أكدت الآيات القرآن والسنة النبوية أن الحسد حرام شرعا، ولكن هناك نوع من الحسد يسمى الغبطة فهو ممدوح ويجوز في حالتين، كما دل على ذلك الحديث الصحيح الذي روي عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ، فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا، فَهُوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ، وَآنَاءَ النَّهَارِ». قال زكي الدين بن سعد المنذري، أحد أبرز علماء الحديث في كتابه مختصر صحيح مسلم: إن المقصود بالحسد هنا الحسد غير المذموم، وهو المجازي أو يسمى بالغبطة، وهو تمني مثل ما للغير من النّعمة والخير دون زوالها منه، أما الحسد الحقيقي فهو المذموم، وهو تمني زوال النعمة عن صاحبها، فهو حرامٌ بالإجماع، وقد وردت فيه الآيات والأحاديث التي تذم فاعله وتحذر منه، كما قال الله تعالى في اليهود: «أمْ يَحسُدونَ الناسَ على ما آتاهم اللهُ منْ فضله» (النساء: 54). وأوضح المنذري في سبب نزول الآية أنهم حسدوا العرب على بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم منهم، وصدّهم ذلك عن الإيمان به ومتابعته؟! بل ومحاربته وصدّ الناس عن الإيمان به، فخسروا الدنيا والآخرة، عياذا بالله تعالى من ذلك!. وأضاف والحسد أيضا هو الذي حمل إخوة يوسف عليه الصلاة والسلام على أن فعلوا بحقه وبحق أبيهم ما فعلوا، من محاولة قتله، وإبعاده عن أبيه والوقوع في العقوق وقطيعة الرحم. وتابع: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد حذّر من الحسد والتحاسد، فقال: «لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخواناً، المسلم أخو المسلم، لا يَظلمه ولا يخذله ولا يَكذبه ولا يحقره، التقوى هاهنا...» الحديث رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ونحوه من حديث أنس رضي الله عنه في الصحيحين. وبين المنذري: أما حديث: «إياكم والحسد؛ فإنه يأكلُ الحسنات، كما تأكل النار الحطب» رواه أبو داود، فهو حديث ضعيف لا يصح، وإن اشتهر على ألسنة الوعاظ!!، والحاسد كما قال أهل العلم معترضٌ على الله تعالى! في قسمته وحكمته وعطائه لمن شاء من خلقه ما شاء من فضل وعلم ومال وجمال وغيرها!. وأشار إلى أن قوله: «لا حسد إلا في اثنتين» يعني: لا غبطة، والغبطة أن تتمنى مثل النعمة التي على غيرك، من غير زوالها عن صاحبها، فإذا رأيتَ حافظاً للقرآن تمنيت أن تكون مثله، وإذا رأيت عالماً تمنيت أن تكون مثله، خصوصا في أعمال الخير، وصفات البر والتقوى. وأكد أن الغبطة في أمور الدنيا فهي مباحة، وقد تكون مذمومة أحيانا، فالإنسان إذا رأى غنيا عنده العقارات والأثاث والسيارات فتمنى أن يكون مثله، فهذا يجوز، لكن الأفضل أن تتمنى الخير والطاعة والاستكثار من ذلك، وهذا هو الأمر المستحب، وهو من التنافس والرغبة فيما عند الله عز وجل. واستطرد: وقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «لا حسد إلا في اثنتين» بمعنى: ينبغي ألا تكون غبطة إلا في هاتين الخصلتين الحسنتين، وما في معناهما، فهاتان النعمتان كلتاهما طاعة لله سبحانه وتعالى، فيستحق صاحبها أن يغبط عليها، لا ما سواها من أمور الدنيا الفانية، فهو لا يستحق، أما الأول ف«رجلٌ آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار» آناء جمع آن، والآن هو الزمان، وهو ساعات الليل وساعات النهار، الواحد منها آن. واستكمل: فهذا رجلٌ آتاه الله القرآن، يعني حفظ القرآن، وتلاوة القرآن والقيام بالقرآن، وتعليم القرآن لغيره، فهو يقوم به آناء الليل والنهار، فهذا الرجل الأول مشتغل بالقرآن وبقراءته وبحفظه وتعليمه. وفي الرواية الأخرى: «ورجلٌ آتاه الله حكمة، فهو يقضي بها ويعلّمها» والحكمة يحتمل أن يكون المراد بها هنا القرآن أيضا؛ فإن القرآن حكمة إلهية، بل معدن كل حكمة، وينبوع كل خير، ومصدر كل بر وصلاح وفلاح، في الدنيا والآخرة. ويحتمل أن يكون المراد بالحكمة هنا: «السنة النبوية المطهرة» وقد استعملت هذه اللفظة بمعنى السنة النبوية في آيات القرآن الكريم، كما في قوله تعالى: «وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا» (النساء: 113). وقال تعالى: «وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا» (الأحزاب:34). وغيرها، أي إنه تعلم السنة النبوية المطهرة وحفظها وفهمها، وعلم ما فيها من الفقه، وقام بتعليمها غيره، وقضى بها في الأحكام بين الأنام. ولفت إلى أن قوله: «ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار» هذا الرجل الثاني الذي يستحق أن يغبط، عنده مال وثراء، فكان يتصدق منه في ساعات الليل وساعات النهار، وفي رواية لمسلم قال: «رجلٌ آتاه الله مالاً، فسلّطه على هلكتِهِ في الحق» يعني أهلك ماله في الحق، وأنفق ماله في سبيل الله، ونصرة الحق وأهله، ولا شك في عظم حاجة الإسلام ودعوة الإسلام ونصرة الإسلام للمال والنفقة، وهو داخل في الجهاد في سبيل الله تعالى.