كنت أتمنى دخول الدكتور عمرو الشوبكي البرلمان لإثراء الحياة البرلمانية.. لكن ما كان في ظني سببا مؤثرا في فقده الفرصة، هو هذا الاستعلاء النخبوي من بعض مؤيديه، الذي يؤكد أن المثقفين المصريين يسقطون في كل اختبار، وأن عقلية فرق الألتراس التي نكبت بها الحياة الرياضية والسياسية، هي التي تسيطر عليهم في رفض الآخرين وعدم الاعتراف بحقوقهم. فهل أنتم أعلى درجة ممن انتخبوا أحمد مرتضى منصور؟. أم أنكم مثلهم؟ فإن أقررتم بأنكم أعلى درجة وأكثر وعيا، فذاك هو عين الغرور. وإن لم تعترفوا بذلك، فما االذي يميزكم عنهم؟. وربما هذا ما جعل شابا ليست له تجارب برلمانية مثل أحمد مرتضى، يفوز على برلمانى صاحب خلفية فكرية سياسية، لأن الشاب الذي التحم بالناخبين ولم يكن بين أنصاره من يمارس تلك النعرة الكاذبة في احتقار البشر لأنهم أقل علما أو وعيا. فالجماهير لديها حساسية مفرطة تجاه المستكبرين في الأرض بغير الحق أفى كل اختبار أنتم ساقطون؟! لقد مارس كثير من أنصار الدكتور عمرو -للأسف- تعاليا فجا وانتهجوا خطابا أشبه بالخطاب الطبقى في النظرة إلى الفقراء أو الخطاب السلفي بالنسبة لغيرهم من المسلمين وغير المسلمين. فإحساس التمايز الذي يرى هؤلاء ممن ناصروا الشوبكي، أنه يعطي لهم الحق في احتقار الآخرين، هو الذي أفشل تجربة ثورة 25 يناير عندما تحولت إلى مباريات في تمييز كل فئة نفسها على الأخرى والنظر إلى ما دونها على أنها دون المستوى العلمي والثقافي والديني. في الوقت نفسه لم تصمت الجماهير ولم تتخذ موقفا سلبيا، فما كان منها إلا أن استخدمت أسلحتها في رد هذا الاحتقار العمدي فسلطت ألسنتها وسخريتها وصمت آذانها ومضت لا تلوى على شيء سوى إغاظة نلك الفئة المتعالية، خاصة أنها لا ترى أي سند لهذا التعالي من الناحية الاجتماعية على الأقل، فغالبية ممارسي هذا الترفع الثقافي الكاذب - إن لم يكن جميعهم- ينتمون لمستويات اجتماعية لا تؤهلها لممارسة هذا التعالي، حيث إن التمييز الاجتماعي هو التمييز الوحيد الذي يقر به المجتمع المصري في حقيقة مريرة، ولا أكثر من سماع وصف "بن ناس" و"بيئة" في الحكم على الناس لمجرد مظاهرهم الكاذبة!. والكل يتجاهل الحقيقة التاريخية الثابتة بأن المصريين كلهم تقريبا ذوو خلفية اجتماعية طبقية تكاد تكون واحدة، وأن هذا التمايز الاقتصادي والاجتماعي لو صدق، فلفترات أو منذ فترات تعيها الذاكرة جيدا، أقدمها لا تتعدى عقودا من سني الزمان وربما بسبب أدوار سياسية واقتصادية مخزية لا مجال لعرضها ومناقشتها الآن. لكن كيف تحولت معركة انتخابية في دائرة وبهذا الفارق الضئيل، إلى حائط مبكي يعلن المسثقفون عليه كفرهم بالديمقراطية والجماهير ويصبون جام غضبهم على الشعب إلى درجة التهديد بالثورة من جديد على النظام؟!. فهذا العته يرسخ واقع الزيف السياسي والثقافي المسيطر على الأوساط النخبوية، كما تشتم منه رائحة عفن فكري تكاد تزكم الأنوف. والنتيجة: لقد دفع الشوبكي ثمنا بأن مثل هؤلاء كانوا يتصدرون حملته الدعائية ومن بين أنصاره من لايزال غارقا في غيبوبة ثورة 25 يناير، وظنوا أن الجماهير ترهب هتافات الثوار وترتعد من بلطجة الألتراس المسنود من هذه الفئة بشراسة، تكشف زيفها الثقافي وسقوطها الأخلاقي. كل هذا تحمله الدكتور عمرو واعيا به أو غير واع راضيا أو غير راض، فلا يمكن بالطبع - على الأقل كمرشح - أن يرفض فئة أيدته وتطوعت للدعاية له. لكن الذي يجعلنى أقر بأن فقدان فرصة دخول الشوبكي البرلمان ولا أقول بأنه سقوط، هو يقين عندي بأن غالبية من منحوا أصواتهم له، أملوا فيه أن يؤدى دورا مشرفا كنائب يتمتع بوعي المثقف لا كغائب يغوص في غياهب المستثقف.