فى أوساط النخبة الأمريكية حديث كبير وعريض ومهم عن مصطلح "الفيتوقراطية" وهو مصطلح سياسى جديد صاغه الأستاذ بجامعة ستانفورد الأمريكية فرانسيس فوكوياما، صاحب كتاب "نهاية التاريخ والإنسان الأخير".. "الفيتوقراطية" حسب الترجمة العربية تعنى الديمقراطية الاعتراضية، لكن فى المفهوم السياسى لدى فوكاياما معناها عدم قدرة المسئولين وصناع القرار على اتخاذ القرار، ما يصيب النظام الديمقراطى بالشلل التام، ومن ثم تتعرض الديمقراطية لعرقلة كبيرة جدا. أمريكا حاليا فى حالة من التحزب والصراع بين الديمقراطيين والجمهوريين غير مسبوقة، بحيث لم يعد الرئيس قادرا على اتخاذ القرارات، ولم يعد الكونجرس قادرًا على التوصل إلى تفاهمات حول المطروح عليهم من قرارات مصيرية تخص الاقتصاد الأمريكى والرعايا الصحية والاجتماعية والتعليم، وغيرها من القضايا. هذا الوضع السياسى المشلول فى أمريكا جعل الكاتب فى صحيفة "نيويورك تايمز" توماس فريدمان يعلق بصورة كاريكاتيرية قائلا إنه يخشى اليوم الذى ينتقل فيه الصراع بين الحزبين إلى المنتجات والسلع الاستهلاكية، بحيث يصبح فى أمريكا هامبورجر جمهورى وهامبورجر ديمقراطى، وعندها يختار الناس ما يأكلون ويشربون ويلبسون على أسس حزبية.. وهنا قمة الكوميديا والتراجيديا على حد سواء. أمريكا وصلت إلى "الفيتوقراطية"، بعد سنوات طويلة من الديمقراطية، أى أنها جربت الديمقراطية وعاشتها، ثم انقلبت عليها أو تطورت لديها الديمقراطية حتى وصلت إلى الديمقراطية الاعتراضية التى تكاد تقضى على شكل الديمقراطية كما نعرفها، والقائم على حكم الأغلبية، ومراعاة الأقلية، وتبادل السلطة فى انتخابات حرة نزيهة. لكننا فى مصر وصلنا إلى "الفيتوقراطية"، قبل أن نجرب الديمقراطية الحقة، فمصر تعيش بلا جدال حالة من الشلل السياسى غير المسبوق، لدينا سلطة سياسية حاكمة ممثلة فى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، لكن قرارات هذا المجلس فى بعض الأحيان غير مفهومة أو مبررة، وفى أحيان أخرى لا تصدر القرارات التى ينتظرها الناس. أما السلطة التشريعية فهى وفقا للإعلان الدستورى لا تملك سوى إصدار التشريعات، بينما من حق المجلس العسكرى الموافقة أو الرفض، أم السلاح الثانى وهو الرقابة على الحكومة بمعنى إقالتها وسحب الثقة منها فهو غير متاح للبرلمان حتى يكتب الدستور الجديد. وعلى مستوى أقل وفى جميع الدوائر الحكومية دون استثناء، لا يصدر أى رئيس من الوزير إلى رئيس وحدة محلية فى قرية صغيرة أى قرار، الجميع يخشون اتخاذ القرارات والتصدى للمشاكل، والكل يريد أن ينهى فترته فى الإدارة دون أن يضربه موظف معتصم، أو يتهمه أحد بالفساد، أو يجد نفسه فى النيابة للتحقيق معه فى واقعة إهدار ثلاثة جنيهات من المال العام. "الفيتوقراطية" فى أعلى وأبلغ وأوضح صورها تعيش وتتنفس فى مصر، وربما احتاج فوكوياما الكثير من الوقت والدراسة ليصل لهذا المصطلح بعد مراقبة صناعة القرار فى أمريكا، لكنه لو جاء إلى مص لتوصل إلى المادة الخام للفيتوقراطية.