تحل اليوم، ذكرى وفاة الإمام الحافظ أبي عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه القزويني، صاحب سنن ابن ماجه، أحد كتب الصحاح الستة، التي تشمل صحيح البخاري ومسلم، وسنن النسائي والترمذي وأبي داود وابن ماجه. هو الإمام الحافظ الكبير والمحدث «ابن ماجه» أحد أصحاب الكتب الستة ومصنف السنن والتاريخ والتفسير، وحافظ قزوين في عصره، هو أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه الربعي القَزْوِينِيُّ، وُلد بقزوين 209 ه. نشأ ابن ماجه في جو علمي، ومن ثَمَّ شبَّ محبًّا للعلم الشرعي عمومًا، وعلم الحديث خصوصًا؛ فحفظ القرآن الكريم، وتردد على حلقات المحدثين التي امتلأت بها مساجد قزوين، حتى حصَّل قدرًا كبيرًا من الحديث، وقد هاجر سنة 230 ه في طلب الحديث ومشافهة الشيوخ والتلقي عليهم، فرحل إلى خراسان، والبصرة والكوفة، وبغداد ودمشق، ومكة والمدينة، ومصر، وغيرها من الأمصار، متعرفًا على العديد من مدارس الحديث النبوي الشريف؛ إذ أتاحت له هذه الفرصة أن يلتقي بعدد من الشيوخ في كل قطر، وفي كل بلد ارتحل إليها. وكان له شيوخ في كل قطر وكل مصر ذهب إليه نظرًا لكثرة أسفاره ورحلاته ، فكان من شيوخه علي بن محمد الطنافسي الحافظ، وقد أكثر عنه، وإبراهيم بن المنذر الحزامي وهو تلميذ البخاري، ومحمد بن عبد الله بن نمير، وجبارة بن المغلس وهو من قدماء شيوخه، وعبد الله بن معاوية، وهشام بن عمار، ومحمد بن رمح، وداود بن رشيد، وخلق كثير، وقد ذكرهم في سننه وتآليفه. ثم عاد ابن ماجه إلى قزوين، واستقر بها، بعد رحلة شاقة استغرقت أكثر من خمسة عشر عامًا منصرفًا إلى التأليف والتصنيف، ورواية الحديث بعد أن طارت شهرته، وقصده الطلاب من كل مكان، ولم يكن ليقتصر النشاط العلمي لابن ماجه على التأليف فقط، بل تعداه إلى التعليم وإلقاء المحاضرات والدروس, وكان أشهر من روى عنه وتتلمذ على يده علي بن سعيد بن عبد الله الغداني، وإبراهيم بن دينار الجرشي الهمداني، وغيرهم من مشاهير الرواة. لم يخلد الزمان من كتبه غير كتابه «سنن ابن ماجه» أحد الصحاح الستة؛ فقد ضاعت مصنفاته مع ما ضاع من ذخائر تراثنا العظيم، فكان له تفسير للقرآن وصفه ابن كثير في كتابه «البداية والنهاية» بأنه "تفسير حافل"، وله أيضًا كتاب في التاريخ أرَّخ فيه من عصر الصحابة حتى عصره، وقال عنه ابن كثير بأنه "تاريخ كامل". قال الذهبي: «سنن أبى عبد الله كتاب حسن لولا ما كَدَّرَهُ بأحاديث واهية ليست بالكثيرة»، ولقيمة هذا الكتاب ومكانته، فقد أولاه كبار الحفاظ والمحدثين عناية خاصة، فراحوا يسهبون في شروحه ويضعون عليه من تعليقاتهم، ومن ذلك: «شرح سنن ابن ماجه» للحافظ علاء الدين مغلطاي، و«مصباح الزجاجة في شرح سنن ابن ماجه» للجلال الدين السيوطي، و«شرح سنن ابن ماجه» للمحدث محمد بن عبد الهادي السِّندي. وقد أفرد زوائد السنن العلامة المحدث شهاب الدين أحمد بن زين الدين البوصيري في كتابٍ وخرَّجها، وتكلم على أسانيدها بما يليق بحالها من صحة وحسن وضعف. نال ابن ماجه إعجاب معاصريه وثقتهم؛ إذ كان معدودًا في كبار الأئمة وفحول المحدثين، فقد قال عنه ابن خَلِّكان: «كان إمامًا في الحديث، عارفًا بعلومه وجميع ما يتعلق به»، وقال الذهبي عنه: «كان ابن ماجه حافظًا، ناقدًا، صادقًا، واسع العلم». وبعد عمر حافل بالعطاء في الحديث النبوي الشريف درايةً وروايةً، دارسًا ومدرسًا ومؤلفًا، تُوفِّي ابن ماجه في شهر رمضان سنة 273 ه، الموافق 886م، وصلى عليه أخوه أبو بكر وتولى دفنه مع أخيه الآخر أبو عبد الله وابنه عبد الله بن محمد بن يزيد.