في كتاب "أصول الشرائع" يقول البروفسور الفرنسي «بنتام»: "وكل أمر ديني رأى المقنن وجوب استعماله يصير مضرًا؛ إذا سلك في إلزام الناس به طريق التهديد والعقاب؛ لأن الأشخاص الذين يريد أن يؤثر عليهم، ينقسمون إلى ثلاثة أقسام: فمنهم من يكون من رأيه، ومنهم من يكون على خلافه، ومنهم من يكون بينهما، ولا فائدة فبي الإجبار بالنسبة لمن وافق رأيه ولا فائدة فيه أيضا بالنسبة لمن خالفه، لأن الرجل إذا تكوّن فكره استحال على العقاب أن يرجعه عنه، وذلك أمر بديهي. على أن العقاب ينتج غير غايته في هذه الحالة، فيثبت المخالف على مخالفته، إذ استعمال القوة قرار ضمني على أن صاحبه ليس محقًا في رأيه، ومن جهة أخرى لأن من العادة أن طرق القسوة توجب مقت الأفكار التي استعملت القسوة لتأييدها، وغاية ما يمكن أن يناله المقنن بتقرير العقاب هو أن يظهر الناس أنهم يصدقون وإن لم يصدقوا حقيقة" اه. التقت الفكرة التي فكّر فيها محمد بن سعود مع هوى محمد بن عبد الوهاب فكوّنا معًا ما أسموه ب[جيش المسلمين]؛ لاعتقادهما بأنّ من عداهم من المشركين المستحقين للعقاب. اتّجه محمد بن عبد الوهاب يدعو إلى فكرته؛ إلا أنّها لم تلق قبولا ولم يلتفت لرأيه أحد، حتى غضب عليه أبوه الشيخ عبد الوهاب وكان قاضيًا حنبليًّ، ولم يزل القاضي الكبير ينصح ابنه ويراجعه ويثنيه عمّا يودّ فعله حتى غضب عليه وقاطعه إلى أن فارق الدنيا، وكذلك أخوه سليمان الذي ألف في الرد عليه كتابه الموسوم ب"الصواعق الإلهية في الرد على الوهابية"، حتى أرسل له مجنونًا يقتله في المسجد، ففلت منها بأعجوبة. يخالف الوهابية مجموع أهل السنّة في عدّة نقاط، يمكن أن نجملها في: 1- نظرة الوهابية لقضية التوحيد والشرك. 2- توسيع دائرة التكفير. 3- قولهم بتثليث التوحيد، أي جعله أقسامًا ثلاثة، وهي القسمة التي انطلق منها محمد ابن عبد الوهاب في تكفير الناس، ومن ثمّ استباحة دمائهم وأعراضهم وأموالهم. 4- الغلوّ في الإثبات في الصفات. 5- بعض المسائل الدقيقة في علم التوحيد مثل قضية القوة المودعة. ويكمن خطر هذه العناصر فاعليتها في الواقع، فتأصيل المسائل هذه في الفكر والأيدلوجية الوهابية يتمخض عنه عنف يصحبه دعوى امتلاك الحقّ فيكون المخالف حينها على الباطل، ومن على الباطل –على قاعدتهم- مستباح الدم. في بدايات التأسيس للفكرة نظر الوهابية إلى الجميع على أنهم مشركون حتى الدولة التي كانت حاضنة لهم وهي الدولة العثمانية، وادعوا أنّ الناس في جاهلية ينتظرون المجدد والمقوّم لهم، فيما يحكيه مؤرخهم ابن غنام بقوله: [كان أكثر المسلمين – في مطلع القرن الثاني عشر الهجري- قد ارتكسوا في الشرك، وارتدوا إلى الجاهلية] "تاريخ نجد ص: 13". وقد ساروا في أرجاء الجزيرة يُغيرون على أهل البلدان المجاورة لمركزهم بعدما أعلنوا البيعة لأميرهم ابن سعود في "الدّرعية" واتخذوا منها مركزًا ومقرًّا للإمارة، وبدأوا في غزواتهم يذكر مؤرّخهم ابن بشر في كتابه "عنوان المجد في تاريخ نجد" متفاخرًا بالجرائم التي ارتكبها الوهابيون بما أسماه بالغزوات ما يقارب 79 غزوة، قتلوا في تلك المعارك من المسلمين أعدادًا الله بها عليم؛ وذلك لمجرّد دعواهم أن هؤلاء أشركوا بالله، وأنهم معاديين لدين الله وللدعوة التي قام بها هذه الفرقة. يقول ابن عابدين الحنفي: [وقع في زماننا في أتباع عبد الوهاب الذين خرجوا من نجد وتغلبوا على الحرمين وكانوا ينتحلون مذهب الحنابلة، لكنهم اعتقدوا أنهم هم المسلمون وأن من خالف اعتقادهم مشركون، واستباحوا بذلك قتل أهل السنة وقتل علمائهم] اه. "حاشية رد المحتار"4/ 262". وفي تقرير ذلك أيضًا يقول سليمان بن عبد الوهاب أخو محمد بن عبد الوهاب نفسه: [اليوم ابتلي الناس بمن ينتسب إلى الكتاب والسنّة ويستنبط من علومهما، ولا يبالي من خالفه، وإذا طلبت منه أن يعرض كلامه على أهل العلم، لم يفعل، بل يوجب على الناس الأخذ بقوله، وبمفهومه ومن خالفه فهو كافر] اه. "الصواعق الإلهية، ص:4". ويقول الجبرتي المؤرخ واصفًا ما فعله الوهابية، فيقول: حضر الوهابيون إلى البلدة وكبيرهم المضايفي نسيب الشريف وكان قد حصل بينه وبين الشريف وحشة فذهب مع الوهابيين وطلب من مسعود الوهابي أن يؤمره على العسكر الموجه لمحاربة الشريف ففعل فحاربوا الطائف وحاربهم أهلها ثلاثة أيام حتى غلبوا فأخذ البلدة الوهابيون واستولوا عليها عنوة وقتلوا الرجال وأسروا النساء والاطفال وهذا دأبهم مع من يحاربهم. وتتوالى استباحتهم لأموال الناس ودمائهم فيحكي مؤرخهم ابن غنّام، فيقول: ثمّ سار المسلمون –يقصد الوهابية- إلى "منفوحة" -وهي اسم قرية- وقاتلوا أهلها، وهزموهم، وأخذوا دوابَّ كثيرة من الإبل والبقر والحمير. [تاريخ نجد، لابن غنام ص:110]. ثم يقول: "ثمّ غزا المسلمون أهل "ثادق" فنازلوهم وقطعوا شيئًا من نخلهم، وتراموا بالرصاص من بعيد، حتى قتلوا من أهل البلد ثمانية رجال، وحاصروهم زمنًا" [المرجع السابق، ص:114]. ولم يقتصر تمدد جيش الوهابية في الجزيرة العربية فحسب، بل طال أذاهم إلى دول الجوار كالعراق فقد دخلوا كربلاء فأغاروا على أهلها وأعملوا فيهم القتل فيما حكاه مؤرخهم الأكبر ابن بشر في كتابه "عنوان المجد في تاريخ نجد" حيث يقول: في حوادث سنة 1216ه[ وفيها سار سعود بالجيوش المنصورة والخيل العتاق المشهورة من جميع حاضر نجد وباديها والجنوب والحجاز وتهامة وغير ذلك وقصدوا أرض كربلاء ونازل أهل بلد الحسين، وتسوروا جدرانها ودخلوها عنوة، وقتلوا غالب أهلها في الأسواق والبيوت، وهدموا القبة الموضوعة بزعم من اعتقد فيها على قبر الحسين، وأخذوا ما في القبّة وما حولها، وأخذوا النصيبة التي وضعوها على القبر، وكانت مرصوفة بالزمرّد والياقوت والجواهر، وأخذوا جميع ما وجدوا في البلد من الأموال والسلاح واللباس والفرش والذهب والفضة والمصاحف الثمينة وغير ذلك مما يعجز عنه الحصر، ولم يلبثوا فيها إلا ضحوة وخرجوا منها قرب الظهر بجميع الأموال وقتل من أهلها قريب ألفا (2000) رجل]. انتهى. ولم يراعوا في ذلك حرمة لنفس ولا لدم ولا لدين فلا نعجب حينما نرى ما تفعله داعش اليوم من استحلال للدماء والأموال والأعراض، وخلاصة ما يمكن أن نستخلصه من هذا الفكر، هو أنّ طبيعة الشخص المتمسك بالوهابية تتسم بالعنف؛ لكونها ترى أنها على الحق المطلق ومخالفيها على الباطل المطلق، وهم على مراتب في رميهم الناس بالمساوىء، فأقلهم يرمي بالبدعة، ومن بعده بالشرك، ومن بعده بالكفر، وكلها تستوجب القتل.