عرض التليفزيون المصري وتحديدا قناته الأولي صباح أمس فيلما تسجيليا عن الاحتفال بذكري استرداد منطقة طابا الحدودية, ويالها من وصمة عار تلك التي ارتكبها المسئولون عن هذا التقرير المفعم بالمغالطات التاريخية والسياسية والمهنية, فبرغم الحديث المطول للفيلم عن عبقرية الدبلوماسية المصرية وصلابة المفاوض المصري في الدفاع عن حق مصر التاريخي في طابا, وتقديم كل الوثائق والمستندات والأدلة التي تؤكد مصرية هذا القطاع إلا أن المشاهدين فوجئوا بعلم يرتفع إلي عنان السماء ويرفرف بقوة في الهواء الطلق دون عرض اسم أو شخصية أو صورة الرجل الذي يقوم برفعه في يوم استرداد طابا, وقدم الفيلم أيضا طابورا منضبطا من حرس الشرف في كامل هيئته العسكرية المشرفة دون تقديم الشخص الذي يستعرض هذا الحرس, وتلك جريمة مهنية وتاريخية كاملة المعالم, فالأجيال الحالية والتي تقدر بالملايين مازالت تدرك وتعي جيدا أن من قام برفع العلم واستعراض حرس الشرف في تلك اللحظات التاريخية هو الرئيس السابق أو المخلوع حسني مبارك, وأن ذلك مسجل بالصوت والصورة في كل وسائل الإعلام المرئية بلا استثناء,فلماذا التزييف أو التحريف في وثيقة تاريخية مسجلة؟ لسنا هنا بصدد الدفاع عن حسني مبارك, ففي هذه السطور ومنذ عام 2008 علي وجه التحديد وقبل ثورة الخامس والعشرين من يناير وبعدها كتبت عشرات المقالات التي تهاجم الرجل وتنتقد سياساته بقسوة عند الضرورة, ومن ثم لا شبهة في الانتماء لأجنحة الفلول ولا محاولة لإعادة عقارب الساعة إلي الوراء,ولكن الأمانة المهنية تقتضي القول أننا نكرر الخطأ التاريخي نفسه عشرات المرات من دون أن نتعلم أن الإعلام والنظام السياسي عموما قد ينجح في إخفاء الحقائق أو طمسها أو تزييفها لفترة من الوقت ولكنه لن يستطيع ذلك إلي أبد الدهر,وليس خافيا أن ثورة يوليو قد فعلت الشئ نفسه مع الملك الراحل فاروق الأول فقامت بشطب صوره حتي من الأفلام السينمائية التي أنتجت في تلك الفترة ثم ظهرت النسخ الأصلية التي كشفت عن جريمة التزوير,وحدث ذلك أيضا مع اللواء محمد نجيب, ثم جاءت فترة حكم السادات فطمست أو حاولت محو كل ماله علاقة بالحقبة الناصرية, بل واختزلت ثورة يوليو بكل قيمتها وانجازاتها فقط في البيان الذي ألقاه أنور السادات صبيحة يوم الثورة, ثم جاء مبارك وفتحت أبواب جهنم علي الفترة الساداتية وتحولت حرب أكتوبر بكل عظمتها فقط إلي الضربة الجوية الأولي وتم الإفراج عن تراث عبد الناصر, وهكذا تدور الدوائر مع التأكيد علي أن الإعلام كان شريكا أصيلا في كل تلك الجرائم وآخرها ما حدث في ذكري تحرير طابا,وربما كان مبارك يستحق الكثير من اللعنات, ولكن العابثين بحقائق التاريخ يستحقون عقوبات أشد من اللعنات. الأهرام