مرت العلاقات التونسيةالجزائرية في الشهر الماضي بسحابة صيف، في أعقاب استمرار أزمة رسوم ضريبة الدخول بين البلدين، لكنها بدأت تتعافى في الفترة الأخيرة، وتشهد تحسنًا ملحوظًا ، حيث زار رئيس الوزراء التونسي يوسف الشاهد الجزائر في أولى وجهاته الخارجية، ولم تأتِ هذه الزيارة من قبيل الصدفة، وإنما رغبة لتجنيب الخلافات وتعزيز العلاقات الثنائية؛ ترسيخًا لما لهما من علاقات تاريخية. ولعل أزمة رسوم ضريبة الدخول بين البلدين خير شاهد على أن المشكلات بين البلدين تذوب سريعًا، فبعدما أعلنت تونس عن فرض رسوم بواقع 30 دينارًا عند الخروج من أراضيها، ما أثار حفيظة الجزائريين الذين يرون تونس امتدادًا طبيعيًّا لهم والعكس بالنسبة للتونسيين، اضطرت السلطات الجزائرية إلى المعاملة بالمثل، لكن السلطات التونسية أدركت الأمر سريعًا؛ لتستبق الزيارة بإلغاء ضريبة دخول الجزائريين إلى تونس. وتشير أغلب الإحصائيات إلى أن الجزائريين على رأس قائمة السائحين الوافدين إلى تونس بحسب الديوان الوطني للسياحة في تونس، حيث بلغ عدد الجزائريين الذين دخلوا تونس للسياحة خلال الشهور الثمانية الأولى من هذا العام 2016 نحو 1.2 مليون سائح، في الوقت الذي تراجعت فيه حركة السياحة الدولية إلى تونس إلى نحو 3 ملايين سائح. وأمام كثافة حركة المسافرين من الجزائر إلى تونس وتزايد الطلب على الوجهة التونسية، فتحت تونس عبر شركة الطيران الجديد "نوفال آر" خطًّا جويًّا إضافيًّا إلى الجزائر، انطلقت أولى رحلاته بين البلدين يوم 14 يوليو الماضي بمعدل 3 رحلات أسبوعيًّا؛ لتبلغ في العام الأخير 42 رحلة في الأسبوع. ويحتل السائح الجزائري المرتبة الأولى بين السائحين الوافدين إلى تونس من حيث الإنفاق، سواء في المطاعم أو المقاهي أو مدن الألعاب، وكذلك المحال التجارية بمختلف أنواعها. وخلال زيارة الشاهد للجزائر هيمن الاقتصاد على المباحثات بين الجارين، فرغم التجاور بين البلدين، إلا أن العلاقات الاقتصادية بينهما لم ترقَ إلى قوة الروابط التاريخية، ولم تستفد منها الدولتان الاستفادة المثلى، ولا حتى من حجم الاتفاقيات المشتركة، حيث لا يشكل حجم المبادلات التجارية مع تونس سوى القليل بالنسبة لتجارتها مع العالم وبالتحديد مع الاتحاد الأوروبي أو حتى مع الجارة العربية الأخرى ليبيا. وكان واضحًا الرغبة في التعاون الأمني، حيث أعلنت الجزائروتونس تعزيز تعاونهما الأمني لمواجهة التحديات التي تعرفها المنطقة، إضافة إلى إعطاء دفعة جديدة للشراكة الاقتصادية، وقرر البلدان عقد اللجنة المشتركة العليا "الجزائرية – التونسية" أواخر شهر فبراير المقبل، وقال الشاهد إن "اختياري لكي تكون أول زيارة لي خارج تونس كرئيس للحكومة إلى الجزائر تأكيد على أهمية هذه العلاقات". ويرجع الكاتب الصحفي أمين لونيسي، المهتم بالشؤون المغاربية، اهتمام تونس بتطوير العلاقة مع الجزائر إلى عدة أسباب، حصرها بالدرجة الأولى في الجانبين الأمني والاقتصادي، وقال: "توجه كل رؤساء الحكومات ما بعد خلع نظام بن علي يعكس حاجة تونس ما بعد ثورة 2011 المتزايدة إلى الجزائر في سياق فضاء إقليمي مضطرب، فالبلدان يتقاسمان الفضاء الجغرافي المشترك، وبالتالي التحديات الأمنية والتهديدات مشتركة؛ نظرًا لتجربة الجزائر الكبيرة في مجال مكافحة الإرهاب". غير أن سياسيين يعيبون على الطرف التونسي فيما يخص الحفاظ على التعاون الأمني مع الجزائر، حيث إن الدبلوماسية التونسية متراخية في قضية سيادية تخص الجزائر، منها عدم السماح بالتدخل في الشؤون الداخلية من قوى غربية، في إشارة إلى حصول تونس على لقب حليف للناتو العام الماضي، وهو ما اعتبر "طعنة في الظهر" للحليف الجغرافي". ويرى أمين لونيسي أن "تعزيز التعاون الأمني أمر لا مفر منه في ظل ما تعيشه الجارة ليبيا من محاولات تمدد تنظيم داعش الإرهابي، وما تتعرض له مالي والنيجر من تهديدات بوكو حرام والقاعدة، وحركات مسلحة أخرى، وهو ما جعل حكومتي البلدين تتفقان على التوقيع قريبًا على اتفاق أمني مشترك". وأضاف "أما السبب الآخر فهو اقتصادي ويكمن في طبيعة الدعم المالي الممنوح من الجزائر، بعدما تعرض له اقتصادها من نكسات وإفلاس، حيث تلقت مساعدة وقرضًا عقب ثورة 2011 من الجزائر، كما لم تجد سوى الجزائريين أيضًا لإنعاش موسم السياحة". وتشهد تونس مؤشرات اقتصادية سيئة، إذ ارتفعت نسبة البطالة، وفق أرقام صادرة عن المعهد الوطني للإحصاء بتونس، في السنوات الخمس الماضية من 13% خلال عام 2011 إلى 15% حتى نهاية الربع الثالث من العام 2015، وبلغت نسبة الدين العام في عام 2010 نحو 40.3% من الناتج المحلي الإجمالي؛ لترتفع إلى حدود 52.7% في عام 2015 وفق إحصائيات وزارة الماليةالتونسية.