الحفاظ على الدولة لا يتوقف فقط عند رفض سقوطها أو هدمها، إنما أيضاً الحفاظ على حياد مؤسساتها وضمان عملها بصورة مهنية ومستقلة عن السلطة التنفيذية وعدم تحولها إلى أداة فى يد الحزب الحاكم مهما كان لونه. والمؤكد أن أجهزة الدولة الإدارية وُظفت فى غالبيتها لصالح النظام السابق من أمن وإعلام وإدارة، حتى أصبح هناك حرص فى كل تجارب التحول الديمقراطى أن تتولى حكم البلاد فى المراحل الانتقالية حكومة محايدة سياسياً أغلب من فيها من التكنوقراط. والمؤكد أن حكومة الجنزورى ينطبق عليها هذه الشروط، فالرجل يتسم تاريخه بالكفاءة والإنجاز، ونتيجة ذلك عزله «مبارك» من منصبه، وكان يفترض أن يكرمه أى نظام جديد بعد الثورة لا أن يتبارى بعض نواب البرلمان فى شتمه، مستغلين أنه رئيس حكومة انتقالية ليس لديها أغلبية فى البرلمان. صحيح أن بعض وزراء هذه الحكومة معدومو الكفاءة مرتعشو الأيدى، ومثلوا عبئاً عليها، وحان وقت استبعادهم، أما رئيس الحكومة وبعض وزرائه فيجب أن يستمروا فى عملهم مثلما جرى فى كل تجارب التحول الديمقراطى من تونس إلى كثير من بلدان أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية، حين تشكلت الحكومات الانتقالية من خارج الأحزاب، ولعل رئيس وزراء تونس الأسبق الذى أدار بكفاءة المرحلة الانتقالية خير دليل على ذلك رغم أن عمره 87 عاما، وكان وزيرا فى العهد السابق ولم تقم الدنيا ولم تقعد كما يجرى فى مصر، حتى سلم السلطة بعد ذلك إلى حكومة حزبية منتخبة. إن بقاء «الجنزورى» وإجراء تعديلات على حكومته يشارك فيها حزب الأغلبية الحرية والعدالة لحين الانتهاء من المرحلة الانتقالية وكتابة الدستور وانتخاب الرئيس أمر مطلوب ومبرر وطنياً وسياسياً. بالمقابل فإن مطالبة الإخوان بتشكيل حكومة جديدة مخالفة للإعلان الدستورى الذى أعطى للمجلس العسكرى هذا الحق لحين إجراء انتخابات الرئاسة والذى يبدو أنه سيفرط فيه بسبب تخبطه وضعفه، وسيعطى فرصة تاريخية لحزب الأغلبية للسيطرة على وزارات الدولة المختلفة قبل كتابة الدستور وقبل وضع قواعد جديدة تحكم العلاقة بين حزب الأغلبية الحاكم وجهاز الدولة، ما سيفتح الباب أمام مخاطر حقيقية لا يعيها الكثيرون. إن المطلوب هو الحفاظ على مؤسسات الدولة بوضع تشريعات جديدة تضمن حيادها، فمصر لا تريد شرطة إسلامية ولا جيشاً ليبرالياً ولا قضاء سلفياً ولا خارجية يسارية ولا إعلاماً حكومياً حزبياً، إنما مطلوب مثل كل البلاد الديمقراطية مؤسسات دولة مهنية ومحايدة تخدم كل المصريين، فحذار من اختراقها أو إعادة تشكيلها وفق كوتة السياسة، فتلك ستكون كارثة حقيقية على مصر. إن تشكيل حكومة جديدة ذات لون حزبى فى نهاية مرحلة انتقالية سيثير من المشكلات الكثير، وإن الحل الأمثل هو فى بقاء الحكومة الحالية برئاسة الدكتور الجنزورى الذى قام بعمله بإخلاص وكفاءة مع استبعاد عدد من الوزراء الفاشلين، وضم مجموعة من الوزراء الذين يرشحهم حزب الإخوان بشرط أن يبقى جسم الحكومة الرئيسى غير حزبى حتى كتابة الدستور وانتهاء المرحلة الانتقالية، وبعدها مرحباً بأى حكومة حزبية يشكلها «الحرية والعدالة» أو «النور»، لأننا جميعا سنكون قد اتفقنا على قواعد إدارة الصراع السياسى بالطرق السلمية ويمكن للشعب حينها أن يغير ديمقراطياً أى حكومة تفشل فى القيام بمهامها. نقلا عن المصرى اليوم