في كتابه البديع “أيام لها تاريخ” قال الكاتب والمفكر الكبير الراحل أحمد بهاء الدين إن ما يميز الانسان عن الفئران أن الانسان حيوان له تاريخ ويستطيع التعلم من خبراته وتجاربه السابقة ، على عكس الفئران التي لا تتعلم أبدا من تاريخها وتظل تأكل قطعة الجبن وتقع في المصيدة..والمصريون شعب عريق وله بالتأكيد تاريخ طويل وحافل بالاحداث والانتصارات والانكسارات ، لكنه شعب بلا ذاكرة، فنحن ننسى بسرعة ولا نكاد ننشغل بموضوع ونتحمس له حتى نمل منه ونتعلق بموضوع آخر وهكذا في دائرة عبثية لا تنتهي.ويبدو أن ذاكرتنا ليست فقط ضعيفة لكننا نتعمد أحيانا أن نفقدها ونعطيها حقنة بنج قوية لتغفو وتنام وتريحنا من الاحساس بالعجز والسلبية وعدم القدرة على الفعل. فقد تعودنا جميعا أن نشكو وصارت الشكوى جزء من تكويننا الانساني وحواراتنا اليومية ، لكننا لا نفعل عادة سوى القليل للتخلص من أسباب هذه الشكاوى..وزمان قالوا الكل يشكو فمن سرق المصحف ومن ظلم كل هؤلاء الشاكين المتباكين على القيم والفضيلة والمتضررين من الفوضى والفساد.فالجميع غير راضين ، الغني والفقير ، المتعلم والأمي ، المثقف والجاهل والكل يكرر نفس الكلام عن غياب النظام والفوضى في الشارع وأزمة الشرف والضمير وانعدام الالتزام والغلاء وأزمة المرور والرشاوى وتفشي المحسوبية والجميع تقريبا أيضا يشاركون في استمرار هذه الاوضاع التي يشكون منها ولو بالسكوت عنها والصبر عليها وعدم اتخاذ أي شئ حقيقي لتغييرها، اللهم الا المزيد من الشكوى، وأي حوار بين اثنين أو أكثر ينتهي غالبا بمصمصة الشفاه والدعاء بالستر والخلاص من تلك الأوضاع السيئة. ويبدو أن الشكوى مسألة قديمة ومتجذرة في تكويننا النفسي والثقافي منذ أيام الفلاح الفصيح ، فقد أرسل هذا الفلاح شكواه الى الفرعون وهو يعلم أنه أصل البلاء،وأنه لولا أن الظلم هو الأساس الذي يحكم به ويقوم عليه نظامه السياسي لما ظلم رعاياه بعضهم بعضا ولما اضطر هذا الفلاح البسيط للجوء الى الشكوى. ولا زلنا حتى الآن نفعل مثله ونترك المتسبب الرئيسي في الأزمة لنبحث عن كبش فداء ضعيف نقدر عليه ونصوب اليه سهامنا، ونعتبر ذلك نوعا من الكياسة أو الفهلوة ، فنحن لم نتعود أن نقول للفرعون هكذا في وجهه أنت ظالم وأنت منبع كل المظالم، ولكننا قد نتجرأ فقط لنوجه اللوم إلى بلاط السلطان أو الحاشية أو مجموعة الموظفين الذين يتصدرون عادة المشهد السياسي ليقذفهم الشعب بالطوب ويكف لسانه عن الفرعون، وإذا استفحلت الأزمة وطاشت الكلمات هنا أو هناك يتدخل الكبير في الوقت المناسب ليرفع الظلم الذي سبق أن قرره أو على الأقل “طنش” عليه أو أراد أن يختبر تاثيره على الناس. وفي هذه الحالة وغيرها تصيبنا نوبة فقدان الذاكرة المؤقت ونحيي الزعيم على حماية رعاياه من أخطاء من اختارهم بنفسه ومنحهم ثقته وأعطاهم الضوء الأخضر لتعذيبنا وتجربة أفكارهم الغبية فينا وفي أولادنا..المهم ألا يقترب أحد من المنطقة المحظورة وألا ينضم الى الجماعات المحظورة وألا يروج للأفكار المحظورة وألا يستمع للشخصيات المحظورة وألا يحاول أن يعيش الحياة الكريمة المحظورة عليه وعلى نسله المحظورين وأن يجرب أن يفقد ذاكرته كليا ويرتاح، بدلا من نوبات فقدان الذاكرة المؤقتة!. مواضيع ذات صلة 1. محمد صالح: لن نتفاوض مع رفعت السعيد بعد الخطأ الذي ارتكبه في حق الحزب 2. محمد منير : وقائع مسروق بن مسروق (19) ( سواق التوكتوك ) 3. شباب التجمع يطالبون باستقالة قيادة الحزب ويحملون رفعت السعيد مسئولية تراجعه 4. 17 محافظة و100 قيادة بالتجمع يدعون لسحب الثقة من رفعت السعيد ويعلنون اعتصاما غدًا ضد الاستمرار في الانتخابات 5. البدري فرغلي و74 عضوا يستقيلون من التجمع ..ويتهمون رفعت السعيد بعقد صفقات مع الحكومة