بدأت جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) عمليا فى إسقاط مسودة الدستور اليمنى أو على الأقل إسقاط خيار الأقاليم الستة وشكل الدولة الاتحادى فى المسودة بخطف الدكتور أحمد عبيد بن مبارك، مدير مكتب الرئيس اليمنى وأمين عام الهيئة الوطنية للرقابة على مخرجات الحوار التى ستراجع مسودة الدستور. وعلى الرغم من محاولة الجماعة تخفيف حدة هذه الخطوة، التى وصفتها القوى السياسية بالجريمة، بادعاء أنه تم توقيف مبارك لمنع تمرير مسودة الدستور وقيامهم بعد ذلك بالانسحاب من اجتماع هيئة الرقابة على مخرجات الحوار الذى كانت اللجنة المعنية بإعداد الدستور ستستلم النسخة إلى ابن مبارك باعتباره رئيس الهيئة فى اجتماع يحضره الرئيس عبد ربه منصور هادى، إلا أن الرئيس أصر على عقد الاجتماع وهاجم الحوثيين وإن لم يسمهم صراحة قائلا: "إنه يجب على الذين يعملون على التعطيل أن يعوا أننا فى الطريق الصحيح ولا يمكن إعاقة هذا العمل الجبار وربما يأتى ذلك بتوجيهات خارجية لإفشال مخرجات الحوار"، وطالبهم بوضع مصلحة اليمن فوق كل اعتبار والتوجيهات الخارجية. ويبدو أن الحوثيين رأوا أن الهيئة بتشكيلتها الحالية ماضية فى إقرار مسودة الدستور على الرغم من معارضتهم هم وحزب المؤتمر حليفهم فى رفض الدستور، ففضلت القيام بهذه الخطوة، إذ ترى فى عوض بن مبارك أنه هو الذى يريد تمرير هذه الصيغة بشكلها الحالى الذى ترفضه كما أن بينهما عداوات قديمة بعد رفضهم ترشيح الرئيس له لرئاسة الورزاء وإجبارهم له على عدم الموافقة على الترشيح لرفع الحرج عن الرئيس، مهددين الرئيس باتخاذ إجراءات أخرى أشد قوة فى حالة الإصرار على تمرير المسودة. وقد أصدرت الجماعة بيانا أوضحت فيه سبب انسحابها من اجتماع الهيئة الوطنية للإشراف والمتابعة والرقابة على تنفيذ مخرجات الحوار الوطنى بالتجاوزات الخطيرة التى جاءت فى مسودة الدستور التى يسعى البعض إلى تمريرها بصيغتها الحالية فى عملية انقلاب واضحة على اتفاق السلم والشراكة الوطنية الذي أكد على تصحيح الاختلالات في تشكيل وإنشاء الهيئة الوطنية بما يعيد لها الدور الحقيقي المنوط بها وفق مخرجات مؤتمر الحوار الوطني وبما يمكنها من القيام بمهامها بصورة سليمة. وطالب البيان بالسرعة في تصحيح الاختلالات في الهيئة الوطنية الوطنية بتصحيح نسب التمثيل للمكونات في الهيئة وتطبيق شروط العضوية التى نصت عليها الاتفاقية وتصحيح اختصاصات الهيئة وآلية عملها وطريقة اتخاذ القرار، إذ يسعى البعض لفرض أجنداته وفرض آلية تصويت مختلة، كما أن عملية تسليم مسودة الدستور غير سليمة لعدم جاهزيتها ويجب تصحيحها، بالإضافة إلى مراجعة عضوية الهيئة خلال 15 يوما لضمان تمثيل عادل لكل المكونات. وأكد البيان أن الأقاليم الستة في المسودة مخالفة لاتفاق السلم والشراكة الذى نص على أن تعمل الهيئة الوطنية على معالجة قضية شكل الدولة بطريقة تلتزم بمخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل. أما حزب المؤتمر، حليف الحوثيين على الأقل في رفض مسودة الدستور الذى يرى فيه محاولة من الرئيس والموالين له التمديد له لفترة قد تمتد إلى أربع سنوات مقبلة وهذه ما يرفضونه ويطالبون بإجراء انتخابات رئاسية جديدة، خاصة بعد انتهاء الفترة الانتقالية والتمديد للرئيس لسنة لم يحدث فيها أى تقدم بل إن الأمور تسوء بدرجة كبيرة، فقد انسحبوا من الاجتماع وأصدروا بيانا يبررون فيه هذه الخطوة لا يختلف كثيرا عن بيان الحوثيين. وقال البيان إن الهيئة لم تقر ولم تكمل لائحتها الداخلية التى تنظم عملها والمؤتمر والأحزاب المتحالفة معه قدموا طلبات إلى هيئة الرئاسة لم يلتفت إليها تتعلق بنسب التمثيل التى كانت عليه في مؤتمر الحوار الوطنى، بالإضافة إلى أن الاجتماع لم يكن احتفالا بتسلم الهيئة مسودة الدستور وإنما محاولة لتمريرها. وبالرغم من توافق موقفى الحليفين إزاء مسودة الدستور، إلا أن حزب المؤتمر لم يجد مفرا من إدانة عملية اختطاف مدير مكتب الرئيس، ووصفها بالسابقة الخطيرة واستنكرها بشدة في بيان رسمى، مؤكدا أنها تهدد الاستقرار والوحدة الوطنية وتقوض الجهود السياسية وتخلط الأوراق وتدفع بالبلاد إلى مزيد من التأزم. وقد فوجئ الرئيس هادى بهذه الخطوة من جانب الحوثيين وأصر على عقد اجتماع الهيئة ساعده في ذلك البيان القوى الذى أصدرته السفارة الأمريكية في صنعاء والذى نددت فيه بعملية الاختطاف وطالبت بسرعة الإفراج عن ابن مبارك دون أن تسمى الحوثيين صراحة، وتسلم نسخة مسودة الدستور الدكتور عبد الكريم الاريانى، مستشار الرئيس والأمين المساعد للهيئة، ولكن هل ستنصاع جماعة أنصار الله للبيان الأمريكى وهى التى لم تهتم بقرار مجلس الأمن الدولى بتوقيع عقوبات دولية على اثنين من قادتها لعرقلة العملية السلمية ولم تعلق عليه إلا في مناسبة واحدة وتعاملت معه كأنه لم يصدر. ومن المؤكد أن جماعة أنصار الله تعى جيدا أن الأمور ستتم كما خططت لها، خاصة أن هناك سابقة مماثلة حدثت منذ أقل من شهر حينما اختطفت اللواء يحيى المرانى، وكيل جهاز الأمن العام لشئون الأمن الداخلى، لمدة 19 يوما ولم تفرج عنه الا بعد أن رضخ الرئيس لطلباتها بتعيين موال لها فى منصبه الحساس ولكن هل تمر هذه العملية مثل سابقتها أم أن رد فعل الرئيس سيكون قويا، خاصة في ظل اصطفاف القوى السياسية الموالية له والجنوب الذى يرى في قيام الحوثيين باختطاف سياسى مرموق من الجنوب إهانة شديدة لهم. وقد أسهبت الصحف اليمنية الخاصة في وصف وتحليل عملية اختطاف عوض بن مبارك، ووصفت صحيفة "اليمن اليوم" التابعة لحزب المؤتمر الذى يتزعمه الرئيس اليمنى السابق على عبد الله صالح هذه الخطوة بأنها خطوات متقدمة نحو الحسم. وقالت صحيفة "المصدر" القريبة من الإصلاحيين "الإخوان المسلمين" إن "ابن مبارك أكثر المقربين من الرئيس والذى كان قد سماه رئيسا للحكومة، إلا أن رفض الحوثيين أجبره على الاعتذار". وأضافت الصحيفة، في تقرير تحت عنوان "خطف عضد الرئيس"، أن "خطف مدير مكتب الرئيس رسالة واضحة له بعدم المناورة في أى من قراراتهم التى يريدون توجيهها بما يتلاءم مع مصالحهم وخططهم المستقبلية في أقوى تهديد من الجماعة المسلحة لهادي". وتقول صحيفة "الأولى" المستقلة في تقريرها تحت عنوان "اختطاف من أجل الدستور" إن "الحوثيين اختطفوا مدير مكتب الرئيس ويقولون إنه توقيف لمنع تمرير مسودة الدستور، وقد فشل اجتماع الهيئة الوطنية بانسحاب الحوثيين وحزب المؤتمر". أما صحيفة "الشارع" المستقلة التى تهاجم الرئيس بصفة مستمرة، فقد قالت في تقرير لها تحت عنوان "مدير مكتب الرئيس رهينة"، إن "مسلحى الحوثى اختطفوا الدكتور ابن مبارك من وسط العاصمة ضمن عملية تصعيد ضد الرئيس". وأضافت نقلا عن مصدر سياسى أن "القيادى بأنصار الله على البخيتى سيتوجه اليوم إلى صعدة لمقابلة زعيم أنصار الله عبد الملك الحوثى لإبلاغه رسالة من الرئيس هادى مفادها أنه لا داعى لعمليات القرصنة ويطالبه بإطلاق سراح الدكتور عوض بن مبارك". وأكدت الصحيفة أن "الحوثيين يحشدون الآلاف من مقاتليهم حول العاصمة صنعاء مزودين بآليات عسكرية حديثة".