(1) "قلت إن الشعب يحتاج لحد يقعد أمامه على المصطبة، ويبص في عنيه ويصالحه، وإن المصالحة دي عمرها ما هتبدأ إلا لو استمعت للي عنده مظلمة أو عنده مطلب، وخلينا نقول إن الخطاب اللى حصل حاليا، يعتبر أول قعدة، ولفت نظري أوي الفقرة العاطفية اللي قال فيها الرئيس حسني مبارك: إن حسني مبارك الذي يتحدث إليكم يعتز بما قدم لوطنه، فيه عشت، وحاربت من أجله، وعلى أرضه أموت.. دي قيمة أي إنسان مصري هترشق في قلبه، دخلت قلبي أنا شخصيا، لأن فعلا الراجل ده لا يُنكر دوره، سواء في حرب أكتوبر أو في ما أعقب حرب أكتوبر، صحيح إننا كلنا عندنا تحفظات على حاجات كتير أوي في عهده، لكن الآن نحن أمام التزام وعهد أنه لن يترشح مرة أخرى، ولدينا حاليا من المكاسب ما لم يكن يحلم بها أحد في مصر قبل أسبوع واحد، وحتى البدء في عملية الإصلاح يحتاج إلى وقت، والذي يطمئنني أنا شخصيا وجود شخصيين، هما: اللواء عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية حاليا، والفريق أحمد شفيق رئيس الوزراء حاليا، من زواية تم اختبارها، غير طبعا إنهم وطنيين مشهود لهم، إنهم مديرين ناجحين، ودي قيمة افتقدناها كثيرا لسنوات طويلة، وده محتاجينه جدا جدا". الكلام السابق للأستاذ يسري فودة، وهو واحد من أكثر الإعلاميين انحيازا لثورة يناير، قاله في مداخلية هاتفية مع زميلته ريم ماجد، بعد خطاب الرئيس الأسبق حسني مبارك في 1 فبراير 2011 مباشرة، والمعروف ب"الخطاب العاطفي"، إذ طالب "فودة" شباب الميدان بقبول التحاور مع مبارك للبدء في عملية الإصلاح.. وهذا لينك المداخلة. في وقت الأزمة، الأمة التي تفكر بعواطفها تغرق، ومن يحتكم إلى العقل ينجو. العاطفة مع الثورة والعقل مع الإصلاح. كيف يكون الإصلاح للخروج من أكبر أزمة مرت بها مصر منذ الاحتلال الإسرائيلي في 67؟ قبل أن نتحدث عن معالجة الأزمة علينا توصيفها، مصر الآن واقعة أسيرة لنظام حكم شمولي وفاشل، تعاني إرهابا وتدهورا اقتصاديا يسحق الفقراء، العدالة غائبة، ولعنة الدماء تطاردها، والاستقطاب في أعلى مراحله، والمجتمع لم يعد متماسكا، ولا ضوء في نهاية النفق. ألم يحن الوقت لنسأل أنفسنا: كم فرصة للإصلاح أهدرنا؟ وكم مرة كان في يدنا إدارة الثورة بالعقل لننتقل بها من مرحلة التظاهر إلى مرحلة السياسة؟ هل لو جاءتنا فرصة أخرى مع ترشح الفريق أحمد شفيق لانتخابات الرئاسة المقبلة سنضيعها؟ هل لدينا بديل غير شفيق ينقذ ثورتنا ممن خنق روحها إلى حد الاحتضار؟ (2) بعد عزل مبارك، عرفنا أن اللواء عبدالفتاح السيسي قدم مذكرة لقيادة القوات المسلحة، بصفته مديرا للمخابرات الحربية، يطلب الاستعداد للإطاحة بجمال مبارك إذا ما تولى الحكم، بحجة أن الشارع كان سيغضب ويثور على توريث الحكم. أليس من حقنا أن نسأل الآن: هل كان السيسي يطمع في الحكم من قبل اندلاع ثورة يناير؟ وإن كانت الإجابة "نعم"، فهل يمكن أن نتهمه بالسعي لإجهاض الثورة لأنها نادت بإبعاد القوات المسلحة وطالبت برئيس مدني؟ وتُرى لو كان جمال مبارك ضابطا في الجيش، هل كان سيقترح السيسي الاستعداد للإطاحة به إذا ما حدث التوريث؟ بعض ممّا تردّد سابقا، يقول إن القيادة العامة للقوات المسلحة لم تبد تجاوبا صريحا مع طرح السيسي هذا، وإن المشير حسين طنطاوي لم يكن يرغب في رفض ما يريده مبارك. بالتأكيد من كان يرفض أن تفرض الثورة شروطها بإبعاد القوات المسلحة عن الحكم، كان يرفض أن يصل إلى قصر الاتحادية أي من رجلي مبارك، عمر سليمان أو أحمد شفيق. هل تصدقون أن الحملة الانتخابية لمدير المخابرات الأسبق أخطأت في جمع 31 توكيلا انتخابيا، وهو سبب خروج سليمان من المنافسة على رئاسة الجمهورية؟ الأحداث التي تلت 11 فبراير 2011، تشير بأصابع الاتهام للرئيس عبدالفتاح السيسي، وتؤكد أنه ربما يعرف من هو "الطرف التالت"، هكذا يرى كثيرون. (3) * لماذا لم يعد شفيق إلى مصر؟ السؤال وجهته وسائل إعلامية كثيرة للفريق "المنفي" ومساعديه، والإجابة كانت تتمحور حول جملة ومعنى واضحين: "اسألوا من في السلطة؟"، فأسباب استمراره على قوائم المنع من السفر وترقب الوصول ليست مقنعة، وتأخير البت في الدعوى التي قدمها لرفع اسمه من القوائم ليس له ما يبرره. الأمر هنا يشير إلى أن من أمسك بزمام الأمور بعد الإطاحة بالإخوان، لا يريد عودة الفريق لمصر مرة أخرى. فتشوا جيدا وراء تقليل فرص حزب "الحركة الوطنية" الذي يتزعمه شفيق للدخول في منافسة حقيقية على مقاعد "مجلس النواب". هناك من كان يخشى أن يستحوذ رجال الفريق على عدد كبير من مقاعد البرلمان، وهذه مسألة يعرفها كثيرون ممّن تابعوا تفاصيل الانتخابات والتحالفات التي رافقتها. تذكروا جيدا أنه في وقت الأزمة، الأمة التي تفكر بعواطفها تغرق، ومن يحتكم إلى العقل ينجو. هل كان شفيق معاديا للثورة؟ ربما، وإن كنت شخصيا أشك، فقد صعد بفعلها إلى منصب رئيس الوزراء، ثم أصبح مرشحا ينافس بقوة على رئاسة الجمهورية، في فرصة لم يكن يحلم بها إذا استمر مبارك حتى انتهاء ولايته وتم سيناريو التوريث. من شاهد حلقة شفيق مع الروائي الدكتور علاء الأسواني، والإعلامي حمدي قنديل، ورجل الأعمال نجيب ساويرس، الآن وبعد هدوء عواطفه الثورية، سيكتشف أننا أمام شخص مختلف عمن نراهم الآن، قارنوا بينه وبين السيسي وهو يقول "مش عايز كلام في الموضوع ده تاني"، الظرف مختلف بالطبع، ولكن الطباع واضحة. يبدو المشير ديكتاتورا متعجرفا، والفريق أقل حدة واستبدادا وأكثر تواضعا. (4) هل يضمن أحدكم بقاء السيسي حتى انتهاء مدته الرئاسية الأولى في منتصف 2018؟ وهل القوى المدنية جاهزة – أو يمكن أن تجهز – بمرشح لها، ينافس في الانتخابات الرئاسية المقبلة بقوة، سواء أكمل السيسي مدته أو لم يكملها؟ لا القوى المدنية جاهزة، ولا يمكنها أن تجهز خلال الشهور الباقية، والأسباب كثيرة وأنتم تعلمونها. المعلومات حول نية "شفيق" الترشح في انتخابات الرئاسة المقبلة، صادقة تماما، وردّه على ما قاله عمرو أديب بأن الرجل يجهز حكومته وفريقه الرئاسي، لم ينف ولم يؤكد، فقط أرجأ الحديث في الأمر بجملة "الكلام سابق لأوانه". قبل أن نطرح بديلا علينا أن نعرف كيف نسوّقه للشعب، وهل نستطيع أن نخوض به انتخابات ستخوضها المؤسسة العسكرية بكل قوة؛ ليكسب مرشحها أيا كان اسمه، ومن ثمّ هل يمكن أن يكون شفيق مرشحنا، كتكتيك سياسي لننقذ الثورة من الوفاة الكاملة على يد المؤسسة الصلبة؟! (5) في الحديث عن الإصلاح، وبعيدا عن قدر السخرية الذي أحاط بالجملة الشهيرة "بسم الله الرحمن الرحيم الإجابة تونس"، تبدو هي الحل وبارقة الأمل الذي يمكننا تلمّسه في السيناريو المصري، فماذا فعلت تونس؟ لجأت إلى أحد رموز النظام القديم ورجال زين العابدين بن علي ليقود عملية التطهير، بعدما فشل التحالف الإسلامي اليساري "المرزوقي والغنوشي"، والحقيقة المجرّدة أن انتخاب الباجي قائد السبسي رئيسا لتونس، جنّبها ويلات كثيرة تعاني منها مصر الآن. هل نتنازل قليلا عن حسّنا الثوري العاطفي، ونعتبر الفريق شفيق هو الباجي المصري؟ في حلقة "أون تي في" سالفة الذكر، سأل علاء الأسواني الفريق شفيق قائلا: "بقالنا شهر، فيه ظابط واحد اتقدم للمحاكمة بتهمة قتل الثوار؟" فأجاب الفريق: "يا أفندم النائب العام بيحقق، اسأله". الآن يحق ل"شفيق" أن يرد السؤال: "بعد أكثر من 5 سنوات، هل أُدين أي ضابط؟!" ربما ترى أن نظام السيسي امتداد لنظام مبارك، وهنا أدعوك أن تحصي 3 أدلة منطقية مثلا على ذلك، ولن تجد، لو كنت قارئا جيدا للأحداث. (6) "25 يناير لن تتكرر مرة أخرى، الأوضاع الاقتصادية قد تؤدي لمظاهرات مثل 1977، وإن رحل السيسي أعتقد أن البديل سيكون من داخل الجيش، لأنه لا توجد معارضة مدنية حاليًا".. هكذا قال المفكر الفرنسي آلان جريش، رئيس تحرير "لوموند دبلوماتيك" السابق، في حوار مع "المصري اليوم" قبل أيام قليلة. أتفق مع "جريش" تمامًا، لكن لو حدثت اضطرابات مجتمعية هل ستفضي إلى نتائج ترضينا؟ أشك. أعرف أن الحقيقة مُرّة، وأنه علينا تجرّع السمّ ونحن نعترف أننا فشلنا في إنقاذ ثورتنا، وأن عدوها الحقيقي تمكّن من سحقها وسحقنا معها. سيترشح "شفيق" للرئاسة، وربما يكون طوق النجاة لهذه الثورة. إن لم تستعدوا بالبديل فاحتكموا للعقل، اسألوا أنفسكم ماذا نحتاج من الرجل، سوى إقرار العدالة ومحاربة الفساد وإقرار الديمقراطية؟ عندما سأله يسري فودة في حلقة "أون تي في": "هل أنت مع تحقيق مطالب الثورة؟" أجاب: "بالطبع"، فسأله ثانية: "وما هي الأولويات؟"، قال: "الديمقراطية، ثم الالتزام، وأن يكون الجميع على قدر المسؤولية لنخلق تربة تحتضن أي قيمة نزرعها فيها". تذكروا أنه في وقت الأزمة، الأمة التي تفكر بعواطفها تغرق، ومن يحتكم إلى العقل ينجو، واسألوا أنفسكم، هل لدينا بديل ندفع به؟ وهل لدينا وقت وكفاءة لنعيد بناء صفوفنا استعدادا لمواجهة جديدة؟ أليس من الممكن أن يكون شفيق البديل الوحيد المناسب أمامنا؟.