الإرهاب الحقيقي هو ترويع الناس في معيشتهم وممتلكاتهم وأرواحهم بدون ذنب ارتكبوه، وهذا ما دأبت على فعله الولاياتالمتحدة وإسرائيل ضد العرب والمسلمين كما فعل الكثير من حكومات الدول المستبدة، والكثير من التنظيمات المتعصبة دينيا في العالم الإسلامي وغيره، وإذا كان ثمة عامل واحد مشترك يجمع بين هؤلاء فهو بالتأكيد ليس الفقر، ولهذا فإن الربط بين الفقر والإرهاب ربط غير صحيح ومن الأفضل لنا في العالم العربي أن نحمي فقراءنا من أن تلتصق بهم تهم جديدة تطاردهم في هذا العالم القاسي! ظاهرة الإرهاب ظاهرة خطيرة ما في ذلك شك، وهى اليوم تتمدد وتهدد استمرار الحياة الطبيعة على هذا الكون وتنسف فرص الاستقرار والتطور لتحقيق الحياة الهنيئة الوادعة والتعايش الأمثل بين بني البشر، وهى ظاهرة لا تُعرف بالتحديد جذورها الأولى لكن من المؤكد – حسب كثير من الدراسات – أنها تنتشر في مناطق النزاع المسلح هذا ما أثبته المحللون قديما منذ أيام الثورة الفرنسية، لكن التطور الجديد في هذه الظاهرة أنها انتشرت كذلك حتى في مناطق النزاع السياسي غير المسلح وحتى في مناطق التنافس الانتخابي السلمي، خصوصا في منطقة الشرق الأوسط والشرق الأقصى بؤر التوتر الملتهبين دائما، ولم يكد العالم يكتشف مشكلته مع تحديد مفهوم للإرهاب، حتى أفاق على مشكلة مصطلح جديد أنكى وأمر من الأول وهو تعريف "تهمة الإرهاب" التي أصبحت تستخدم لتصفية الحسابات السياسية وتحقيق بعض المآرب والمكاسب السياسية لأفراد أو جماعات ضيقة، مما زاد مفهوم الإرهاب ضبابية على غموضه، وأفرغ محتواه من مضمونه. إن ثلاثة أرباع العينة الإرهابية المتهمون في جرائم إرهابية بالخارج، خاصة حول أحداث سبتمبر 2001 بأمريكا، أسفرت عن أن هؤلاء ينحدرون من الطبقات المتوسطة فما فوقها، و90% منهم نشأوا في رعاية أسر متماسكة و63% التحقوا بكليات جامعية، فإذا وضعنا في الاعتبار أن نسبة من يلتحقون بالجامعة في بلدان العالم الثالث التي منها هؤلاء الإرهابيون اتضح أنهم يعتبرون من خيرة أبناء تلك المجتمعات ممن بعثت بهم أسرهم لاستكمال دراستهم بالخارج، ومن ثم فإنهم يتقنون الحديث بعدة لغات. كذلك فإنهم يختلفون عن أطفال الحجارة الفلسطينيين الذين لم تكن تتجاوز أعمارهم الرابعة عشرة، حيث التحقت غالبيتهم بمنطقة القاعدة وهم في السادسة والعشرين، أي في قمة نضجهم النفسي والعقلي، وأنهم أميل للاستقرار الأسري، حيث إن 73% منهم متزوجون وغالبية هؤلاء لهم أطفال وغير متزوجين منهم لم يبلغوا بعد السن المعتاد للزواج. وعلى مستوى التعليم والعمل، فإن ثلاثة أرباع العينة مهنيون يعملون في مجالات الهندسة الميكانيكية والمدنية والمعمارية، أي أن أغالبيتهم وقلة منهم من المتخصصين في الإنسانيات وقلة نادرة من هؤلاء من المتخصصين في الدراسات الدينية، حيث إن 13% فحسب تلقوا تعليمهم الأولى في مدارس دينية، بينما تحتل العلوم الطبيعية في التخصصات حتى بين القادة بن لادن مهندس مدني، وأيمن الظواهري طبيب، ومحمد عطا مهندس معماري، وقلة من دارسي العلوم العسكرية مثل محمد إبراهيم مكاوي. المشكلة الرئيسية في هذا الخلط هى أن العالم غير متفق على مفهوم الإرهاب، والأمريكيون يفضلون أن يجعلوه ملتصقا بالعرب والمسلمين وكل من يعادي إسرائيل، بينما يفضل الأوروبيون ربط الإرهاب بالفقر وتهميش المجتمعات والذي يؤدي بدوره إلى الهجرة والتي تعتبر إحدى المشاكل الرئيسية في أوروبا. ولكن إذا اعتبرنا أن الإرهاب بالمفهوم المطلق هو التسبب بالأذى للمدنيين الأبرياء من أجل تحقيق أهداف سياسية أو غيرها، فإنه من الواجب القول بأن أكبر الإرهابيين في التاريخ هم من الأغنياء لا من الفقراء، فالاستعمار الأوروبي تسبب بإرهاب الملايين من سكان الدول الفقيرة، بينما تسببت عقلية الكاوبوي الأمريكية والقوة المتغطرسة لجيشها في مقتل مئات الآلاف من المدنيين في اليابان والعراق وفيتنام وغيرها، كما أن إسرائيل أوضح شاهد على إرهاب الأغنياء ولا ننسى كذلك الإرهاب الذي تمارسه الحكومات القمعية في العالم ضد شعوبها وهى مدججة بكل القدرات الاقتصادية التي تحرم منها هذه الشعوب. إن ما كان يظنه غالبية الناس من أن الإرهابيين ينحدرون من أسر مفككة وبيئات فقيرة يسودها الجهل يعجزون عن تحمل المسئوليات المهنية والأسرية ذوي شخصيات ضعيفة مريضة يسهل التأثير عليها لم يعد صحيحا على الإطلاق، وومن وجهة النظر العلمية فإن الإضعاف المتعمد لدور المؤسسة الدينية الأم المتمثلة في الأزهر الشريف منذ قيام ثورة يوليو 1953 أحد أسباب نمو العنف السياسي الديني في مصر، وهذا الإضعاف أخذ عدة مناح، منها التدخل في اختيار شيخ الأزهر وتسييس المنصب وساعد عليه الاختلاف والصراع داخل الأزهر، فقد تمت معالجة هذا الأمر في الدستور الجديد 18 يناير 2014 وأصبح شيخ الأزهر يختار من بين هيئة كبار العلماء استقلال دون أي تدخل من السلطة السياسية أو التنفيذية، والتفنن في إنشاء مؤسسات موازية متضاربة مما خلق تعددا في المرجعيات فأصبح هناك بجوار الأزهر الشريف دار الإفتاء وزارة الأوقاف ومجمع البحوث الإسلامية والمجلس العالي للشئون الإسلامية. لقد سادت صورة الأزهر باعتباره الذراع الدينية للدولة، وكان طبيعيا والأمر كذلك أن ترتفع نغمة التلقين والحفظ وأن تضعف نغمة تأكيد تعدد الاجتهادات، وبالتالي أن يسود بين طلاب الأزهر ما يميل إليه طلابنا عموما من تمرد على السلطة وأن يتخذ ذلك التمرد بحكم التخصص وبحكم حركة النشطاء الإسلاميين طابعا دينيا عنيفا، لذلك تغير التعليم الأزهري ولم يعد حصن الوسطية كما كان قديما، وهذا يبرر ظاهرة العنف المقدس والعنف المبرر لدى طلاب الأزهر في أحداث ما بعد 14 أغسطس 2013 والتي تسمى "ما بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة". إن الأقوال المعلنة بشأن هذه الجماعة ينبغي أن تكون طيبة في كل الأحوال، أما المشاعر الحقيقية والأفعال فإن أمرها يختلف بل قد يحدث أحيانا أن نلتقي في موقف اجتماعي معين ببعض أفراد تلك الجماعة الأخرى. إن الإرهاب إنما يعد نوعا من أنواع الحرب النفسية باعتباره يقوم على خلق حالة من الخوف واستغلالها في تحقيق أهداف سياسية، ومن ثم فإن تأثير العمليات الإرهابية لا ينبغي أن يقاس بعدد الضحايا من قتلى وجرحى وغير ذلك من مقاييس الحرب التقليدية مثل عدد قتلى العدو في المعركة أو حجم القدرات العسكرية المدمرة أو المساحة الجغرافية التي يتم الاستيلاء عليها، وإنما يقدرونه بجذب الانتباه إلى الإرهابيين وقضيتهم وبالأثر النفسي له متمثلا فيما يغرسه من خوف في قلوب الأحياء والتأثير على سلوكهم، مما يدفعهم للانصياع لما يديره الإرهابيون، ولذلك فإن أصحاب السلوك العدواني لا يعترفون بما فعلوا إلا مضطرين، ويستثنى من تلك القاعدة على سبيل الحصر جرائم الثأر والشرف والحرب وكذلك الأفعال الإرهابية، بل إن إطراف الإرهاب يتسارعون للإعلان عن مسئوليتهم عن أفعالهم حتى قد نشهد فردين أو جهتين أو تنظيمين يتنافسان منافسة شديدة في نسبة عمل من أعمال الإرهاب إلى أحدهمان والمشكلة ليست النقص في المال، المشكلة هى في فائض المال الذي يستخدم لغسل الدماغ وللتحريض. ودرءا للشك، فإن معظم المسلمين ليسوا إرهابيين.. هم ضحايا، ولكن لا حاجة إلى أغلبية، ثمة حاجة إلى أقلية عنيفة تدب الرعب. لا علاقة للإرهاب بالفقر، هذا ما يمكن لمسلمين شجعان أن يروه، غير أن كثيرين من المتنورين يصعب عليهم أن يروه، والسلامة السياسية تشوش لهم العقل السليم، وما هو محزن أكثر أنه تحت تصرف كيري يوجد عدد لا يحصى من الباحثين والخبراء كان يفترض بهم أن يعرضوا عليه معطيات حقيقية.. الحقائق وليس الأوهام.. ثمة تخوف، تخوف فقط، من أن تفشل السلامة السياسية إياها مصادر المعلومات لدى كيري حتى بالنسبة إلى النزاع الإسرائيلي الفلسطيني.. هذه أنباء سيئة عن أداء الإدارة الأمريكية، وأنباء سيئة أكثر عن فرص السلام.