«هل نجحت ترسانة القوانين ومئات البنود التى تنص على حماية حقوق العمال فى حصول العاملين على حقوقهم؟» سؤال يفرض نفسه وسط أحداث مشتعلة بالإضرابات والاعتصامات والاحتجاجات، للحصول على حقوق ذهبت أدراج الرياح، حسب تأكيد العديد من الشباب، الذين حملوا ما سموه «عدم تفعيل قوانين العمل» مسؤولية ما يحدث للشباب من فصل تعسفى، واستبعاد من الخدمة دون سبب، خاصة فى ظل لجوء بعض الشركات إلى طلب استمارة 6 من بعض المتقدمين للوظائف بها.. حتى إنها أصبحت من بين مسوغات الالتحاق بالعمل فى الكثير من الشركات.. ورصد سريع لأعداد العاطلين و«المرفوتين» من أعمالهم تكفى لرصد الأزمة. والغريب أن كثيراً من الشباب لا يعرفون قانون العمل إلا بالمصادفة.. ويقولون إنه يطبق بالمصادفة بحسب كل شركة على حدة، مؤكدين أن هذه الشركات تعمل بها الأغلبية العظمى من حديثى التخرج.. والسؤال الذى نطرحه هنا: «أين قوانين العمل.. وهل تطبقها الشركات فعلا، خاصة أن بعض أصحاب الأعمال يتحايلون على القانون، ولا يعطون إحصاء دقيقا بالأعداد الحقيقية للعاملين لديهم، تهرباً من التأمينات والضرائب وغيرهما.. هدف التحقيق ليس نقد المقصر فقط.. بل تعريف الشباب أيضا بقانون العمل لإدراكنا بجهلهم به.. والمفاجأة: شعورهم بالإحباط لعدم تطبيقه فى أحيان كثيرة، وطالبوا بإنصافهم.. ولو مرة. فى البداية قال محمد سعيد، محاسب بإحدى الشركات الهندسية، إنه أصبح الآن على علم بهذه الحقوق، التى عرفها بالمصادفة، لأن كل مكان التحق بالعمل فيه قبل ذلك كان لا يطبق قوانين العمل إلا بنسبة لا تتجاوز 10%، وتكون غالبا ل«أصحاب الواسطة والحبايب»، أما الباقون فتؤجل حقوقهم لأجل غير مسمى، فلا تأمينات ولا حوافز ولا إجازة سنوية، ولا استقرار ولا حق فى المطالبة بها من الأساس. وأضاف سعيد: «إن الفكرة تكمن فى احتياج الشباب لهذا العمل، حيث أقصى طموحاته الحصول على الراتب فقط ولا يدرك أى شىء آخر إلا إذا صادف وطلب إجازة سنوية مثلا.. ويكون الرد: «ليس لك الحق فيها، فأصحاب الأعمال يستخسرون فلوس الإجازة فى الموظفين». وأشار سعيد إلى أن الشركات المحترمة تطبق قانون العمل «الذى هو حقوق الإنسان فى الأساس»، لكن هناك شركات أخرى «كبيرة اسماً لكنها غير محترمة فعلاً» تبخس حقوق البشر، ومن يطالب بها يقال له «بالسلامة»، ولكن الأصعب هو السلبية من الموظفين أنفسهم، فالكل خائف ويرفع شعار «وأنا مالى.. أنا عايز آكل عيش» هذا الشعار الذى ذهب بنا إلى آخر درجات الجهل والتخلف. ويشير ياسر حمدى، فى إدارة العمليات بإحدى شركات الشحن، إلى أنه يعانى من هذه النقطة فى عدم تطبيق قانون العمل، الذى عرف بعضه مع التنقل من وظيفة لأخرى أكسبته خبرة فى معرفة حقوقه المهدورة دائماً لأسباب كثيرة تأتى على رأسها السلبية من الباحثين عن العمل، التى بدورها تعطى القدرة لأصحاب العمل على عدم تطبيق القانون بكل سهولة، حتى أصبحت حالة سائدة وغير مبررة.. تتغاضى الحكومة عنها. وأكد حمدى أن قانون العمل المصرى رائع جداً من وجهة نظره، ولكن إذا تم تنفيذه! وتساءل : «ما فائدة القانون إذا لم يطبق، مشيراً إلى أنه حتى الآن يعمل فى الشركة دون أوراق، ولم يأخذوا منه الC.V حتى الآن رغم مرور عام ونصف العام على عمله بها»، وتابع: «إن أصحاب الأعمال يبحثون عن الإنسان السلبى، الذى دائماً ما يتنازل عن حقوقه، لأنه يحتاج الوظيفة، وفى نفس الوقت الكفء مهنياً، وبسبب هؤلاء أصبحنا كلنا هذا الإنسان، فإذا سألت عن حقوقك - لمجرد السؤال فقط - فاعلم أنك «مقلوش من الوظيفة»، على حد تعبيره. وقال كريم محسن، عامل بأحد المطاعم بالمهندسين، إنه لا يعرف أى شىء عن قانون العمل هذا، ولكنه يسمع عنه! وبعد أن عرفه منا نحن.. أكد أن الاتفاق الوحيد هو موضوع التثبيت والتأمينات، لكنه فى الوقت نفسه لا يعرف أنه ضمن قانون العمل، وأضاف محسن: أن كلية مثل السياحة والفنادق التى تخرج فيها، هى وغيرها من الكليات عليها أن توضح لطلابها حقوقهم بعد التخرج «حتى لا يستغلنا أصحاب الأعمال، ونعيش فى (السخرة) التى نعانى منها فى كل مكان نعمل به»، وطالب محسن بضرورة تطبيق القانون، الذى قال إنه لا معنى له من الأساس سوى الشعارات، التى يستفزنا بها المسؤولون. وأشار أحمد على محمود، مدير عام الموارد البشرية بإحدى الشركات، إلى أنه لم يصادف هذه المشكلات فى الشركات التى عمل بها، وكلها كانت شركات متعددة الجنسية إذ إن هذه الشركات بطبيعة حالها تحافظ على العمالة، وتدرك تماماً البعد النفسى والإنسانى للعاملين، وتأثيره على أدائهم فى العمل، ولكن قد يحدث هذا مع الشركات الناشئة أو من بعض مسؤولى الموارد البشرية، الذين يرغبون فى الظهور فى صورة «الخائف على مصلحة الشركة» فيقنعون المستثمر - سواء كان أجنبياً أم مصرياً - بأن يتغاضى عن تنفيذ قانون العمل، بهدف خفض تكاليف العمالة، ويصور له أن الأمر طبيعى، ويحدث فى كل مكان وبالتالى، فالمستثمر يكون فى حالة ارتياح ويوافق على ذلك، وأضاف محمود: أن هذا التصرف ليس تصرفاً محترفاً من ادارة التنمية البشرية بل هو تصرف أهوج خاطئ مليون بالمائة، فهو يخلق حالة من القلق وعدم الثقة بين العامل والمؤسسة، بل لا يحافظ على العامل وحقوق المؤسسة أيضاً. وحول الشركات التى تستبعد من المقبولين مَنْ يسأل عن مدى تطبيق قانون العمل فى الشركة رغم قدراتها العالية يقول: «إن هذا الشخص بالنسبة لهذه النوعية من الشركات أو مسؤولى الموارد البشرية يعتبر مصدر قلق لهم ، وسيسبب الكثير من المشكلات ، ويفتح العيون على الحقوق، وهم فى غنى عن كل ذلك، لذلك يستبعدونه ولكن بكل تأكيد هذا الشخص يطالب بحقه. وأضاف محمود: «أن الناس تنظر فى النهاية إلى رجل الموارد البشرية على أنه دائماً ما يكون السبب فى هذه المشكلة، رغم أن هذه القرارات فى النهاية ترجع لصاحب المؤسسة، ومن الطبيعى أن مدير ادارة التنمية البشرية يبحث عن استقرار فريق العمل، ويعى تماماً دوره فى تنفيذ حقوقهم، وفى قدراتهم الإنتاجية على العمل، ولذلك يحاول قدر استطاعته أن يقنع أصحاب الأعمال بهذه الجزئية، وإذا أصروا على موقفهم فهو مضطر إلى تنفيذها وإلا سيفقد عمله»، وتابع : «أتحدث هنا عن بعض الشركات التى يملكها أفراد، فلم أر هذا فى شركات كبرى لها أسماء كبرى». وانتقد محمود دور الرقابة فى هذا الموضوع، وقال: «الكل يعلم أن الأمور تسير على ما يرام فى كل الشركات حسب أصحاب الأعمال، والكل يعلم ما يحدث دون تفسير، والبركة فى ضعاف النفوس، وعلى الشباب أن يصبر ويتحمل المرور بهذه المراحل حتى تأتيه فرصته التى يستحقها بكامل حقوقه فى شركة تحترمه وتحترم تلك الحقوق، وألا ينظر لنفسه على أنه إنسان سلبى». على الجانب الآخر قال الحاج مصطفى حسن، موظف شؤون عاملين بإحدى الهيئات الحكومية: «إن الأمور كلها (تمام) ولا يوجد ما يسمى عدم تطبيق قانون العمل أو عدم تأمين أو شىء من هذا الكلام». وأوضح: «الأمور مستقرة والتثبيت عال ومحدش هيسيب المكان»، وتابع: «للأسف لا يوجد أحد من الجيل الجديد يستطيع أن يتنازل عن حق نفسه، ويعمل ب 300 جنيه فى الشهر»، مشيراً إلى أن القطاع الخاص له مميزاته وإذا كانت الحكومة تطبق قانون العمل «كما أنزل»، فهى لا تعطى امتيازات القطاع الخاص أو حتى أى قطاع. وأضاف: «أن الخطأ فى عدم تطبيق قانون العمل بالقطاع الخاص هو عدم الرقابة الصارمة من الجهات المسؤولة عن ذلك»، وتابع: «أحد أولادى يعمل بمكتب محاماة، وآخر يعمل بمطعم شهير، ولا يوجد ما يسمى قانون العمل».. هل تتخيل مكتب محامٍ لا يطبق القانون؟!