يتساءل البعض عن معنى التدين؟، وهل ينحصر في أداء العبادات وإطلاق اللحية وارتداء الجلباب والنقاب؟، أم أن التدين ليس مجرد شكليات فقط، وإنما يعني ما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام: "الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل". والتساؤل السابق يعبر عن الواقع الذي يتبنى فيه الكثير من المسلمين عدد من المفاهيم الخاطئة للفكر الديني، ومنها عدم وضوح أهمية الارتباط بين الايمان بالله تعالى واليوم الآخر وبين العمل الصالح، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) البقرة62 ، فالعمل الصالح يعني القول والفعل الصالحان معاً، لذلك فكل من آمن بالله وحده واليوم الآخر وعمل صالحاً فإن أجره عند الله تعالى سيكون خيراً. ولكن ما هو العمل الصالح الذى يرتبط بالإيمان بالله واليوم الآخر؟، لقد جاءت التعاليم موضحة له فى الرسالات من النبي نوح عليه السلام إلى النبي محمد عليه الصلاة والسلام، قال تعالى: (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ..) الشورى13 ، فالتعاليم التى بدأت مع النبي نوح عليه السلام هى وصايا (مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا)، وهذه الوصايا جاءت فى القرآن الكريم (وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ)، كما جاءت إلى الأنبياء إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام. ونجد هذه الوصايا بالتفصيل في قوله تعالى: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُم مِّنْ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ . وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ . وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) الأنعام 151-153. هذه التعاليم والوصايا هى التي تمثل القيم الإنسانية من مكارم الأخلاق والتى لا يصلح مجتمع بدونها لأنها موجودة ضمن فطرة الإنسان. كما أن مكارم الأخلاق تجعل الإنسان أكثر تقوى، قال تعالى: (..إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ..) الحجرات 13، فالمتدين هو المؤمن الأفضل أخلاقاً والأكثر تقوى. وقد جعل تعالى العبادات وسائل للوصول إلى التقوى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة 21، وعن الصلاة: (وَأَنْ أَقِيمُواْ الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ..) الأنعام 6، وعن الصوم: (..كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة 183، فالهدف هو التقوى مما يظهر في فعل الخيرات وفي التعامل بمكارم الأخلاق. إن الإسلام يقوم على أساسيات من العقائد والعبادات والتشريعات والقيم الأخلاقية التي تهذب وتضع ضوابط لسلوك الفرد في تعامله مع الناس، ومن خلال ارتباط الأخلاق بالتقوى يظهر العمل الصالح وبدونهما لا يوجد عمل صالح، وبالتالي لا يكون الإنسان متديناً.