* قضم الكتف أو الجلد بالسوط أو مواجهة "العضاضة" وظائف مرموقة لنساء " الحسبة" في تنظيم داعش * لا بديل عن الاعتماد على قوات البيشمركة والجيش العراقي مع الحرس الوطني وبمساندة دولية من طائرات التحالف لتحرير المدينة * عدد من الساسة العراقيين يتفاوضون لشراء الموصل والتنظيم يطلب مايقارب 120 مليار دولار أمريكي للانسحاب منها * إعادة نشر القوات الأمريكية في العراق وقتال تنظيم الدولة وإبقاء قواعد عسكرية ثابتة في العراق وإنهاء الأمر أسوأ السيناريوهات * اللجوء لأسلوب الأرض المحروقة وقصف المدينة بشكل تام لإجبار التنظيم على الانسحاب الخيار الأخير * الموصل تحولت إلى مدرسة من مدارس السجون تنتج جيلا متطرفا يفكر بعقلية انتقامية ولا يقبل الآخر * المدينة عاشت أياماً تشبه زمن هولاكو حينما قام التنظيم بحرق المكتبة التي تضم ما يقارب عشرة آلاف كتاب في شتى العلوم والفنون صدى البلد- قسم التحليلات والرأي
إن المشهد داخل مدينة الموصل العراقية ليس بأقل قساوة عن المشهد بطول بلاد الرافدين وعرضها، فمنذ أن سيطر تنظيم داعش على المدينة في 10 يونيو 2014 وتعاني المدينة، التي تعيش أياماً تشبه أيام هولاكو حينما قام التنظيم بحرق المكتبة التي تضم ما يقارب عشرة آلاف كتاب في شتى العلوم والفنون ناهيك عن مئات المخطوطات التي يرجع تأريخها الى العصور الذهبية في صدر الاسلام وما بعده، تغيرا في أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية حولت المدينة من مصنع للعلم والتنوير إلى معسكر كبير لإنتاج المتطرفين، فما هي أحوال العراقيين وكيف تحولت حياتهم إلى جحيم وكيف باتت أحوال النساء الاجتماعية وما السبيل إلى تخليص الموصل من كابوس تنظيم الدولة؟! لم يكن هذا التحول في المشهد السياسي والاجتماعي في الموصل هدفا معلنا لعناصر التنظيم عند اقتحامهم المدينة بل قدم التنظيم نفسه على أنه المخلص من جور الجيش العراقي وبطش العناصر الأمنية التابعة لحكومة بغداد ولم يظهر الوجه الحقيقي للتنظيم إلا بتوجه عدد من عناصره مكبرين مهللين لهدم جامع "النبي يونس"، الذي يعد الرمزية الأكبر والأهم داخل المدينة.ومن خلال مجموعة من الأوامر تحولت الموصل إلى سجن كبير يتحكم التنظيم في خروج ودخول كل فرد؛ وتم منع أي شخص من أهالي المدينة من المغادرة إلا بإذن من قِبله كما منع دخول الإعلاميين أو الصحافة، وقطع الاتصالات في المدينة لمنعها من الاتصال بالعالم الخارجي وأوقف أي شركة اتصالات عن العمل في المدينة،وألغى تنظيم أي تجمعات أو ندوات او دروس في المدينة إلا بأمر منه أو بمشاركته.
كانت هذه هي الخطوة الأولى نحو ترسيخ فكره وعقيدته بين سكان الموصل وكانت خطوته الثانية تغذية الناس بما يريده من أفكار متطرفة؛ حيث أصدر خطبة جمعة موحدة لصلاة الجمعة ويقوم بعزل كل خطيب لا يلتزم بقراءة الخطبة كما هي، ثم قام بعمل نقاط إعلامية تنشر الخطب والمقاطع العسكرية والأناشيد المحفزة لها وتقديمها لكل من يريد وهذه النقاط منتشرة في كل أرجاء المدينة، ثم أكمل التنظيم بث الفكر بعمل مجموعة من الاستعراضات العسكرية، إضافة لعمل بعض الفعاليات مثل قرعة للذين قدموا اسمائهم لغرض تفجير أنفسهم في المعارك؛ وهذا يجعل المشاهد في حالة من الهيجان العاطفي سيقوم التنظيم بتوجيهها وفق ما يريد. كل هذا جعل الأمر في المدينة وكأنه مدرسة من مدارس السجون التي ستنتج جيل متطرف يفكر بعقلية انتقامية لا يقبل الآخر ولا يتعامل معه، يقتل على الخصومة، ويقف بجانب سلاحه إلى الرمق الأخير. أدوات التمكين واستعانت عصابات داعش بمجموعة من الأدوات لبسط نفوذها ومهيد التربة لزرع الأفكار الهدامة المدمرة وكان من بينها اللجوء إلى الانتحاري المفخخ الذي ينشر الخوف ويربك الصفوف، وكان سلاحه الثاني هو الإعلام والتخويف من بطش وقوة أفراد التنظيم وقطعهم للرؤوس وغيرها ما جعل الأمر يحسم لداعش دون قتال حقيقي يذكر ومن المرجح ألا ينفد هذا السلاح من مخازن التنظيم، فما زالت لديه قدرة التنظيم على عزل الناس وغسل الأدمغة واستقطاب الانتحاريين، وقدرة التنظيم الإعلامية على إرباك العدو نفسيًا قبل المعركة، وجعل الخوف سلاحا يُرتكز عليه في معاركه. وعند دخول تنظيم الدولة إلى مدينة الموصل وإحكام السيطرة عليها بالكامل، بدأ التنظيم بفرض مجموعة من القرارات المتشددة خاصة فيما يتعلق بالنساء؛ ففي بداية الأمر منع التنظيم خروج النساء بدون تغطية شعر الرأس، ثم تطور الأمر ليشمل الوجه والكفين، ليتطور الأمر فيما بعد برداء أسود يحتوي على علامات مميزة منها أن يكون الخمار المغطي للوجه بطول جسم المرأة وأن تغطى منطقة العيون وغيرها من التعقيدات؛ ليجعل لباس المرأة أشبه بالمدرعة التي يصعب السير بها. لكن الأمر تطور فيما بعد ليصل حد معاقبة المخالفين بتعزير الرجل المسؤول عن المرأة (الزوج أو الأخ أو الأب) المخالفة وعقوبة للمرأة تتمثل بين ثلاثة خيارات الأول: قضم الكتف بواسطة الأسنان الحديدية (وهي آلة حديدية للعض توضع في الفم) وعادة ما تسبب الآلة نزيف وجروح قوية في المكان الذي يتم القضم فيه.
والثاني الجلد بالسوط على الظهر وعادة ما يكون الجلد مصاحب للشتم والتصوير؛ مما يجعله خيار مستبعد لخصوصية النساء وخوفهم من التشهير. أما الثالث: القرص بواسطة آلة حديدية وتكون هذه الآلة عبارة عن احدى أدوات الكهربائيين لنزع الأسلاك الكهربائية، يتم استخدامها لقرص المخالفين لأوامر التنظيم من النساء ويقوم بهذا العمل نساء في جهاز ما يسمى الحسبة، وهو جهاز لداعش يقوم بتتبع المواطنين ويحاسب المخالفين لتعليمات تنظيم الدولة وتعد "العضاضة" وظيفة مرموقة كون العضاضة هي من نساء الحسبة وتقوم بالتحكم بالنساء وعض الأكتاف بآلة حديدية مركبة بالفم؛ تؤدي إلى جرح عميق في منطقة الكتف عادة، أو بالقرص بآلة الحديدة. وذكر أطباء داخل مدينة الموصل أنهم يتلقون حالات تم فيها جرح الأكتاف بواسطة العض؛ مما يحتاج إلى خياطة الجروح لعمقها وخطورة إبقاء الجرح بدون معالجة، ويتم استقبال النساء في البيوت لكون المستشفيات شبه معطلة لوجود الرقابة التامة عليها ولكون التنظيم يستغلها في معالجة مقاتليه الذين يتعرضون لحوادث في المعارك أو أثناء القصف على مقراتهم من قبل التحالف الدولي. يذكر أن نساء الحسبة "العضاضات" تثير الرعب وسط نساء مدينة الموصل؛ مما جعل النساء لا تخرج من البيوت إلا للضرورة. تغيير اجتماعي واستممر عبث التنظيم في التركيبة الاجتماعية للمدينة ومحاولة طمس هويتها للدرجة التى دفعت الأسر إلى تزويج بناتها بشكل غير متوافق مع أعراف المدينة تجنيبا لفتياتهم من تزويجهن من رجال داعش، حيث يعتبر من أهم وأكبر الأسباب الذي جعلت الشاب الموصلي يعزف عن الزواج ويقبل عليه بعد هذه الأحداث الحالة المعشية السيئة ففرص العمل أصبحت شبه معدومة ففي إطار العادات والتقاليد فإن الشاب الموصلي المتوسط الدخل يحتاج لغرض الزواج ما لا يقل عن 12 مليون دينار عراقي (أي ما يقارب 10 آلاف دولار أمريكي) وهذا مبلغ كبير بالنسبة لشاب في بداية حياته ويشمل هذا المبلغ المهر وعادة من الذهب والتجهيز من غرفة نوم وملابس إضافة لحفلة الزفاف. كل هذه الأمور انحصرت في مدينة الموصل ليكتفي أهل العروس بقبول الشاب فقط، إذا كان معقول السمعة والعائلة، وتنحصر التكاليف بزفاف ومهر صغير لا يتجاوز في التكلفة 2000 دولار أمريكي؛ ما جعل الزواج في هذه الظروف فرصة لكل شاب محدود الدخل . واضطرت معظم عائلات الموصل تساهلت في الجانب المادي من جهة والجانب الطبقي من جهة ثانية وهو نتاج عدة أمور أهمها إجبار التنظيم الفتيات على الزواج من أفراده؛ وهذا ما جعل كل رب أسرة لديه فتاة غير متزوجة يسعى لتزويجها بشتى الطرق للحفاظ عليها؛ ما أتاح فرصا للشباب الذين لم يتم القبول بهم أن يحصلوا على موافقة وتسهيلات لا حدود لها . انتهاك للحقوق لقد فقدت النساء في إطار هذا الأتون الحارق لتاريخ مجتمع باكمله حقوقها ومكتسباتها فالزواج بعقد غير موثق لدى الحكومة الرسمية؛ يمنع المرأة في خطر لكونها لا تستطيع المطالبة بحقوقها إضافة لمشكلة أكبر وهي مشكلة الأطفال الذين سيكونون بدون أي وثائق تثبت انتسابهم أو جنسيتهم، وهذا أمر خطير جدًا يجب الانتباه إليه، كما أن عدم قدرة الشاب على تحمل الضغوط في ظل وضع متأزم، قد تدفعهم إلى ترك الزوجات والخرروج لغرض الهجرة أو العمل؛ ما يزيد حالة الفتيات تعقيدًا ويزيد الألم على الأهل، خاصة مع الإنجاب. كما أن إهدار التكافؤ والرضا على المدى البعيد قد يجعل المجمع متفككا وتحدث حالات طلاق وضياع للأسر بسبب عدم الرضا الذي ينتج من زواج شاب بمستوى متوسط بفتاة من عائلة غنية أو طبقة اجتماعية أعلى أو فرق ثقافي كبير، ولكن الظرف الطارئ جعل هذه الزيجة تتم رغم عدم التكافؤ؛ وهذا يؤدي فيما بعد انتهاء الأزمة إلى خلق حالة من عدم الرضا لدى الزوجة وأهلها، تجعل الأمر صعب على الزوج فيبدأ الشرخ يتسع لينتهي بعائلة تعيسة أو مفككة، وهذا ما نخشاه جدًا ونسعى ألا يكون .
سيناريوهات التحرير والحديث الابرز هذه الأيام كيف ستتحرر تلك المدينة من يد هذا الطوفان من الإفساد في الارض وهنا تبدو الخيارات محدودة ومنها شراء الموصل مقابل مبلغ مالي من الدولار الامريكي يسلم الى التنظيم نقداً وفق اتفاقيات سرية مع التنظيم لينسحب التنظيم من الموصل باتجاه سوريا بمسرحية وتبادل للنار بشكل تمثيلي ويدخل الفاتح للموصل على أنه بطل. وفي تقارير صحفية أكدت أن هذا الخيار يقوم به عدد من الساسة العراقيين بالفعل، ولكن الأمر قد تبدد بعد طلب التنظيم لمبالغ وصلت مايقارب 120 مليار دولار امريكي نقداً الامر الذي جعل الشخصيات المفاوضة مع التنظيم تعتبره أمراً تعجيزياً في سبيل دفع هذا المبلغ للتنظيم . سيناريو آخر مطروح وهو أسلوب الأرض المحروقة وهوعبارة عن قصف المدينة بشكل تام وحرق الأرض بحيث لا يدع مجالا للتنظيم غير التراجع والانسحاب منها وهذه الطريقة استخدمت في مدينة كوباني(عين العرب)، فقد تم قصفها بشكل كامل مخلفاً دماراً ومدينة شبه خاوية وهو سيناريو أيضاً يبدو صعباً في ظل وجود أكثر من مليون نسمة في الموصل محتجزين من قبل التنظيم يمنعهم من الخروج وليس لهم منفذ حقيقي، إضافة إلى أن مدينة الموصل تعد ثاني أكبر مدن العراق؛ لذلك فإن هذا الاقتراح بمثابة عملية إبادة لمليون إنسان محتجز تحت خط النار. ويطرح البعض حلا يقوم على إعادة نشر القوات الأمريكية في العراق وقتال تنظيم الدولة، وإبقاء قواعد عسكرية ثابتة في العراق وإنهاء الأمر كما حدث في دول الخليج العربي، ويؤكد كثير من المحللين أن سياسة الرئيس الامريكي أوباما والديمقراطيين بشكل عام ضعيفة باتجاه الحرب والتوسع الخارجي ما جعل موقف الولاياتالمتحدة ضعيفا في الأحداث التي جرت في العالم بشكل عام والعراق والمنطقة بشكل خاص، وأن أي قرار حاسم أو مصيري باتجاه نشر القوات في العراق لن يتم اتخاذه إلا بعد الانتخابات الامريكية، وقدوم رئيس جمهوري يدفع الجيش براً لغرض إنهاء القتال مع تنظيم الدولة، وهذا الخيار يحتاج إلى سنوات وهو الأقرب الى الواقعية والحدوث. ويعد الحل الأخير أمام الباحثين عن طريق لتحرير الموصل من قبضة داعش هو الاعتماد على قوات البيشمركة والجيش العراقي مع الحرس الوطني وبمساندة دولية من طائرات التحالف الدولي وبدعم تسليحي واستخباراتي، وهذا السيناريو يتمناه السياسيون العراقيون فإن تحرير الموصل تعزيز لمكانة العراق وقدرته على تجاوز الأمر، وسيكون هناك خارطة جديدة للعراق تجعل المنتصر يفرض شروطه.