في أي دولة تحترم أبناءها لا يصح أن يوجد تمييز في أي مجال أو منحى من مناحي الحياة بينهم، لكن في مصر يبدو أن الأمر مختلف، وأول دلائل هذا الاختلاف يتمثل في مشكلة أزلية لا تلتفت إليها الحكومات المتعاقبة منذ عشرات السنين، وللأسف خلقت فجوة كبيرة بين شريحتين عظيمتين من شرائح المجتمع المصري، وهي التفريق بين نظامي العمل الحكومي والخاص. في معظم شركات القطاع الخاص لا أمان وظيفي، وصاحب العمل يجبر العامل على توقيع استقالة مسبقة قبل استلام مهام وظيفته، والفصل التعسفي مصير أي عامل يطالب بحق من حقوقه، وللأسف يقف القانون إلى جانب صاحب العمل دائما. قبل عدة أيام أبدت وزيرة القوى العاملة استغرابها من عدم إقبال الشباب على وظائف القطاع الخاص، رغم توفر آلاف فرص العمل، وأقول لها يا سيادة الوزيرة إن السبب وراء عزوف الشباب عن وظائف القطاع الخاص هي عدم وجود قانون أو رقابة تحمي العامل في القطاع الخاص، بما يجعله تحت رحمة صاحب العمل طوال الوقت. إحدى الصديقات تعمل في مؤسسة قطاع خاص روت لي أسلوب مديرها المباشر وصاحب المؤسسة في التعامل مع الفتيات، مستغلا في ذلك عدم وجود قانون قوي يحكم المنظومة برمتها، فيتحرش بهذه ويسب تلك، ويفصل من لا تعطيه "برستيجه"، أو تبدي إعجابها به، والمؤسف في القصة أنه يفعل ذلك على مرأى ومسمع من زوجته التي تعمل في المكان نفسه. وفي المؤسسات الصحفية الخاصة هناك آلاف المحررين أمضوا سنوات داخل مؤسساتهم، دون أن يتم تعيينهم، يعين رئيس تحرير المؤسسة من يأتي على هواه، ويفصل من لا يأتي على هواه أيضا، حتى لو أمضى 5 سنوات داخل الصحيفة، ويقر زيادة في الراتب للبعض ويحرم البعض الآخر، والعجب العجاب ألا أحد يسأل عن هؤلاء رغم عشرات الاحتجاجات أمام نقابة الصحفيين، والمجلس الأعلى للصحافة ومقر الحكومة، بل ومقر الرئاسة في بعض الأحيان. يا سيادة الوزيرة.. يا حكومات مصر المتعاقبة.. يا برلمان مصر.. يا سيادة الرئيس.. احموا أبناء القطاع الخاص من أصحاب الأعمال، ساووا بين القطاعين الخاص والحكومي تتحقق العدالة الاجتماعية التي ينشدها الجميع، ضعوا قانونا موحدا يحكم العاملين في كل أنحاء الدولة في كل قطاعاتها الحكومية والخاصة وقطاع الأعمال وغيرها، قانون يضمن رعاية شاملة، وتأمين صحي واجتماعي، وفي الوقت ذاته يضمن حق صاحب العمل ويحفظ حق الدولة. الأمان الوظيفي في القطاع الخاص هو الضامن الوحيد لحل مشكلة عزوف الشباب عن العمل فيه و"الجري" وراء الوظيفة الحكومية التي تضمن أمانا وانتظاما في العلاوات السنوية وغيرها من الميزات التي لا يفتقدها أبناء القطاع الخاص، هذه المساواة ستصب في صالح الدولة، ذلك أنه سيتم تطبيق قواعد صارمة تضمن انضباط الموظف الحكومي في الحضور والانصراف والأداء الوظيفي، وغيرها من القواعد التي تطبق بحذافيرها على القطاع الخاص، وتشهد غيابا في القطاع الحكومي الذي اعتاد معظم أبنائه على "التزويغ" قبل مواعيد انتهاء العمل، ونظام المجاملات في التوقيع في دفاتر الحضور حتى في حالة الغياب عن العمل، وغيرها من أشكال الخلل في الجهاز الحكومي. انعدام الثقة بين العمال وأصحاب الأعمال في القطاع الخاص، وعدم قدرة العامل على الحصول على حقه، سيدفع بالشباب إلى مزيد من البطالة والعزوف عن العمل في القطاع الخاص مهما كان راتبه. «استمارة 6» ورقة تنهي مسيرة العامل في القطاع الخاص وتلقي به وبأبنائه وأسرته إلى الشارع، مهما قضى من وقت في خدمة شركته أو مصنعه أو صحيفته، هذا في حالة إذا طلبت وافقت المؤسسة على التأمين عليه، أما الغالب فإن معظم المؤسسات لا تؤمن على أحد، وتترك العمال بلا أي حقوق أو حتى دليل يثبت عملهم داخلها، لذلك باتت تلك الورقة صك عبودية يلجأ إليه بعض أصحاب الشركات والمصانع الخاصة، حيث يوقع عليها العامل قبل استلامه العمل "استقالة استباقية"، بالمخالفة للقانون، لكنه يجد نفسه مجبرا على هذا حتى يتسلم عمله ويقبض أول راتب له. هذه الورقة تظل قابعة في ملف العامل أو الموظف قنبلة موقوتة تنتظر الانفجار في أي لحظة لتدمر الملف تماما ومعه مستقبل العامل واستقرار أسرته. يجب وضع قانون يجرم استغلال حاجة العامل للعمل للحصول على توقيعه استمارة 6. بعض الشركات والمؤسسات تلجأ إلى هذه الورقة لإنهاء خدمة العمال أو الصحفيين القدامى عندما ترتفع رواتبهم مع الزيادات السنوية، فتلجأ إلى فصله لأي سبب هين، لذلك أرجو الحكومة بإقرار عدالة اجتماعية في مسألة العمل، الذي هو لب حياة المصريين وسبب رضاهم أو ربما سخطهم على الحكومة والنظام ككل. [email protected]