قسم التشريع لمراجعة صياغته ، ويجوز لها أن تعهد إليه بإعداد هذه التشريعات. مادة 64: تقوم بمراجعة صياغة التشريعات التى يرى رئيس مجلس الوزراء أو أحد الوزراء أو رئيس مجلس الدولة نظرها على وجه الاستعجال لجنة تشكل من رئيس قسم التشريع أو من يقوم مقامه وأحد مستشارى القسم يندبه رئيس القسم ورئيس إدارة الفتوى المختصة . (ثانيا ) بعض مواد دستور 2014 118) يضع مجلس النواب لائحته الداخلية لتنظيم العمل فيه, وكيفية ممارسته لاختصاصاته, والمحافظة علي النظام داخله, وتصدر بقانون. مادة(190) مجلس الدولة جهة قضائية مستقلة, يختص دون غيره بالفصل في المنازعات الإدارية, والدعاوي, والطعون التأديبية, ومنازعات التنفيذ المتعلقة بأحكامه, ويتولي الإفتاء في المسائل القانونية للجهات التي يحددها القانون, ومراجعة, وصياغة مشروعات القوانين والقرارات ذات الصفة التشريعية, ومراجعة مشروعات العقود التي تكون الدولة, أو إحدي الهيئات العامة طرفا فيها, ويحدد القانون اختصاصاته الأخري. (224 )كل ما قررته القوانين واللوائح من أحكام قبل صدور الدستور, تبقي نافذة, ولا يجوز تعديلها, ولا إلغاؤها إلا وفقا للقواعد, والإجراءات المقررة في الدستور. وتلتزم الدولة بإصدار القوانين المنفذة لأحكام هذا الدستور. وبعد وضع مواد قانون مجلس الدولة وكذلك مواد دستور 2014 المعدل يجب أن نتفق على مبدأ قانونى مهم إلا وهو أن الأصل (أن النص الدستورى غير نافذ بذاته) بل يحتاج لتشريع أو تعديل تشريعى لنفاذه وان قانون مجلس الدولة 63 و64 ونشأته التاريخية تؤكد أن اختصاصه يتعلق بمشروعات القوانين والقرارات ذات الصفة التشريعية التي تعدها السلطة التنفيذي وقبل تقديمها للبرلمان، وكذلك احتراما لمبداء الفصل بين السلطات الذي أكد عليه الدستور الحالي لأول مرة في المادة الخامسة منه. كذلك لابد أن نعرف أن لائحة مجلس النواب هى من صميم طائفة الأعمال البرلمانية وهى بكل تأكيد من( أعمال السيادة ) والتى يجب فى كل الحالات على مجلس الدولة عدم نظرها احتراما لمبداء الفصل بين السلطات . وعلى فرض صحة قول المتمسكين بحق قسم التشريع بمجلس الدولة فى مراجعة مشروعات القوانين التى ستصدر عن البرلمان فنقول لهم ، أن قانون مجلس الدولة 47 لسنة 1972 لم يعدل حتى الآن مثل مئات القوانين التي لم تعدل رغم مخالفة بعض مواد فى هذه القوانين لأحكام الدستور المعدل ورغم ذلك تظل نافذه وباقية وتطبق كما هى بأمر الدستور إلى حين تعديلها وفقا لأحكام المادة (224 ) من الدستور المعدل ؛ وبناء عليه لا يحق لمجلس الدولة نظر مشروعات القوانين التى ستصدر من البرلمان وبخاصة اللائحة الداخلية ألا بعد تعديل قانون مجلس الدولة 47 لسنة 1972 وتحديد مفهوم القوانين التي تعرض على قسم التشريع وفي اي مرحلة تعرض ، احتراما للدستور . ومن الواضح أن غياب الالمام باحكام الدستور الجديد لدى بعض أعضاء مجلس النواب وترددهم قد ساهم فى إعطاء المزيد من النفوذ لقسم التشريع بمجلس الدولة والذى زاد مع ظهور وزير الشؤن القانونية والبرلمانية . يا سادة لا تجعلوا القوانين أكثر بطء بإضافة مرحلة جديدة وزيادة الأعباء على المستشارين الأجلاء فى قسم التشريع بمجلس الدولة فهذا حق أصيل للبرلمان ولجنته التشريعية والدستورية (وان لم يعلم بعضهم حقيقة ذلك).