تعود المياه إلى مجاريها تدريجيًا بين روسياوتركيا، بعد توتر العلاقات بينهما إثر أزمة إسقاط تركيا للمقاتلة الروسية على حدود سوريا في نوفمبر الماضي، فبعد عمليات الشد والجذب الروسية الأمريكية في سوريا، اتجه الدب الروسي لاستقطاب السلطان التركي إلى صفوفه، خاصه أنه طرف فاعل في الميدان السوري، مستغلًا في ذلك توتر العلاقات التركية الغربية. مؤتمر الطاقة العالمي خطوة جديدة على طريق إعادة تطبيع العلاقات التركية الروسية أتاحها مؤتمر الطاقة العالمي الذي المنعقد في مدينة إسطنبول في الفترة ما بين 9 إلى 13 أكتوبر، حيث التقى الرئيسان الروسي، فلاديمير بوتين، والتركي، رجب طيب أردوغان، على هامش المؤتمر، وتبادلا الحديث حول العديد من الموضوعات الإقليمية، كان أبرزها الأزمة السورية والعلاقات الاقتصادية المتبادلة. اجتمع الرئيسان للمرة الثالثة في غضون ثلاثة أشهر منذ عودة العلاقات بينهما في يونيو الماضي، إثر أزمة إسقاط تركيا للمقاتلة الروسية على حدود سوريا في نوفمبر الماضي، ودام الاجتماع بينهما نحو ساعة وأربعين دقيقة في إسطنبول، وخرجا منه الطرفان بإعلان تقارب في وجهات النظر بشأن الوضع القائم في مدينة حلب السورية، وتوقيع البلدين اتفاقًا جديدًا لبناء خط الأنابيب "تورك ستريم" لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر البحر الأسود، إلى جانب إعلان فتح الأسواق الروسية أمام البضاعة التركية مجددًا، الأمر الذي شكل نقله نوعيه في العلاقات بين الدولتين. عقب انتهاء الاجتماع، خرج الرئيس الروسي معلنا أنه تشارك مع تركيا في تأكيد ضرورة بذل جميع الجهود لإيصال المساعدات الإنسانية إلى حلب، مستدركًا أن المشكلة تكمن في تأمين القوافل، وموضحًا في الوقت نفسه، أنه أبلغ نظيره التركي أن الطرف الأمريكي رفض العرض الروسي بانسحاب القوات الحكومية والمعارضة من طريق الكاستيلو، لمنع أي احتمال لوقوع هجمات ضد القوافل، فإما أنهم لا يستطيعون، أو أن هناك أسبابًا أخرى تقف خلف رفضهم. وأعلن بوتين أيضا اتفاقه مع أردوغان على بذل ما بوسعهما لمساندة مبادرة مبعوث الأممالمتحدة "دي ميستورا" لإخراج المجموعات المسلحة التي لا ترغب في تسليم سلاحها من مدينة حلب، بهدف وقف نزف الدم، مشددًا كذلك على ضرورة المضي قدمًا بالعملية السياسية في سوريا. من جانبه، قال الرئيس أردوغان: قضينا يومًا حافلًا مع الرئيس بوتين، وتوّج اللقاء بتوقيع اتفاقيات بين البلدين بحضورنا، وأنا على ثقة تامة بأن مرحلة تطبيع العلاقات بين تركياوروسيا ستتواصل بسرعة، وأضاف أنه بخصوص محطة "آق قويو" للطاقة النووية، فإن الجانبين يمتلكان موقفًا واضحًا حول ضرورة استمرار العمل بهذا المشروع وبسرعة في المرحلة المقبلة. وفي الشأن الإقليمي، شدد أردوغان على أن التطورات الراهنة في المنطقة مسألة في غاية الأهمية، مضيفا: تمكنّا من تناول القضايا المتعلقة بسوريا بالتفصيل، وتحدثنا عن عملية درع الفرات، وإمكانيات التعاون في هذا السياق، كذلك أجرينا تقويمًا بشأن حلب، والاستراتيجيات الممكن وضعها والعمل بها من أجل جلب السلام والاستقرار لسكان المدينة، متابعا: أصدرنا تعليمات معينة لمؤسساتنا، وبالتحديد للأجهزة العسكرية والاستخباراتية ووزارتي الخارجية التركية والروسية لاختيار استراتيجية. "ترك ستريم" يكشف التقارب الروسي التركي خلال الزيارة، وقع الطرفان التركي والروسي، أمس الاثنين، اتفاقًا ثنائيًا لبناء خط أنابيب نقل الغاز "ترك ستريم" أو "السيل التركي" الذي سيمر عبر البحر الأسود؛ حيث وقع الاتفاق في إسطنبول وزير الطاقة الروسي، ألكساندر نوفاك، ونظيره التركي، بيرات البيرق، بحضور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ونظيره التركي، رجب طيب أردوغان. ينص الاتفاق على أن الشركة الروسية "غازبروم" تملك كلا الخطين في القسم البحري، أما في القسم البري، فسيكون من ملكية شركة "بوتاس"، وجزء من الخط الثاني ستملكه شركة "غازبروم"، كما ستتولى شركة "غازبروم" نقل تدفقات الغاز، التي تصل الآن من بلغاريا إلى تركيا، عبر الخط الأول من "السيل التركي". وقال الرئيس التنفيذي لشركة غاز بروم الروسية، أليكسي ميلر، إن الاتفاق يمهد لبناء خطي أنابيب عبر البحر الأسود، مضيفا: مقرر أن تكون قدرة الضخ السنوية لكل خط 15.75 مليار متر مكعب من الغاز، ما يعني ضخ أكثر من 31 مليار متر مكعب، وأشار إلى أن الاتفاقية تهدف إلى بناء الخطين بحلول العام 2019، حيث سيستخدم الخط الأول لنقل الغاز إلى المستهلكين الأتراك، بينما يصل الخط الثاني إلى أوروبا. وأكد أردوغان العمل على تسريع مشروع خط "السيل التركي" وخطط إقامة محطة نووية تبنيها روسيا في تركيا مع عودة العلاقات بين البلدين إلى طبيعتها، لافتا إلى تعويض الوقت الضائع بمشروع المحطة النووية في "آق قويو". المشروع التركي الروسي لم يكن وليد زيارة بوتين الحالية إلى أنقرة، بل كشف عنه الرئيس الروسي نهاية العام 2014، عندما تخلت روسيا عن مشروع "ساوث ستريم" الذي يمر عبر أوكرانيا في ظل تفجر الأزمة الأوكرانية، وكانت شركة "روساتوم" فازت في العام 2013 بعقد قيمته 20 مليار دولار لبناء أربعة مفاعلات نووية، ما كان سيصبح أول محطة نووية لتركيا، لكن البناء توقف بعد تأزم العلاقات التركية الروسية نهاية العام الماضي، عندما أسقطت تركيا مقاتلة روسية قرب الحدود السورية. التقارب التركي الروسي والمعسكر الغربي من المؤكد أن المعسكر الغربي يراقب عن بُعد وبترقب التقارب الأخير في المواقف بين أنقرة وموسكو، والذي يظل مُقلقًا بالنسبة للدول الغربية والأوروبية المعادية لروسيا، خاصة موقفها في سوريا، على رأسها أمريكا وفرنسا وبريطانيا، الأمر الذي يوحي بأن هذا التقارب قد تكون له عواقف على العلاقات التركية الغربية، وقد يعرض مصالح تركيا الاقتصادية مع الدول الأوروبية إلى الخطر، وهو ما يمكن اعتباره ورقة ضغط ستستخدمها هذه الدول في الوقت المناسب لتُعيد استقطاب أنقرة مرة ثانية، لكن في الوقت ذاته، استبعد مراقبون أن تقطع تركيا علاقاتها بالدول الغربية كنتيجة لتقاربها مع روسيا، فكعادتها الازدواجية، ستنتهج أنقرة طريق اللعب على جميع الحبال في محاولة لمسك جميع خيوط اللعبة السياسية في سوريا والاقتصادية في أوروبا وأمريكا، وهو ما أقر به الحزب الحاكم في أنقرة "العدالة والتنمية"، عندما نفى وجود نوايا لقطع العلاقات مع القوى الغربية، كمغادرة حلف شمال الأطلسي مثلًا.