معطيات الواقع توضح أن معركة الموصل ليست فقط ذات أهمية بالنسبة للشعب والقيادة العراقية على اعتبارها تحرير جزء مهم من أرضهم، لكنها أيضًا ذو أهمية بالغة للعديد من الدول الغربية والإقليمية الباحثة عن مصالحها والساعية إلى الاستيلاء على قطعة من أرض العراق، على رأسها أمريكا والسعودية وتركيا، كما أن المعركة ذات أهمية للكيان الصهيوني الذي يراقب العملية يوميًا عن كثب وترقب، وهنا يأتي التساؤل، ما أهمية المعركة بالنسبة للاحتلال؟ وماذا تمثل له؟ ولماذا هذه المتابعة القوية للأحداث؟ متابعة إعلامية غير مسبوقة اتضح خلال الأيام الأخيرة الماضية أن الاحتلال يتابع مجريات معركة الموصل باهتمام بالغ؛ حيث تصدرت معركة الموصل عناوين العديد من الصحف الإسرائيلية، وتناولتها بأهمية بالغة وتابع المراقبون والمحللون الإسرائيليون باهتمام مجريات الأحداث هناك، وعمل الإعلام الإسرائيلي على تغطية أحداث معركة تحرير الموصل، وجاء على رأس الصحف المهتمة بالمعركة يسرائيل هيوم، ومعاريف، ويديعوت أحرونوت، التي اعتبرت أن نتيجة معركة الموصل ستحدد مصير العراق كدولة موحدة وتأثير ذلك على الأوضاع الاستراتيجية في الشرق الأوسط. بعيدًا عن الاهتمام الإعلامي الداخلي، يأتي الاهتمام الإعلامي الخارجي ومحاولات التواجد في قلب الأحداث، حيث بثت أكبر قناتين إخباريتين في التليفزيون الإسرائيلي، الثانية والعاشرة، مقابلات حصرية خاصة من داخل الأراضي العراقية، وتحديدًا من منطقتي كردستان العراق، وتغطيات عديدة للمعارك في مدينة الموصل عبر مراسليهم في الميدان، في سابقة أولى من نوعها في تاريخ العراق، خصوصًا أن المراسلة لم تخفِ اسم القناة التي تعمل لصالحها أثناء مقابلة العراقيين، وتوسطت مقاتلي البيشمركة وأجرت مقابلات معهم ورافقتهم إلى مناطق القتال، كما حملت مايكروفون عليه شعار القناة الثانية الإسرائيلية، كما أنه لا يُعرف طريقة دخولها وطاقمها إلى الأراضي العراقية إذا كان من خلال مطار بغداد الدولي أو مطار أربيل، وباستخدام جواز سفر إسرائيلي أو آخر أجنبي، ولا يُعرف عدد الصحفيين والمرافقين الصهاينة الذين دخلوا الأراضي العراقية. نشرت القناة الثانية العبرية على صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" صورة لمراسلتها "إفرات لختر" أثناء تغطيتها من مناطق تمركز قوات البيشمركة على أطراف الموصل، وكتبت تحتها "القناة الثانية تغطي مناطق الحرب في الموصل". العلاقات الإسرائيلية الكردستانية التواجد الإعلامي الإسرائيلي في إقليم كردستان العراق أثار الجدل في الشارع العراقي وأعاد إلى الأذهان جذور العلاقة بين الطرفين، ومصافحة الرئيس العراقي السابق، القادم من الاتحاد الوطني الكردستاني، جلال طالباني، ورئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق، إيهود باراك، خلال مشاركتهما في مؤتمر الاشتراكية الدولية الذي انعقد في عام 2008 في العاصمة اليونانية "أثينا"، بوساطة من الرئيس الفلسطيني، محمود عباس. تعتبر إسرائيل من أبرز داعمي حركات استقلال الإقليم العراقي عن الدولة، الأمر الذي ترفضه الدولة العراقية بكل مكوناتها، لكن تؤيده إسرائيل بكل ما أوتيت من قوة، حتى أنها حاولت قبل سنوات التأثير على السياسة الأمريكية وتوجيهها نحو دعم حكومة إقليم كردستان العراق، على اعتبار أنه جزء من المخطط الصهيوأمريكي الداعم لتفكك الدول العربية واستقلال بعضها عن الآخر وجعلها كتل صغيرة يسهل السيطرة عليها. أعربت إسرائيل سرًا وعلانية في الكثير من المناسبات عن دعمها لاستقلال الإقليم الكردستاني؛ حيث عبر السفير الأمريكي لدى الولاياتالمتحدة، رون درمر، صراحة عن تأييد بلاده الكامل لانفصال الأكراد عن دولة العراق، واستقلال إقليم كردستان أيضا، خلال لقاء مع التليفزيون الرسمى الكردى في مارس الماضي، وقال السفير حينها إن إسرائيل تناصر الشعب الكردي في نضاله من أجل الاستقلال، وفى حربه ضد تنظيم داعش، وأضاف: إلى جانب إسرائيل، هناك شعب آخر يحب الحرية، ويناضل من أجل الاستقلال إنه الشعب الكردى، وتابع: نشعر أن هناك علاقات قوية بين اليهود والأكراد وبين إسرائيل وكردستان، ونحن نتمنى لهم الخير. العلاقات الصهيونية بإقليم كردستان توضحها أيضا صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، التي كشفت أن 75% من واردات الكيان الصهيوني النفطية تصل من كردستان العراق، ففي يونيو عام 2014، استلمت إسرائيل للمرة الأولى، شحنة من النفط الخام عبر خط أنابيب جديد من الإقليم، بعد أن وصلت ميناء عسقلان الإسرائيلي، متجاهلا التحذيرات العراقية من الأمر. دروس قتالية مستفادة على جانب آخر، اعتبر بعض المراقبين والمحللين العسكريين في إسرائيل أن الحرص على متابعة الأحداث وسير عملية تحرير الموصل يأتي للاستفادة من الطرق القتالية في معركة إسرائيل المقبلة مع حزب الله أو حركة حماس، حيث يستخدم كلا الطرفين الأنفاق الهجومية والقناصة على نطاق واسع، ويعتمدان على القتال وسط المدنيين، الأمر الذي سيمكن العدو في حال فهم تلك الأساليب من رسم تصور كامل بشأن سير العمليات العسكرية المقبلة، ضد حزب الله أو حماس. وأكد محلل الشؤون العسكرية في صحيفة يديعوت أحرونوت، رون بن يشاي، أن معركة تحرير الموصل توفر فرصة استثنائية لرصد أساليب القتال التي يتبعها التنظيم ضد جيوش نظامية، وأن المعركة المقبلة ضد حزب الله أو حماس ستشهد تطبيق العديد من الدروس المستفادة من تلك المعركة، التي بدأت ولا يمكن القطع بتوقيت نهايتها. واعتبر "بن يشاي" أن الطرفين يتبعان أسلوب الأنفاق الهجومية وتعظيم دور القوات الخاصة للسيطرة على مناطق مأهولة بالسكان، والحرص على إشعال حرائق كبيرة، بغية تعبئة الأجواء بالدخان الكثيف لإعاقة وسائل الرصد وجمع المعلومات الاستخباراتية خاصة عبر الطائرات من دون طيار.