قال الدكتور علي جمعة، مفتي الديار المصرية السابق، إن عصر الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يشهد إلا تنفيذ حدي زنا على شخصين وهما المرأة الغامدية التي زنت، ومالك بن ماعز، حينما اعترف على نفسه وأراد الرسول أن يبرئه. وأضاف «جمعة»، خلال لقائه ببرنامج «والله أعلم»، المذاع على قناة «سي بي سي»، «لما أصرَّ ماعز على الاعتراف بالجريمة رجمه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن ماعزًا كان محصنًا، منوهًا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يَدَعِ الأمر يمرُّ دون أن ينصح لهزَّال -والأمة من بعده- قائلاً: «وَاللهِ! يَا هَزَّالُ لَوْ كُنْتَ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ كَانَ خَيْرًا مِمَّا صَنَعْتَ بِهِ». وروى بريدة بن الحصيب رضي الله عنه فيقول: جاء ماعز بن مالكٍ إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقال: يا رسول الله طهِّرني، فقال: «وَيْحَكَ! ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرِ اللهَ وَتُبْ إِلَيْهِ». قال: فرجع غير بعيدٍ، ثمَّ جاء؛ فقال: يا رسول الله طهِّرني،. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وَيْحَكَ ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرِ اللهَ وَتُبْ إِلَيْهِ». قال: فرجع غير بعيدٍ ثمَّ جاء؛ فقال: يا رسول الله طهِّرني. فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ ذلك حتى إذا كانت الرابعة، قال له رسول الله: «فِيمَ أُطَهِّرُكَ؟» فقال: من الزِّنا. فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَبِهِ جُنُونٌ؟» فَأُخْبِرَ أنَّه ليس بمجنونٍ فقال: «أَشَرِبَ خَمْرًا؟» فقام رجلٌ فَاسْتَنْكَهَهُ فَلَمْ يَجِدْ منه ريح خمرٍ. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَزَنَيْتَ؟» فقال: نعم». إننا نرى هنا موقفًا من أعظم مواقف العقل والحكمة والرحمة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع أنه موقف رجم لإنسان، وهو أمر شديد ولا شكَّ.. وأوضح المفتي السابق، أن ماعزًا جاء ليعترف بالزنا ليُقام عليه الحدُّ، دون أن يُكرهه أحدٌ، فجاء تائبًا مقرًّا بذنبه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً له: طَهِّرني. وقد شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوهلة الأولى أن الرجل قد ارتكب ذنبًا عظيمًا، فلا شكَّ أن هذا كان باديًا على قسمات وجهه، وعلى نبرات صوته، لكنَّه مع ذلك لم يسأله عن ذنبه، ولو من باب الفضول، فإنه أراد أن يتكتَّم عليه لئلاَّ يُقيم عليه حدًّا، وهذا من رحمته العظيمة -صلى الله عليه وسلم. وتابع: ولكن ماعزًا كان مُصِرًّا على الاعتراف، وصرَّح في المرة الرابعة بذنبه، ومع ذلك لم يتلقَّف رسول الله صلى الله عليه وسلم منه الاعتراف كما يحدث في كثير من بلاد العالم ويُسَجِّله عليه، بل راجعه أكثر من مرَّة ليتراجع، وذلك رحمة به، فسأل عن عقله: هل به جنون؟ فقالوا: لا. فسأل عن شربه للخمر؛ فلعلَّه قد أذهب عقله فاعترف بما لم يفعل، وحدُّ الخمر أهون من حدِّ الزنا للمحصن، ولكن ماعزًا لم يكن شاربًا للخمر. وأشار إلى أنها محاولات حقيقية من رسول الله صلى الله عليه وسلم لدرء الحدِّ والتجاوز عن ماعز، بل إنه صلى الله عليه وسلم في روايات أخرى التفت إلى قوم ماعز وسألهم: «أَتَعْلَمُونَ بِعَقْلِهِ بَأْسًا تُنْكِرُونَ مِنْهُ شَيْئًا». فقالوا: ما نعلمه إِلاَّ وَفِيَّ العقل من صالحينا فيما نُرَى.