تعلو أصوات الدبابات التي تسير أمام بيوت تغطيها ثقوب الرصاص في مدينة بنغازي في شرق ليبيا فيخرج سكان لتحية جنود يحتفلون بنصر نادر على الإسلاميين المتشددين. ويهتف جندي "الله أكبر" بينما تلاحق الدبابات مقاتلين إسلاميين يفرون من هجوم الجيش على المدينة التي غرقت في فوضى أخذت البلاد إلى شفا حرب أهلية بعد ثلاث سنوات منذ سقوط معمر القذافي. وفي ليبيا حقق الجيش الوليد الذي تشكل رويدا رويدا بعد أن تبعثرت قوات القذافي في الحرب التي قادها حلف شمال الأطلسي عام 2011 نجاحا عندما استعاد عدة أحياء في المدينة من الإسلاميين لكن يبدو أنه نجاح مؤقت لا أكثر. سيكون من شأن تقدم الجيش في بنغازي إثارة ارتياح رئيس الوزراء المعترف به دوليا عبد الله الثني الذي اضطر للفرار شرقا بعد أن سيطرت جماعة مسلحة تربطها صلات بالإسلاميين على العاصمة طرابلس ثم شكلت حكومة منافسة. المخاطر جمة بالنسبة للثني. إذا تعرض الجيش للهزيمة في بنغازي فسيتمكن المقاتلون الإسلاميون المنتمون لمجلس شورى ثوار بنغازي من الهجوم على قواعد الجيش في البيضاء التي اتخذ منها الثني وحكومته مقرا لهم وطبرق التي انتقل إليها البرلمان المنتخب. وتوضح المعركة الفوضوية من أجل بنغازي كيف أن ليبيا لا تزال عاجزة عن إقامة جيش يعتمد عليه رغم أن دولا غربية وأخرى عربية تقدم تدريبا للمئات من جنوده. ومنذ استيلاء المسلحين على طرابلس في الصيف وإجبار البرلمان المنتخب على الفرار إلى الشرق هناك في البلاد حكومتان وبرلمانان ورئيسان لأركان الجيش يقول كل منهما إنه يقود تشكيلاته المبعثرة. ولا توجد وزارة دفاع بالمفهوم الوطني. هذا يجعل التدريب الأجنبي للقوات غير مجد إذ لا يوجد جيش وطني موحد ينضم إليه المتدربون عند انتهاء تدريبهم. وبعضهم ينتهي بهم المطاف في صفوف جماعات مسلحة ويكون ولاؤهم فقط للقادة المحليين الذين أوفدوهم لبرامج التدريب في المقام الأول. وهذا الأسبوع أوقفت بريطانيا فجأة برنامجا تدريبيا لجنود ليبيين بعد أن ارتكب عدد منهم سلسة جرائم جنسية. وظهرت على آخرين منهم مشاكل من ناحية الانضباط. وإذ يفلت الزمام في ليبيا فإن أكثر ما يمكن أن تأمل فيه الدول الغربية هو أن يكون بمقدور الجيش تقوية نفسه من خلال تشكيل تحالفات مع مجموعات المقاتلين غير النظامية. ويفسر هذا لماذا اصطفت القوات الخاصة بالجيش في بنغازي مع القوات الموالية للواء خليفة حفتر الذي خدم بالجيش في عهد القذافي والذي يقود الآن قواته العسكرية الخاصة. تشكل التحالف الذي لم يكن مرجحا بعد أن انتظر الجيش النظامي أكثر من عام مساعدة من طرابلس في قتال المتشددين الذين تزداد قوتهم في المنطقة. وفي الأسبوع الماضي أرسل حفتر دبابات وقطع مدفعية من قاعدته الرئيسية في المرج شرقي بنغازي للمشاركة في القتال.