أسدلت الجلسه ال46 لانتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية، أمس الاثنين، الستار على مشهد الفراغ الرئاسي المستمر منذ عامين ونصف العام، وعلى الرغم من محاولة أصحاب "الأوراق البيضاء" من أعضاء مجلس النواب اللبناني، عرقلة عملية الانتخاب، فإنها في النهاية استسلمت لواقع أن "عون" أصبح نزيلًا جديدًا في قصر بعبدا الرئاسي. قصر بعبدا يستقبل عون جلسة نيابية عاصفة انتهت بفوز العماد ميشال عون، برئاسة الجمهورية اللبنانية، ليصبح الرئيس الثالث عشر للجمهورية، بعد 3 عمليات اقتراع من الدورة الثانية، إذ تعذّر تأمين الأصوات المطلوبة ليفوز في الجلسة الأولى، حيث تم انتخاب عون، بعد حصوله على 83 صوتًا من أصوات النواب ال127 الذين حضروا الجلسة، وهم كل النواب باستثناء نائب واحد قدم استقالته، بينما اعترض على انتخابه 36 نائبًا صوتوا بأوراق بيضاء، وأبطل 8 نواب أصواتهم بكتابة تعليقات عبرها، وجاء فوزه في الجولة الثانية من التصويت، ليحصل على الأغلبية المطلقة "50% من النواب + 1″، أي 65 نائبًا على الأقل، بعدما فشل في الفوز من الجولة الأولى التي تتطلب أصوات 86 نائبًا على الأقل، أي ثلثي عدد النواب. عقب هذه الجلسة النيابية العاصفة، تسلم رئيس الجمهورية العماد، ميشال عون، سلطاته الدستورية، في احتفال ضخم أقيم قرابة الثالثة والربع من بعد ظهر أمس الاثنين، في القصر الجمهوري في بعبدا، وسط حضور إعلامي لبناني وعربي وعالمي، حيث وصل عون، إلى القصر قادما من مجلس النواب في موكب رسمي، وعزفت موسيقى الجيش لحن التعظيم ثم النشيد الوطني اللبناني، وأطلقت المدفعية إحدى وعشرين طلقة ترحيبًا بالرئيس، بينما أطلقت البواخر الراسية في مرفأ بيروت صفاراتها للمناسبة. تحديات لبنانية انتظر اللبنانيون انتهاء سنتين ونصف من الفراغ الرئاسي بفارغ الصبر، حتى يأتي رئيس للجمهورية يُعيد تدوير عجلات الإنتاج ويُصلح ما أفسده هذا الشغور السياسي، وينتظر الشعب اللبناني الكثير من الرئيس الجديد، الأمر الذي يضع مسؤولية ثقيلة على كاهله، ومن المفترض أن يبدأ تدوير عجلة الدولة بسرعة قياسية عبر تفعيل مؤسساتها الدستورية انطلاقًا من مجلس النواب ليستعيد دوره ومهامه التشريعية، وصولًا إلى مجلس الوزراء من خلال تكثيف الجلسات للبت في المشاريع العالقة والمعلقة. الرئيس اللبناني، ميشال عون، شدّد، في أول خطاب رئاسي له على مشروعه في العهد الجديد، ومنه الخطة الاقتصادية، وتعزيز قوة الجيش اللبناني، وإقرار قانون انتخاب عصري، حيث قال: مَن يخاطبكم اليوم هو رئيس الجمهورية الآتي من مسيرة نضالية طويلة، والآتي في زمن عسير ويُؤمل منه الكثير، وأضاف: سنتعامل مع الإرهاب استباقيًا وردعيًا وتصديًا حتى القضاء عليه. وبشأن الصراع مع إسرائيل، قال عون: لن نألوا جهدًا ولن نوفر مقاومة في سبيل تحرير ما تبقى من أرضنا المحتلة وحماية وطننا، وأردف: المطلوب إقرار قانون انتخابي يؤمّن عدالة التمثيل في الانتخابات، وأول الأولويات هي الوحدة الوطنية والتصدّي للتحدّيات بوحدتنا وانفتاحنا وقبول كل منا رأي الآخر، وفي طليعة أولوياتنا الابتعاد عن الصراعات الخارجية، وتابع: مشروع تعزيز الجيش وتطوير قدراته سيكون هاجسي ليصبح جيشنا قادرًا على ردع أي اعتداءات على أرضنا، مؤكدًا أن الدولة من دون مجتمع مدني لا يمكن بناؤها، والأهم هو اطمئنان اللبنانيين إلى بعضهم البعض، وأن تكون الدولة حاضنة لهم. الحكومة أولًا يتمثل التحدي الأول والأكبر بالنسبة لرئيس الجمهورية اللبنانية، ميشال عون، في تشكيل حكومة وحدة وطنية، وعلى الرغم من أن أمر رئيس الوزراء بات محسومًا بعض الشيء استنادًا إلى الاتفاق العوني- المستقبلي الذي كان سببًا في إيصال عون، إلى الرئاسة، والذي يُقر بأن يصبح رئيس تيار المستقبل، سعد الحريري، رئيسًا للحكومة، إلا أن مصادر لبنانية قالت إن عون، قد بدأ إجراء اتصالاته السياسية للتحضير لإجراء استشارات نيابية ملزمة غدًا الأربعاء والخميس، لتسمية رئيس الوزراء الذي سيُكلف بتشكيل الحكومة الجديدة. ويرى مراقبون أن تشكيل الحكومة اللبنانية لن يكون بالأمر السهل، فربما يحتاج الأمر إلى بضعه أشهر للتوافق حول حكومة تستطيع انتشال البلاد من أزماتها الاقتصادية والأمنية والسياسية التي تفاقمت مع تأخر انتخاب رئيس للجمهورية، حيث من المتوقع أن يتمحور النزاع السياسي حول أصحاب الحقائب الثقيلة في الحكومة، والمتمثلة في الخارجية والداخلية والدفاع والمال والطاقة، كما أن مسألة تشكيل الحكومة ستكون أكثر تعقيدًا إذا ما شكل رئيس مجلس النواب، نبيه بري، فريقا مُعارضا للحريري، إلى جانب رئيس تيار المردة الذي كان مرشحًا لرئاسة الجمهورية، سليمان فرنجية، ورفض بري، الدخول في الحكومة، ليضع المطالب والشروط في وجه قرارات الحريري، لكن يري بعض المراقبين أن عون، الذي استطاع انتزاع تأييد حزب القوات اللبنانية ورئيس تيار المستقبل، لن يصعب عليه إعادة القنوات التي انقطعت بينه وبين أعوانه السابقين. كما يأتي التحدي الخاص بتشكيل الحكومة على شكل كيفية تمثيل المكون الشيعي فيها، حيث سيواجه الحريري، معضلة أساسية تتمثل في كيفية تأمين الدعم الغربي والعربي للبنان عن طريق حكومة تحتوي على "حزب الله" كممثل وحيد فيها للمكون الشيعي، وهو الحزب السياسي المرفوض من أغلب الدول الخليجية والغربية التي تعتبره إرهابيًا، الأمر الذي يطرح تساؤلات أهمها: هل ستستطيع لبنان في هذه الحالة التخلي عن الدعم المالي الخليجي والغربي؟. تحديات اقتصادية من الحديث عن الدعم المالي والاقتصادي الخليجي والغربي للبنان يأتي الحديث أيضًا عن الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها الجمهورية، حيث تربط العديد من الدول الغربية دعمها للجمهورية اللبنانية بطريقة تشكيل الحكومة، ويأتي على رأس هذه الدول فرنسا التي ربطت الدعوة إلى اجتماع دعم لبنان بتشكيل الحكومة الجديدة، حيث تترقب مسألة تشكيل الحكومة اللبنانية، وترى أنه إذا تمكن زعيم تيار المستقبل سعد الحريري، من تشكيلها من وزراء لديهم القدرة على إدارة البلد ستبذل باريس جهودًا لتعبئة أصدقاء لبنان حينها، فليس هناك معنى في نظر باريس لأن يعقد اجتماع لدعم لبنان قبل انتخاب الرئيس وتشكيل الحكومة. أما السعودية فقد نقلت الأوساط الفرنسية عن وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، قوله لنظيره الفرنسي جان مارك إرولت، إنه إذا كان اللبنانيون يريدون انتخاب عون فلينتخبوه من دون أي تعليق آخر حول الموضوع، الأمر الذي ينم عن غضب سعودي من انتخاب حليف حزب الله في الانتخابات الرئاسية، وهو ما سيجعل الرياض تعرقل أي مساعدات للدولة اللبنانية في الوقت الذي قطعت فيه المساعدات عن الحكومة منذ أشهر مضت، وتتخوف المملكة من هيمنة حزب الله الذي تعتبره إرهابيًا على مفاصل الدولة اللبنانية من رئيس جمهورية إلى رئيس حكومة أو وزراء، ناهيك عن الخلافات الموجودة اصلًا بين الحريري، والرياض نتيجة الاتفاق العوني – المستقبلي الذي قيل إنه وقع بعيدًا عن الأروقة السعودية وخارج موافقتها، واتخاذ المملكة إجراءات لمحاسبة شركة "سعودي أوجيه" التي يملكها الحريري، في مارس الماضي، الأمر الذي يوحي بأن السعودية لن تدعم حكومة الحريري أو رئيس الجمهورية عون. في ذات الإطار، اتضح من تصريحات الناطق باسم الخارجية الأمريكية، جون كيربي، أن المساعدات الأمريكية التي تقدمها واشنطنللبنان سترتبط بمدى حفاظ الحكومة الجديدة على مصالح أمريكا في المنطقة، حيث قال كيربي، خلال خطاب تهنئته للشعب اللبناني: نتطلع للتعامل سويًا مع عون لصون المصالح الأمريكية في المنطقة، لكن كيربي، شدد على أن موقف الولاياتالمتحدةالأمريكية من حزب الله لم يتغير كمنظمة إرهابية، وقال: إن تعاظم دور حزب الله في الحكومة اللبنانية أمر لم يكن ضمن أولوياتنا المفضلة، وحول المساعدات التي تقدمها الحكومة الأمريكيةللبنان، قال كيربي: إن هذه المساعدة ستخضع للتقييم المعتاد وفق معايير الحكومة الأمريكية، كما يجري مع كافة الدول بما فيها السعودية.