خارج البهو، حيث يجتمع مجلس شيوخ القبيلة، وفى الحديقة الأمامية للقلعة، كان يقف أحد الكبار الذين ينتوون الترشح لرئاسة القبيلة. اجتمع حوله ناس كثيرون وأخذوا يستمعون إليه وهو يحذرهم من «جوزة الطيب». قال الشيخ «إن جوزة الطيب يا إخوانى من المسكرااااات. المسكرات والعياذ بالله. وعلينا الانتباه لأن تجار التوابل يبيعون خلطات التوابل وهى تحتوى على هذه المادة المسكرة». ثم انتقل إلى الفقرة التالية وطالب بضرورة إلغاء القانون الذى يحدد سن زواج الفتيات ب18 عاما. قال إن هذا القانون فيه «حظر للمباح». وكما هو معروف للجميع فإن من حق الأنثى أن تتزوح عند البلوغ. فهل من المعقول أن نوقف حالها لست سنوات كاملة، نحرم ما شرعه الله؟! أستغفر الله العظيم. وفى تلك الأثناء، كان الشيوخ مجتمعين فى إحدى لجان مجلس القبيلة. وبعد نقاش محتدم صوتوا بالأغلبية على اقتراح أحد «الإخوان المهمين» إلغاء نص قانونى قديم يمنع توثيق عقود زواج الأجانب بمواطنات القبيلة فى حالة أن عمر الزوج يزيد على عمر الزوجة بخمسة وعشرين عاماً. وقد استبسل أحد رجال القانون فى الدفاع عن هذا النص الذى يهدف إلى الدفاع عن النساء الفقيرات اللاتى يتم بيعهن فى سوق نخاسة القبائل الثرية المجاورة. لكن بالرغم من الكر والفر فقد فشل فى مهمته فشلا ذريعا. وفرح الشيوخ جدا، بما لا يخالف شرع الله. فى اليوم التالى وفى المجلس نفسه انتفض «أبرهة ابن المفترية» ونفش ريشه وهو يصيح صيحة الحرب: «إلى الجهااااااد. فلنتوكل على الله أيها الإخوة المؤمنون ولنجاهد ضد قوانين الكفرة. لابد من إلغاء مادة الخلع من قانون القبيلة». سرت فى الجمع الكبير الملتف حول أبرهة همهمات غير مفهومة، لكنه استكمل بنبرة صوت جهورية لا تخشى فى الحق لومة لائم، وقال: «إن هذا القانون الزنيم يطلق يد المرأة فى مسألة الطلاق ويجعلها بإرادة منفردة، أى والله بإرادة منفردة، تهدم خيمة الزوجية على رؤوس من فيها. وطبعا لست بحاجة أيها الأفاضل إلى أن أشرح لكم أن النساء ناقصااااات. ناقصات عقل ودين. يأتى رجل ثرى (أى متريش) ويزغلل عين الواحدة منهن بالمال والنعيم، تقوم الولية من دول هاجرة بيتها وعيالها. أو أنها تريد خلع الرجل والعياذ بالله كى تسافر. كده مع نفسها، بلاد الله لخلق الله. أىُّ مسخرة هذه؟! وأنا من هذا المنبر أدعوكم لمساندتى فى هذا المطلب»!. كانت ملامح التقوى تكسو وجهه وهو يحاول إقناع الحضور بوجاهة مقصده وأنه راجل يعرف ربنا، حتى إن كلامه يشبه كلام «الإخوان المهمين» رغم أنه شيخ مستقل. كان أداء «أبرهة» مثيرا للإعجاب حقا. ولأن صوت الأكابر كان عاليا جدا لم يتمكنوا من سماع أصوات الجموع المحتشدة خارج القلعة. تقدمت مجموعات هائلة من النساء نحو الأسوار: من تلبس الجلابية ومن ترتدى البنطال، الطبيبة وست البيت والمهندسة، وكان معهن رجال وشباب. تقدمت الجموع نحو القلعة وبدأت الصفوف الأمامية فى تكسير السور الحجرى بالمعاول. مع سقوط كل حجر من الجدار السميك كان العزم يشتد والغناء يعلو. كان الأكابر منهمكين فى النقاش حول النساء ومساعدة العجائز على الزواج من بنات فى الثالثة عشرة، فلم يسمعوا صوت الثورة الزاحف نحو القلعة. نقلاعن المصرى اليوم