اعتبر الكولونيل جويل رايبيرن الباحث الأمريكي بجامعة الدفاع الوطني أن "الانهيار السريع الذي يشهده العراق، لا سيما اقاليمه الشمالية والغربية قد يكون من أهم معالم الإرث الذي تركه الرئيس الوزراء العراق السابق نوري المالكي". وقال رايبيرن والذي عمل كمستشار للجنرال ديفيد بتريوس قائد القوات الامريكية في العراق في مقال بثته صحيفة (واشنطن بوست) الأمريكية في موقعها الالكتروني اليوم السبت إن بغداد أضحت لا تسيطر اليوم على أقاليم كردستان والفلوجة والموصل وربما لن تتمكن من إحكام سيطرتها عليهم مرة اخرى في المستقبل وذلك بعد أن ظلت بغداد عاصمة لدولة موحدة ومركزية منذ نحو تسعة عقود. واعتبر رايبيرن أنه بالرغم من موافقة المالكي على التنحي من منصبه كرئيس لوزراء العراق، إلا أن حجم الدمار الذي جلبه لبلاده سوف يحدد مصيرها لعقود قادمة، مضيفا أن المالكي ترك لخلفه حيدر العبادي دولة عراقية أعادت إلى الأذهان الحكم السلطوي الذي أسس أركانه الرئيس السابق صدام حسين، غير أن الاختلاف يكمن في أن عراق اليوم لا يفرض سيطرته سوى على أكثر من نصف الأراضي التي يحكمها إبان حكم صدام. وأوضح أنه بينما عكف المالكي وحلفاؤه على تعزيز سيطرة حكومتهم وإبعاد منافسيهم عن مراكز القوة، لجأت بعض دوائر المنافسين، لا سيما العرب السنة منهم والأكراد، إما إلى المعارضة السياسية أو التمرد المسلح. وأردف يقول "في الوقت الذي أحكم فيه المالكي نفوذه وسيطرته على بغداد، أضحت مساحات كبيرة من العراق بعيده عن قبضة يده، فكلما ظن أنه أحكم قبضته على البلاد، كلما انسابت الأمور من بين أصابعه". وأكد رايبيرن أن "الأزمة الراهنة في العراق تبدو أبعد بكثير عن مجرد طرح تساؤل حول هوية رئيس الوزراء القادم، فالعراقيون يعيشون حاليا حربا أهلية يقود الاستنتاج المنطقى لعواقبها إلى إنقسام البلاد، فما نراه في العراق الأن هو بداية لمرحلة ربما تكون دموية وتدميرية مثلما كان الحال في جمهورية يوغوسلافيا إبان انقسامها" على حد تعبيره. وذكر رايبيرن أن المرء قد يميل الى استنتاج أن تغيير النظام العراقي عام 2003 على يد الولاياتالمتحدة أدى بشكل حتمي إلى تأجيج أعمال العنف والسياسات الطائفية من خلال اعادة فتح التمزقات التي كانت قائمة في المجتمع العراقي، لكن الطائفية العميقة التي سادت خلال العقد الماضي لم يحسب حسابها ويتم تسويتها بوصفها ستعقب سقوط صدام، بجانب أنها لم تكن طبيعية تماما في المجتمع العراقي، بل اعتبر رايبيرن ان هذه الطائفية العميقة ظلت هدفا محسوبا لأطراف قوية وصلت إلى السلطة عقب ابريل 2003، حاملة أجندات طائفية استغرق تحضيرها عقود كاملة. واستطرد قائلا ان هذه الأطراف، ومن بينها المالكي وحزب الدعوة وكذلك أغلب الاحزاب العرقية والدينية، كان لديها مصالح مستقلة ولكنها متكاملة في استقطاب البلاد، مما حول العراق من دولة مختلطة ومتعددة الطوائف إلى دولة تعاني توترات طائفية وسياسية وكانت النتيجة حرب أهلية مدمرة وعراق ممزق حسب الطائفية والاعراق أكثر من أي وقت مضي. وسرد رايبيرن المفارقة بين نجاح مقاتلي تنظيم الدولة الاسلامية في الاستيلاء بشكل كاسح على الأحياء السنية بالعراق، وبين غياب الدولة وترك الميليشيات الشيعية تتحرك بحرية في عدة مناطق أخرى خلال سنوات او من خلال التواطؤ معها. وقال "إلى جانب الاعمال الوحشية التي تقوم بها تنظيم الدولة الاسلامية في اقصى الشمال، بدت الميليشيات الشيعية، التي تدربت على يد إيران لمحاربة القوات الأمريكية حتى عام 2011، متأهبة لعزل بغداد والجنوب الشيعي عن تهديد تنظيم الدولة الاسلامية". وقال ان هذه الميليشيات ربما تطرد السنة في نهاية الامر من المنطقة المحيطة ببغداد باسم مكافحة الارهاب بمساعدة النظام الايراني وحزب الله اللبناني وبمباركة سياسية من الاحزاب السياسية الاسلامية الشيعية التي اختارت العبادي يوم الاثنين الماضي رئاسة الوزراء. وأشار إلى أن بعض الاطراف الخارجية والفصائل السياسية تدعو منذ سنوات إلى تجزئة العراق وفقا للمصالح والخلافات السياسية، قائلا إن أفضل مثال على ذلك كان خلال عام 2006، عندما دعا السيناتور جو بايدن وليسلي جيلب بمجلس العلاقات الخارجية الامريكي إلى تقسيم العراق إلى ثلاث مناطق مستقلة، وفقا للتوزيع الطائفي للسكان، مع حكومة مركزية من شأنها أن تحكم شئون الحدود والشؤون الخارجية والدفاعية وتوزيع دخل قطاع النفط، وذلك للحيلولة دون تفاقم الحرب الطائفية. ولفت إلى أن بايدن وجيلب قدما هذه الخطة لمنع البلاد التفكك والحيلولة دون التصعيد الطائفي بما يعيد الى الاذهان نموذج البوسنة. وقال رايبيرن إن احتمالات تحقيق الاستقرار السياسي في العراق بدت خافتة للغاية، فيما يواجه العراق أسئلة مصيرية حول مدى مساهمة رحيل المالكي في حل الأزمة، فيما يكمن الحل الوحيد أمام القادة الذين يرغبون في الحفاظ على بلدهم في إعادة دمج المجتمع السني وإعادة الأقاليم إلى سيطرة الدولة العراقية.