"القومي لحقوق الإنسان" يقبل استقالة مشيرة خطاب ويكلف "كارم" بالرئاسة    الأكاديمية العسكرية تحتفل بتخرج دورتين تدريبيتين لمهندسي الري والمركز الوطني    قومي حقوق الإنسان يوافق علي استقالة مشيرة خطاب ويكلف محمود كارم برئاسته    مصلحة الجمارك تشكل لجنة بعضوية تجار المحمول لبحث شكاوى عشوائية إجراءات الحوكمة    انخفاض محدود لأسعار الذهب في السوق المحلية وسط صمود الدولار    باكستان تعرب عن رغبتها في الحوار مع الهند بشأن أسوأ صراع عسكري بينهما    بوتين: لتحقيق أهداف العملية العسكرية يجب استخدام جميع الوسائل    تشكيل سيراميكا لمواجهة الإسماعيلي في نصف نهائي كأس عاصمة مصر    مروان عثمان يقود هجوم سيراميكا أمام الإسماعيلي في نصف نهائي كأس الرابطة    محمد بن رمضان يعيد أمجاد هانيبال مع الأهلي.. من هو وما قصته؟    مصدر ليلا كورة: بيراميدز يجدد عقد الكرتي.. ويفتح مفاوضات مع ماييلي    بلطجى يعتدى على طلاب مدرسة فى الطالبية باستخدام سلاح، والأمن يكشف التفاصيل    الصور الأولى من كواليس فيلم السادة الأفاضل    «معنى الرجولة و الشهامة».. كريم محمود عبد العزيز يحتفي بميلاد والده    دعاء يوم التروية لغير الحجاج .. اللهم إنى أسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل    القاهرة تستضيف النسخة الرابعة من المؤتمر والمعرض الطبي الإفريقي «صحة إفريقياAfrica Health ExCon»    مؤتمر صحفي مرتقب لمدبولي من العاصمة الإدارية    اتفاق تعاون بين «مصر للمعلوماتية» و« لانكستر» البريطانية    محافظ المنيا: جادون في استرداد الأراضي وتطبيق القانون بكل حسم    نجم الزمالك السابق: وسط الملعب كلمة السر في مواجهة بيراميدز    قرار عاجل من الزمالك بفسخ عقده لاعبه مقابل 20 ألف دولار    بعد اهتمام برشلونة والنصر.. ليفربول يحسم موقفه من بيع نجم الفريق    وفد من الأزهر والأوقاف والكنائس يهنئ محافظ الإسماعيلية بعيد الأضحى    جثة الخلابيصي تثير الذعر في قنا.. والأمن يتحرك لحل اللغز    بعد نشرأخبار كاذبة.. مها الصغير تتقدم ببلاغ رسمي ل«الأعلى للإعلام »    عودة خدمات تطبيق انستا باي بعد توقف مؤقت نتيجة عطل فنى    دى لا فوينتى قبل قمة إسبانيا ضد فرنسا: لا نمل من الفوز ولدينا دوافع كبيرة    حنان مطاوع: يشرفني تقديم السيرة الذاتية ل سميحة أيوب    صعب عليهم نسيان الماضي.. 5 أبراج لا يمكنها «تموڤ أون» بسهولة    تأكيدا ل «المصري اليوم».. أيمن منصور بطل فيلم آخر رجل في العالم (البوستر الرسمي)    محمد رمضان يقترب من الانتهاء من تصوير «أسد»    زوارق إسرائيلية تختطف صيادًا من المياه الإقليمية بجنوب لبنان    برسالة باكية.. الشيخ يسري عزام يودع جامع عمرو بن العاص بعد قرار الأوقاف بنقله    خُطْبَةُ عِيدِ الأَضْحَى المُبَارَكِ 1446ه    هل تُجزئ صلاة العيد عن صلاة الجمعة؟.. «الأزهر للفتوى» يرد    رئيس هيئة الاعتماد يعلن نجاح 17 منشأة صحية فى الحصول على اعتماد "جهار"    جامعة القاهرة ترفع درجة الاستعداد القصوى والطوارئ بجميع مستشفياتها    خبير عالمى فى جراحة المخ والأعصاب للأطفال بالمركز الطبى العالمي    وزيرة خارجية لاتفيا: سنعمل في مجلس الأمن لتعزيز الأمن العالمي وحماية النظام الدولي    الصحة: 58 مركزًا لإجراء فحوصات المقبلين على الزواج خلال فترة إجازة عيد الأضحى المبارك    رئيس الوزراء: إزالة تداعيات ما حدث بالإسكندرية تمت فى أقل وقت ممكن    إنتر ميلان يفتح قنوات الاتصال مع فابريجاس لتدريب الفريق    ما تفاصيل مشروع قرار مجلس الأمن المرتقب بشأن غزة؟    إغلاق ميناء الغردقة البحري لسوء الأحوال الجوية    زلازل وعواصف وجفاف.. هل تستغيث الأرض بفعل تغيرات المناخ؟    صلاح عبدالله يستعيد ذكرياته مع سميحة أيوب في مسرحية رابعة العدوية    وزير الثقافة ل«الشروق»: لا غلق لقصور الثقافة.. وواقعة الأقصر أمام النيابة    الإسكندرية ترفع حالة الطوارئ بشبكات الصرف الصحي استعدادًا لصلاة عيد الأضحى    مد فترة التشطيبات.. مستند جديد يفجر مفاجأة في واقعة قصر ثقافة الطفل بالأقصر    مجلس الوزراء يوافق على اتفاقية مع الاتحاد الدولي للاتصالات لتحقيق التنمية الرقمية    أول تحرك من «الطفولة والأمومة» بعد تداول فيديو لخطبة طفلين على «السوشيال»    رئيس هيئة النيابة الإدارية يهنئ الرئيس السيسي بمناسبة عيد الأضحى المبارك    البابا تواضروس الثاني يهنئ فضيلة الإمام الأكبر بعيد الأضحى المبارك    تحرير 911 مخالفة للممتنعين عن تركيب الملصق الإلكتروني    مسابقة لشغل 9354 وظيفة معلم مساعد مادة «اللغة الإنجليزية»    «اللهم املأ أَيامنا فرحًا ونصرًا وعزة».. نص خطبة عيد الأَضحى المبارك 1446 ه    زيادة الرسوم الجمركية الأمريكية على واردات الصلب والألمنيوم إلى 50% تدخل حيز التنفيذ    موعد إعلان نتيجة الصف الثالث الإعدادي 2025 في الجيزة ترم ثاني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكاية مكان| «متاتيا».. بطولة مقهى فجر ثورات
نشر في البديل يوم 25 - 10 - 2016

«المكان زمان جامد والزمان مكان سائل».. عبارة تجسد الأهمية التاريخية لبعض الأماكن التي تحمل ذاكرة أمة، وتحفظ تاريخ وطن، وتشهد بطولات خالدة، ونضالًا ثوريًّا وحراكًا فكريًّا، لذلك حرصت «البديل» على تقديم سلسلة تحت عنوان «حكاية مكان» تتناول من خلالها بعض الأماكن الشاهدة على ملاحم تاريخية ومعارك فكرية وسياسية.. أو تلك التي كانت صدى لحضارة قديمة أو حادثة غريبة.
وتعد قهوة متاتيا، التي كانت تقع بميدان العتبة عند حديقة الأزبكية إلى جوار دار الأوبرا القديمة، أفضل تمثيل للقيمة التاريخية إذا تمثلت في مكان وللحراك الثوري إذا ارتبط بكيان، فهذا الركن الصغير الضئيل حدد مصير أمة لآماد طوال، وسجل تاريخًا من الصعاب والأهوال، وكان شاهدًا على الكفاح والنضال، فمنه هبت ريح الثورة العرابية، وانطلقت دعوات الفكر والتنوير، وفيه أسس جمال الدين الأفغاني أول حزب سياسي بمصر «الحزب الوطني الحر» وألقى بيان تأسيس الحزب من على المقهى أيضًا، ولا يبرحه إلَّا فجرًا، حيث يتأمل حال المصريين وهو يمسك الشيشة بيمناه، ويوزع الثورة بيسراه، ينفث مع دخان شيشته عبارات تستجيش مكنون القوى ومذخور الطاقة في نفوس من حوله ليحثهم على الثورة، فيخطب فيهم من على المقهى: «إنكم معشر المصريين قد نشأتم على الاستعباد وتربيتم في حِجْر الاستبداد، لقد تناوبتكم أيدي الغاصبين من الرعاة ثم اليونان والرومان والفرس ثم العرب والأكراد والمماليك، وكلهم يشق جلودكم بمبضع نهمه، ويهيض عظامكم بأداة عسفه، ويستنزف قوام حيانكم التي تجمعت بما يتحلب من عرق جباهكم بالعصا والمقرعة والسوط، وأنتم كالصخرة الملقاة في الفلاة، لا حس لكم ولا صوت، انظروا أهرام مصر وهياكل ممفيس وآثار طيبة، وحصون دمياط، شاهدة بمنعة آبائكم وأجدادكم، هبوا من غفلتكم، واصحوا من سكرتكم، عيشوا كباقي الأمم أحرارًا، أو موتوا مأجورين شهداء»، ليتم القبض عليه وهو عائد من المقهى برفقة خادمه أبو نراب، ويتم نفيه خارج إلى السويس بتهمة أنه رئيس جمعية سرية من الشبان ذوي الطيش مجتمعة على فساد الدين والدنيا.
اكتسب المقهى الشعبي «متاتيا» جزءًا من مكانته التاريخية بفضل شهرة مرتاديه من الرواد، فقد تردد عليه أغلب الشخصيات التي تكمن فيهم دوافع التضحية والانتماء آنذاك؛ فهؤلاء جمع من الصحفيين والمثقفين الذين يوجهون الرأي، وأولئك حفنة من خبايا الجمعيات السرية ممن يحثون على النضال ويعبئون الشعور الوطني، وتلكم بعض من الأعيان والتجار والباشوات وأصحاب الرتب والمقامات، ممن يطلق عليهم «الحزب الوطني» وغيرهم بل كأن كل قوى هذا الوطن واستعداداته وإقدامه وشجاعته قد تلخصت في هذا المكان الصغير، الذي يحرك بوصلة التاريخ ويوجه ريح البطولة والمجد ليحسم معركة الحرية ويحدد مصير أبناء هذا الشعب، بل كأن هذا المكان كان بوتقة انصهرت في جميع الثقافات على تعدد مشاربها واختلاف مآربها، فهذان شابان سوريان «أديب أسحق وسليم النقاش» حملا إلى المقهى بذور الثقافة الحديثة، وهذا هو المناضل التونسي الحبيب بو رقيبة، الذي سيصبح فيما بعد أول رئيس للجمهورية التونسية، بينما الشاب الطويل اليافع، الذي يجلس منتبهًا ليتعلم الثورة من الثوار، هو سعد زغلول زعيم الأمة وقائد ثورة 1919، وذلك الشيخ القصير محمد عبده، وهذا الريفي الأدباتي خطيب الثورة العرابية عبد الله النديم، والشيخ عبد العزيز البشري، وإلى جانبهم أول نقيب للمحافين إبراهيم بك الهلباوي، والشاعر محمود سامي البارودي، مؤسس مدرسة الإحياء والبعث، والمفكر الأديب عباس العقاد، وأحمد شوقي وشاعر النيل حافظ إبراهيم، وإبراهيم عبد القادر المازبي، فضلًا عن عبد السلام المويلحي، وهذا المترجم والمفكر محمد بك عثمان جلال، الذي وضع أسس القصة الحديثة والرواية المسرحية.
هؤلاء جميعهم أبطال شكلوا تاريخًا سياسيًّا وفكريًّا ودينيًّا لتلك الأمة، لكن البطل الأول هو ذلك المقهى، الذي مارس أدوارًا إضافية كمناخه العام الذي ساهم في تلاقح أفكار مرتاديه، وموقعه الذي جعله مقصدًا لكثير من الشباب والشيوخ والكتاب والمفكرين، ولم يقتصر أبدًا على دوره الأساسي كمان للتسلية وتناول المشروبات وغير من الدور الأساسي للمقاهي، بل استطاع ذلك المقهي أن يجمع رواد الفكر والتنوير مع سائر مرتاديه من عامة الشعب جنبًا إلى جنب ويوحد أفكارهم وجهودهم ونضالهم ويبلورها في عمل عظيم وتاريخ مجيد، وكأن المكان كان هدفًا في حد ذاته، وكان بطلًا مثلهم أو أكثر وصاحب رسالة نبلية يسعى ليؤديها على أكمل وجه، وقد فعل، وما رواده من أبطال وثوار إلَّا أدوات في يد المكان، أو مجرد وسيلته الحية «كونه جماد» لبلوغ حال أفضل في المجالات جميعها، تلك أهمية المكان الذي يفوح بعبق التاريخ، حتى أصبح اختصار لمجتمع برمته.
يرجع اسم المقهى إلى مهندس إيطالي يدعى «متاتيا» تولى تصميم حديقة الأزبكية ودار الأوبرا القديمة التي تم حرقها، وعمارة متاتيا التي أنشأها بوسط ميدان العتبة، وكانت العمارة هي الأشهر، حيث كانت تقع بها «لوكاندة مصر»، وتختلف الآراء حول تاريخ إنشاء العمارة الشامخة التي ضمت قهوة متاتيا، فهي ما بين أعوام 1970 و1975 و1977، أما نهايته فكانت بضربة أولى من زلزال 1992 أحدث به بعض التصدعات، وفي عام 1999، قرر محافظ القاهرة هدم عمارة متاتيا الأثرية؛ لإنشاء نفق الأزهر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.