تعويم الجنيه سيكون قبل نهاية العام الجاري وسيعقبه ارتفاع كبير في التضخم وزيادة الأسعار قد نلجأ لنظام المقايضة إذا فقدت النقود قيمتها ونكتنز السلع بدلًا منها كثر الحديث في الفترة الماضية عن تعويم الجنيه أو خفض قيمته كشرط من شروط صندوق النقد الدولي الذي عقدت مصر معه اتفاقية بقرض قيمته 12 مليار دولار لدعم البرنامج الاقتصادي في مصر، تأثير هذه القرار على الاقتصاد المصري والأسعار والتضخم، أسئلة كثيرة يجيب عنها الدكتور عادل عامر، مدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية، ومستشار الهيئة العليا للشؤون القانونية والاقتصادية بالاتحاد الدولي لشباب الأزهر والصوفية. بعد تصريحات مديرة صندوق النقد بأن مصر مازالت مترددة بشأن تعويم الجنيه.. كيف تفسر تأخر البنك المركزي في اتخاذ قرار خفض قيمة الجنيه أو تعويمه؟ توقيت خفض الجنيه أو تعويمه يخضع لحسابات دقيقة على مستوى الجهات الاقتصادية المعنية كافة، تراعى حسابات مستوى التضخم، ومعدلات استيراد السلع الأساسية والاحتياطي الاستراتيجي منها، وتعويم الجنيه سيكون قبل نهاية العام الجاري، حسب السيناريو الذي سيتم الاستقرار عليه، خاصة أنه من المتوقع أن تتم الموافقة على قرض صندوق النقد الدولي خلال أسابيع قليلة من الآن، إلى جانب صرف الشريحة الأولى من القرض بقيمة 2 مليار دولار على الأقل خلال شهرين بعد الموافقة على منح مصر التمويل، ودعم خليجي بمليار دولار من الإمارات تمثل الشريحة الثانية من الوديعة الإماراتية لمصر، بعد وصول مليار دولار في يوليو 2016، إلى جانب الدعم السعودي المتوقع لمصر. وماذا عن شروط تعويم الجنيه؟ قرار التعويم مشروط بقدرة الحكومة على تأمين أربعة أشهر على الأقل من الفاتورة الاستيرادية للبلاد «20 مليار دولار»، وهو ما يمكن تحقيقه بعد الحصول على 2 مليار دولار، كقرض من الصين، و2 مليار دولار كقرض من المملكة العربية السعودية، و500 مليون دولار، كدفعة ثانية من قرض البنك الإفريقي للتنمية، والبالغ في مُجمله 1.5 مليار دولار، و2.5 إلى 3 مليارات دولار كشريحة أولى من قرض صندوق النقد الدولي، والبالغ في مجمله 12 مليار دولار، كل ذلك بالإضافة إلى السندات الدولارية، التي تبلغ 3 مليارات دولار. ما تأثير قرار تعويم الجنيه أو خفضه على المواطن البسيط؟ الخفض الجزئي لقيمة الجنيه أو التعويم الكلي للعملة المحلية مقابل الدولار يعقبه ارتفاع كبير في معدلات التضخم وزيادة الأسعار بشكل عشوائي لا يتحمله المواطنون، مما تترتب عليه زيادة معدلات الفقر واضطراب الأوضاع السياسية والاجتماعية، ولا يصب ذلك في صالح الاقتصاد بأي شكل. تحدثت عن التضخم وارتفاعه.. ما مصدره؟ مصدر التضخم يكمن في ارتفاع الطلب بسرعة، أو انخفاض العرض بنفس الدرجة أو في كليهما, فعندما يتجاوز نمو الأجور نسبة زيادة الإنتاجية أو عندما ترتفع تكلفة استيراد المواد الأولية كالنفط أو عوامل الإنتاج كرأس المال فإن مؤشر التضخم يرتفع بسرعة، فهذه الظاهرة لها صلة كبيرة بالاستهلاك والإنتاج من جهة وبالسياسة النقدية من جهة أخرى. ما الآثار المترتبة على عدم استقرار الأسعار في الوقت الحالي؟ استقرار الأسعار أمر في غاية الأهمية، وهو إشكالية كل السياسيات النقدية، حيث يعتبر أمرًا ضروريًّا لتحقيق العدالة في توزيع الدخل؛ نظرًا لما يجلبه عدم استقرار الأسعار من أثر سيئ في توزيع الدخل والثروة، وانعكاساته السلبية على الدائنين لانخفاض قيمة ديونهم، ولهذا منح الاقتصاد الإسلامي للاستقرار النقدي أهمية بالغة، حيث كان يعلق أهمية قصوى على الأمانة والعدل في جميع المعاملات، في حين أن التضخم يضر بالعدالة الاجتماعية والرفاهية العامة ويقلل من فاعلية النظام النقدي ويزيد من التفاوت في الدخل. كيف تفقد العملة قيمتها بالخفض أو التعويم؟ منفعة النقود تستمدها من القدرة على تحويلها إلى سلع، ولذلك يقال إن النقود قوة شرائية عامة، بمعنى أن من يحمل النقود يستطيع أن يحولها إلى سلع دون أن يفقد شيئًا من قيمتها، فأساس وظيفة النقود قيامها بدور الوسيط في عملية التبادل لاحتفاظها بقيمتها أو بقوتها الشرائية، بدلًا من عملية المقايضة التي كانت تستخدم في الماضي، أما إذا كانت النقود تفقد باستمرار من قيمتها وتتضاءل قوتها الشرائية مع الزمن، فإن ذلك يدفع الناس إلى البعد عن استخدامها، واكتناز السلع والأصول العينية. مجاراة لحديثك.. هل من الممكن العودة إلى المقايضة إذا فقدت النقود قيمتها؟ من المهم ملاحظة أن فشل النقود في قيامها بدورها كوسيط في المبادلات قد يؤدي إلى انهيار نظام المبادلات النقدية، والسقوط من جديد إلى نظام المقايضة، وهو ما يعني التراجع إلى أحد النظم الاقتصادية البدائية التي لا تتفق مع احتياجات العصر، فقدان الاستقرار في قيمة النقود يحرمها من القيام بدورها كمقياس للقيم وكوسيط في المبادلات، فالنقود هي الوسيلة الرئيسة للأفراد للاحتفاظ بثرواتهم من فترة إلى أخرى. وماذا سيحدث إذا لم يستطيع الفرد الاحتفاظ بثرواته عبر النقود؟ سيلجأ إلى التخلص من النقود واكتناز السلع بدلًا منها، حيث أن الاحتفاظ بالنقود يمثل خسارة مع مرور الوقت، وبطبيعة الحال فإن زوال دور النقود كمخزن للقيم لن يلبث أن ينعكس على سلوك الأفراد بالنسبة للادخار والاستثمار، فأداة الادخار والاستثمار الأساسية هي النقود، ومع استمرار تدهور قيمتها تتبدد القدرة على الحساب الاقتصادي وينصرف الناس تمامًا عن التفكير في المستقبل، وتتآكل المدخرات وبذلك ينهار أساس التقدم الاقتصادي. بالتأكيد يوجد تضخم مثلما أعلن عنه البنك المركزي المصري.. كيف يمكن للدولة وضع حل لمنع زيادة عملية التضخم؟ على الدولة تطبيق سياسة نقدية انكماشية لعلاج التضخم، بحيث تؤدى إلى خفض عرض النقود، مما يؤدي إلى ارتفاع سعر الفائدة ويستتبعه انخفاض الاستثمار، وبالتالي ينخفض الطلب الكلي. بالتأكيد يوجد تضخم مثلما أعلن عنه البنك المركزي المصري فكيف يمكن للدولة وضع حل لمنع زيادة عملية التضخم؟ لعلاج التضخم تقوم الدولة بتطبيق سياسة نقدية انكماشية، بحيث تؤدى إلى خفض عرض النقود والذي يؤدي إلى ارتفاع سعر الفائدة مما يستتبع انخفاض الاستثمار وبالتالي ينخفض الطلب الكلي.