السيسي وبوتين يُشاركان في فعالية تاريخية لتركيب وعاء ضغط المفاعل النووي بالضبعة    بعد غد.. انطلاق تصويت المصريين بالخارج في المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب    وزير التعليم العالي يبحث سبل تعزيز التعاون مع السفير السعودي بالقاهرة    إطلاق أول برنامج دولي معتمد لتأهيل مسؤولي التسويق العقاري في مصر    وزير الري يؤكد استعداد مصر للتعاون مع فرنسا في تحلية المياه لأغراض الزراعة    أبناء القبائل: دعم كامل لقواتنا المسلحة    سعر الريال القطرى اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى بداية التعاملات    اسعار السمك البوم الأربعاء 19 نوفمبر 2025 فى المنيا    تراجع معدل التضخم في بريطانيا إلى 3.6% خلال أكتوبر    المشاط: 1600 شركة ألمانية تستثمر في مصر، والحكومة تتبنى مسارا واضحا لتمكين القطاع الخاص    وزيرة الب تترأس الاجتماع ال23 لمجلس إدارة صندوق حماية البيئة    ارتفاع أسعار العملات العربية في بداية تعاملات اليوم 19 نوفمبر 2025    البيت الأبيض: الولايات المتحدة والسعودية توقعان حزمة اتفاقيات ضخمة    زيلينسكي: الهجوم الروسي أدى لمقتل 9 أشخاص    حريق هائل يلتهم أكثر من 170 مبنى جنوب غرب اليابان وإجلاء 180 شخصا    بولندا تستأنف عملياتها في مطارين شرق البلاد    وزير الإعلام البحريني يبحث في زيارة للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية سبل التعاون الإعلامي ويشيد بنجاح احتفالية المتحف المصري الكبير    موعد حفل جوائز الكاف 2025 والقنوات الناقلة    المغرب يهيمن على القوائم النهائية لجوائز "كاف 2025".. وبيراميدز ممثل مصر الأبرز    جيمس يشارك لأول مرة هذا الموسم ويقود ليكرز للفوز أمام جاز    موعد مباراة الأهلي وشبيبة القبائل بدوري أبطال أفريقيا.. والقنوات الناقلة    أدفوكات يصبح أكبر المدربين سنا في كأس العالم بعد تأهل كوراساو    تنمية متكاملة للشباب    «حالة الطقس».. ظواهر جوية متوقعة وارتفاع في درجات الحرارة نهارًا    الإسكندرية تترقب باقي نوة المكنسة بدءا من 22 نوفمبر.. والشبورة تغلق الطريق الصحراوي    موعد إجراء القرعة الإلكترونية لاختيار حجاج الجمعيات الأهلية    مصرع 3 شباب فى حادث تصادم بالشرقية    هنا الزاهد توجه رسالة دعم لصديقها الفنان تامر حسني    مهرجان القاهرة السينمائي، العرض العالمي الأول لفيلم "كوندافا" الليلة    «اليعسوب» يعرض لأول مرة في الشرق الأوسط ضمن مهرجان القاهرة السينمائي.. اليوم    رحلة اكتشاف حكماء «ريش»    7 آلاف سنة على الرصيف!    الصحة: «ماربورج» ينتقل عبر خفافيش الفاكهة.. ومصر خالية تماما من الفيروس    وزير الصحة يوجه بسرعة إنهاء تطوير مستشفى أم المصريين    صحة البحر الأحمر تنظم قافلة طبية مجانية شاملة بقرية النصر بسفاجا لمدة يومين    بعد انسحاب "قنديل" بالثالثة.. انسحاب "مهدي" من السباق الانتخابي في قوص بقنا    محكمة الاتحاد الأوروبي تعتزم إصدار حكمها بشأن وضع أمازون كمنصة كبيرة جدا    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    الضفة.. جيش الاحتلال الإسرائيلي يعتقل 100 فلسطيني شمالي الخليل    المنتخبات المتأهلة إلى كأس العالم 2026 بعد صعود ثلاثي أمريكا الشمالية    طن عز بكام.... اسعار الحديد اليوم الأربعاء 19 نوفمبر 2025 فى المنيا    شهر جمادي الثاني وسر تسميته بهذا الاسم.. تعرف عليه    زيلينسكي يزور تركيا لإحياء مساعي السلام في أوكرانيا    بشري سارة للمعلمين والمديرين| 2000 جنيه حافز تدريس من أكتوبر 2026 وفق شروط    زيورخ السويسري يكشف حقيقة المفاوضات مع محمد السيد    النيابة العامة تُحوِّل المضبوطات الذهبية إلى احتياطي إستراتيجي للدولة    انقلاب جرار صيانة في محطة التوفيقية بالبحيرة.. وتوقف حركة القطارات    ما هي أكثر الأمراض النفسية انتشارًا بين الأطفال في مصر؟.. التفاصيل الكاملة عن الاضطرابات النفسية داخل مستشفيات الصحة النفسية    النائب العام يؤكد قدرة مؤسسات الدولة على تحويل الأصول الراكدة لقيمة اقتصادية فاعلة.. فيديو    أبرزهم أحمد مجدي ومريم الخشت.. نجوم الفن يتألقون في العرض العالمي لفيلم «بنات الباشا»    آسر نجل الراحل محمد صبري: أعشق الزمالك.. وأتمنى أن أرى شقيقتي رولا أفضل مذيعة    حبس المتهمين في واقعة إصابة طبيب بطلق ناري في قنا    دينا محمد صبري: كنت أريد لعب كرة القدم منذ صغري.. وكان حلم والدي أن أكون مهندسة    مشروبات طبيعية تساعد على النوم العميق للأطفال    فيلم وهم ل سميرة غزال وفرح طارق ضمن قائمة أفلام الطلبة فى مهرجان الفيوم    داعية: حديث "اغتنم خمسًا قبل خمس" رسالة ربانية لإدارة العمر والوقت(فيديو)    هل يجوز أداء العشاء قبل الفجر لمن ينام مبكرًا؟.. أمين الفتوى يجيب    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 18نوفمبر 2025 فى المنيا....اعرف صلاتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سيدنا «هود».. نبي «عاد» كفروا به فعذبهم الله بالريح الباردة 8 أيام
نشر في صدى البلد يوم 21 - 06 - 2015

أرسل الله عز وجل، سيدنا هود -عليه السلام- نبيّا إلى قوم عاد «أهل اليمن»، قال اللهُ تبارك وتعالى: «وإلى عادٍ أخاهُم هودًا قال يا قومِ اعبدوا اللهَ ما لكُم من إلهٍ غيرُهُ أفلاَ تتَّقون} (سورة الأعراف/65).
وبعد أن نجَّا اللهُ تبارك وتعالى نبيَّهُ نوحًا عليهِ السلام ومن معه في السفينة وأغرقَ الذين كذبوهُ من قومه بالطوفان العظيم الذي عمَّ جميعَ الأرض، نزل الذين آمنوا من السفينة يعبدون اللهَ تعالى وحدَه ويعْمُرون الأرض، وكثرت الذرية من أولاد نوح الثلاثة سام وحام ويافث الذين كانوا على دين ءابائهم الإسلام، وكانوا يعبدون الله تعالى وحده ولا يشركون به شيئًا.
ثم بعد أن طال الزمن عاد الفسادُ والجهل وانتشر في الأرض ورجعَ بعض الناس إلى الإشراكِ باللهِ وعبادةِ غير الله، فبعث اللهُ تبارك وتعالى هودًا، قال تعالى: «كذبت عادٌ المرسلين * إذ قال لهُم أخوهُم هودٌ ألا تتقون * إنّي لكُم رسولٌ أمين» (سورة شعراء/123-124-125).
وقد سماهُ اللهُ أخًا لهم لكونه من قبيلتهم لا من جهة أخوة الدين، لأن أخوة الدين لا تكون إلا بين المؤمنين كما قال تعالى :{إنما المؤمنون إخوةٌ} (سروة الحجرات/10).
وذُكر هودٌ عليه الصلاة والسلام في القرآن الكريم سبْع مرات، وقد ذكر اللهُ تبارك وتعالى قصته عليه السلام مع قومه مع شىء من التفصيل في سورة الأعراف وسورة هود وسورة المؤمنون وسورة الشعراء وسورة الأحقاف وسورة فصلت.
وسيدنا هود عليه السلام هو عربيٌّ في أصله، وقيل إنه هود بن عبد الله بن رباح بن الجلود بن عاد بن عَوْص بن إرم بن سام بن نوح، وقيل غير ذلك، وقد جاء في صحيحِ ابن حبان عن أبي ذرّ في حديث طويل في ذكر الأنبياء والمرسلين قال :"وأربعةٌ من العرب: هود وصالح وشعيب ونبيّك محمد".
مساكن قوم عاد: قال اللهُ تبارك وتعالى في سورة الأحقاف :{واذكر أخا عاد إذ أنذر قومَه بالأحقافِ وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألاَّ تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذابَ يومٍ عظيم} (سورة الأحقاف/21).
قبيلة عاد قبيلة عربية كانت باليمن، وكانت منازلهم ومساكنهم وجماعتهم أرض الأحقاف، والأحقافُ هي الرمل فيما بين عُمان وحضرموت من أرض اليمن بأرض يقال لها الشِّحر، وقيل كانوا ثلاث عشرة قبيلة وظلموا وقهروا العبادَ بسبب قوتهم التي ءاتاهم الله إياها، فقد زادهم الله في الخِلقة والقوة، وبسَطَ لهم في أجساهم وعظامهم فكانوا طوالاً في أجسامهم وقوامهم، قيل كان أطولُهم مائة ذراع وأقصرهم ستين ذراًعا، قال تعالى :{واذكروا إذ جعلكم خلفاءَ من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بصطه} (سورة الأعراف/69). وكانوا أصحاب أوثان وأصنام يعبدونها من دون الله، صنم يقال له صداء، وصنم يقال له صمود، وصنم يقال له الهباء، قال الله تعالى :{ألم ترَ كيف فعل ربُّك بعاد * أرمَ ذات العماد * التي لم يُخلق مثلها في البلاد} (سورة الفجر/6-7-8).
دعا هود عليه السلام قومَه إلى عبادة الله وحده، وأعطى اللهُ تبارك وتعالى قبيلة عاد نِعمًا كثيرة وافرة وخيرات جليلة، فقد كانت بلادهم ذات مياه وفيرة فزرعوا الأراضي وأنشأوا البساتين وأشادوا القصور الشامخة العالية، إضافة لما منحهم اللهُ تعالى فوق ذلك من بَسْطة في أجسادهم وقوة في أبدانهم لكنهم كانوا غير شاكرين لله على نعمه، فاتخذوا من دونه آلهةً وعبدوا الأصنام وصاروا يخضعون لها ويتذللون ويقصدونها عند الشدة، فكانوا أول الأمم الذين عبدوا الأصنام بعد الطوفان العظيم الذي عم الأرض وأهلك الكافرين الذين كانوا عليها.
فبعث اللهُ تبارك وتعالى إليهم نبيَّه هودًا وكان أحسنهم خُلُقًا وأفضلهم موضعًا وأوسطهم نسبًا، فدعاهم إلى دين الإسلام وعبادة الله تعالى وحده وترك عبادة الأصنام التي لا تضر ولا تنفع، وأن يُوحّدوا الله الذي خلقهم ولا يجعلوا معه إلهًا غيره، وأن ينتهوا ويكفوا عن الظلم والبغي والفساد بين الناس، ولكنهم عاندوا وتكبروا وكذبوا نبيَّ الله هودًا عليه الصلاة والسلام وقالوا :{من أشدّ منَّا قوة} (سورة فصلت/15).
آمن به واتبعه أناس قليلون كانوا يكتمون إيمانهم خوفًا من بطش وظلم قومهم الكافرين المشركين، قال الله تبارك وتعالى :{فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحقّ وقالوا من أشدّ منّا قوة أولم يروا أن اللهَ الذي خلقهم هو أشدّ منهم قوّة وكانوا بآياتنا يجحدون} (سورة فصلت/15)، وقال الله تبارك وتعالى :{وإلى عادٍ أخاهم هودًا قال يا قوم اعبدوا اللهَ ما لكم من إلهٍ غيره أفلا تتقون} (سورة الأعراف/65) المعنى أن هودًا قال لقومه: يا قوم اعبدوا الله وحده ولا تجعلوا معه إلهًا غيره فإنه ليس لكم إله غيره أفلا تتقون اللهَ ربَّكم فتحذرونه وتخافون عقابَه بعبادتكم غيره وهو خالقكم ورازقكم دون كل ما سواه، فأجابه قومه بما أخبر اللهُ تبارك وتعالى به {قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنُّك من الكاذبين * قال يا قوم ليس بي سفاهةٌ ولكنّي رسولٌ من ربّ العالمين} (سورة الأعراف/66-67).
المعنى أن الملأ الذين كفروا وجحدوا توحيد الله وعبدوا الأصنام وأنكروا رسالة هود وكذبوا ما جاء به قالوا له: إنا لنراك يا هود في سفاهة ويريدون بذلك أنك في ضلالة عن الحقّ والصواب بتركك ديننا وعبادة ءالهتنا وإنا لنظنك من الكاذبين في قولك إني رسول من رب العالمين {قال يا قوم ليس بي سفاهةٌ ولكني رسول من رب العالمين * أبلغكم رسالاتِ ربي وأنا لكم ناصحٌ أمين} (سورة الأعراف/67-68)، أي يا قوم ليس بي سفاهة عن الحق والصواب بل إني على الحق المبين والطريق الصواب، رسول من رب العالمين أرسلني إليكم فأنا أبلغكم رسالات ربي وأؤديها إليكم، وأنا لكم ناصحٌ فيما دعوتكم إليه من عبادة الله وحده وترك عبادة الأصنام التي لا تضرّ ولا تنفع، فاقْبلوا نصيحتي فإني أمين على وحي الله وعلى ما ائتمنني عليه من الرسالة لا أكذب فيه ولا أزيد ولا أبدل، بل أبلغ ما أمرت به كما أمرت.
قال تعالى :{أو عجبتم أن جآءكم ذِكر من ربّكم على رجلٍ منكم لينذركم} (سورة الأعراف/63). أي عجبتم أن أنزل اللهُ وحيَه بتذكيركم وأرسل نبيه إليكم يدعوكم إلى عبادة الله وحده وترك عبادة الأصنام، ولينذركم عذابه إن لم تقبلوا دعوته ولم تدخلوا في دينه الإسلام، وقد قال لهم هود هذا منكِرًا عليهم بعد أن استبعدوا أن يبعث اللهُ رسولاً بشيرًا يأكل ويشرب كما يأكلون ويشربون، واعتبروا أن تصديقه في دعواه خسارة وبطلان {واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بصطه فاذكروا ءالاءَ الله لعلكم تفلحون} (سورة الأعراف/69)، المعنى اتقوا اللهَ في أنفسكم واذكروا ما حلّ بقوم نوح من العذاب إذ عصوا رسولهم وكذبوه وكفروا بربهم واستمروا على بَغيهم وتكبرهم، فإنكم إنما جعلكم ربكم خلفاء في الأرض بعدهم لما أهلكهم، فاتقوا الله أن يحل بكم نظير ما حلّ بهم من العقوبة فتهلككم كما أهلكهم ويبدل منكم غيركم سنته في قوم نوح قبلكم على كفرهم وتجبرهم. ثم بيَّن لهم نِعم الله الجليلة عليهم إذ زادهم في الخلق بسطة فزاد في أجسادهم وقوامهم فأمرهم أن يذكروا نعمَ الله عليهم وفضله عليهم في أجسادهم وقوامهم، فيشكروا اللهَ تعالى على ذلكَ بأن يعبدوا الله وحدَه ويخلصوا له العبادة ويتركوا الإشراك وعبادة الأصنام كي يفحلوا.
لكنَّ قوم هود رغمَ هذا البيان المقنع والكلام الناصح من نبيهم هود عليه السلام لم يقبلوا الحق الذي جاء به، وأعلنوا له أنهم لن يتركوا عبادة الأصنام وأنهم يعتقدون أن بعض ءالهتهم غضب عليه فأصابه في عقله فاعتراه جنون بسبب ذلك، كما أنهم استبعدوا إعادتهم يوم القيامة وأنكروا قيام الأجساد بعد أن تصير ترابًا وعظامًا، فقال لهم نبيُّهم هود عليه السلام ما أخبرنا الله به في القرءان الكريم :{وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (127) أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ ءايَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (129) وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (131) وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُم بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (134) إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (135)} (سورة الشعراء). وقال تعالى مخبرًا عن قول هود عليه السلام في موضع ءاخر من القرءان الكريم {يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلاَ تَعْقِلُونَ (51) وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ (52)} (سورة هود).
فبين لهم سيدنا هود عليه السلام أنَّه لا يَطلُب على نصيحته لهم أجرًا يأخذه منهم أو رئاسة يتزعم بها عليهم، وأنّه لا يطلب الأجر في دعوته لهم إلى الإيمان والإسلام إلا من الله تبارك وتعالى، ثم قال لهم واعظًا ما معناه أتبنون بكل مكان مرتفع بناءً عظيمًا هائلاً تعبثون ببنائه ولا حاجة لكم فيه وأنتم تسكنون الخيام العظيمة، ثم تتخذون القصور رجاء منكم أن تعمروا في هذه الدار أعمارًا طويلة، ثم ذكر لهم أنهم يتجبّرون ويظلمون الناس فأمرهم أن يتقوا الله بأن يدخلوا في دينه ويعبدوا الله وحده ويطيعوه، وذكّرهم بما أنعم الله به عليهم وبما أمدّهم به من أنعام وبنين وما رزقهم من مياه وافرة وبساتين خضراء يانعة يتنعمون بها، وحذرهم من عذاب الله العظيم يوم القيامة الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم من الكفر والشرك.
لكن قوم هود أصرّوا على كفرهم وعنادهم وقالوا له فيما قالوا: أجئتنا لنعبد الله وحده ونترك عبادة الأوثان والأصنام ونخالف ءاباءنا وأسلافنا وما كانوا عليه، وقالوا له على وجه التهكم والعناد والاستكبار إن كنت صادقًا فائتنا بما تعدنا من العذاب فإنا لا نصدقك ولا نؤمن بك وقد أخبرنا الله في القرءان بذلك: {وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاء الآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (33) وَلَئِنْ أَطَعْتُم بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَّخَاسِرُونَ (34) أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُم مُّخْرَجُونَ (35) هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ (36) إِنْ هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (37) إِنْ هُوَ إِلا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ (38)} (سورة المؤمنون).
وقال :{ قَالُواْ يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي ءالِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (53) إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ ءالِهَتِنَا بِسُوَءٍ (54)} (سورة هود)، وقال تعالى :{قَالُوا سَوَاء عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُن مّنَ الْوَاعِظِينَ (136) إِنْ هَذَا إِلاَّ خُلُقُ الأَوَّلِينَ (137) وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (138)} (سورة الشعراء) أي أن هذا الدين الذي نحن عليه إنْ هو إلا دينُ الأولين أي الآباء والأجداد ولن نتحول عنه، فأعلمهم هود عليه السلام أنهم استحقوا الرّجس والغضب من الله لإصرارهم على كفرهم وعبادة الأصنام، ولينتظروا عذاب الله الشديد الواقع عليهم لا محالة.
وقال الله تعالى :{قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ ءابَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (70) قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مّن رَّبّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَءابَآؤكُم مَّا نَزَّلَ اللهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ فَانتَظِرُواْ إِنّي مَعَكُم مّنَ الْمُنتَظِرِينَ (71)} (سورة الأعراف).
ولما تجبّر قوم هود عليه السلام ولم يستجيبوا لدعوة نبيهم هود عليه السلام بل عصوا رسول الله هودًا وكذبوه وجحدوا بآيات الله التي أقامها هود عليه السلام دلالة على صدقه في أنه مرسل من ربّه واتبعوا أمر كل جبار عنيد من ملإ قومهم وأصروا على عبادة الأصنام، أحلَّ الله تبارك وتعالى بهم نِقمته وعذابه في الدنيا بعد أن أنذرهم سيدنا هود عليه السلام بالعذاب القريب الذي ينتظرهم، قال تعالى :{قال رب انصرني بما كذبون (39) قال عما قليل ليصبحنَّ نادمين(10)} (سورة المؤمنون)، وقال تعالى إخبارًا عن هود :{فانتظروا إني معكم من المنتظرين} (سورة الأعراف/71).
فأمسك الله عنهم المطر حتى جهدوا، وكان كلما نزل بهم الجَهد ذكَّرهم هود بدعوة الله وأنه لا ينجيهم من البلاء والعذاب إلا الإيمان والاستماع لنصائحه بالقبول، فكان ذلك يزيدهم عتوًّا وعنادًا فازداد العذاب عليهم وصاروا في قَحْط وجفاف شديدين فطلبوا السقيا والمطر وأوفدوا وفدهم إلى مكة يستسقون لهم، فأنشأ الله سحابًا أسود وساقه إلى عاد فخرجت عليها من واد فلما رأوها استبشروا أنه سحاب مطر وسُقيا رحمة فإذا هو سحاب عذاب ونقمة قال تعالى :{فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمّرُ كُلَّ شَىْءٍ بِأَمْرِ رَبّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (25)} (سورة الأحقاف)، أي أن الله أرسل عليهم ريحًا شديدةً عاتية حملت رحالهم ودوابهم التي في الصحراء وقذفت بها إلى مكان بعيد، فدخل قلوبهم الفزع وهرعوا مسرعين إلى بيوتهم يظنون أنهم ينجون، ولكن هيهات إذ حملتهم هذه الرياح الشديدة وأهلكتهم. وكان بعد ذلك العرب إذا بعثوا وفدًا لهم قالوا: لا تكن كوافد عاد، روى الإمام أحمد في مسنده أن الحارث بن حسان البكري قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم :"أعوذُ باللهِ ورسوله أن أكون كوافدِ عاد" الحديث.
قال الله تعالى في سورة الحاقة :{وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَى لَهُم مّن بَاقِيَةٍ (8)}.
لقد أرسل الله على قوم هود ريحًا باردة شديدة الهبوب سخرها الله على القوم الكافرين سبع ليال وثمانية أيام كوامل متتابعات حتى أهلكتهم وصاروا صَرعى، وقد شبههم الله بأعجاز النخل التي لا رءوس لها، وذلك لأن هذه الريح كانت تجيء إلى أحدهم فتحمله فترفعه في الهواء ثم تنكسه على أُمّ رأسه فتشدخه فيبقى جثة هامدة بلا رأس، قال الله تبارك وتعالى :{وفي عادٍ إذ أرسلنا عليهِمُ الريحَ العقيم} (سورة الذاريات/41) أي التي لا تنتج خيرًا، وقال تعالى :{ما تذر من شىء أتت عليه إلا جعلته كالرميم} (سورة الذاريات/42). أي كالشىء البالي الفاني الذي لا ينتفع به بالمرة، وقال تعالى :{إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ (19) تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ (20) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (21)} (سورة القمر).
ومن قال إن يوم النحس المستمر يوم الأربعاء وتشاءم به لهذا الفهم فقد أخطأ وخالف القرءان فإن الله تعالى قال :{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنصَرُونَ (16)} (سورة فصلت)، وروى البخاريّ عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :"نُصرت بالصبا، وأُهلكت عاد بالدَّبُورِ".
ولقد نجى الله هودًا عليه السلام ومن معه من المؤمنين قال تعالى :{فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ (72)} (سورة الأعراف)، وقال تعالى :{وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ ءامَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مّنَّا وَنَجَّيْنَاهُم مّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (58)} (سورة هود).
وقد حجّ بعد ذلك سيدنا هود عليه السلام كما روى ذلك أبو يعلى في مسنده، أما موضع قبره ففيه خلاف، قيل بحضرموت في بلاد اليمن، وقيل بالحِجر من مكة، وذكر ءاخرون أنّه بدمشق، وبجامعها مكان في حائطه القبلي يزعم بعض الناس أنه قبر هود عليه السلام والله أعلم. وبلاد عاد اليوم رمال قاحلة لا أنيس فيها ولا ديار، فسبحان الملك العزيز الجبار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.