يبدو أن الولاياتالمتحدة تحاول الدفع بحلفائها لتنفيذ أهدافها في سوريا عبر بوابة مجلس الأمن الدولي، بعد سلسلة التخبط والفشل على المسارين التفاوضي والعسكري، خاصة أن روسيا أصبحت صاحبة الكلمة العليا في سوريا. أعلن مجلس الأمن الدولي، أمس الثلاثاء، أنه يدرس مشروع قرار فرنسي لوقف إطلاق النار في مدينة حلب شمال سوريا، وإنهاء جميع الطلعات الجوية العسكرية فوق المدينة، حيث وزع المشروع على أعضاء مجلس الأمن في عطلة نهاية الأسبوع، بناء على اقتراح من وزير الخارجية الفرنسي، جان مارك أيرولت، الذي قال إنه يعمل على تقديم قرار لمجلس الأمن بشأن وقف إطلاق النار في حلب، وأي دولة تعارضه تُعتبر متواطئة في جرائم حرب، ومن المفترض أن يتم التصويت عليه هذا الأسبوع. يهدف المشروع وفق دبلوماسيين إلى تشجيع التعاون بين روسياوالولاياتالمتحدة حول وقف النار في سوريا، ويهدد باتخاذ إجراءات إضافية في حال لم تلتزم الأطراف بوقف إطلاق النار، إلا أنه لا يدعو إلى تفعيل الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة الذي يسمح بفرض عقوبات أو استخدام القوة العسكرية. كما يدعو نص المشروع، الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، إلى الإسراع في تقديم خيارات لوضع آلية مراقبة لوقف إطلاق النار بمساعدة من الدول ال23 التي تدعم عملية السلام في سوريا، ويطالب مشروع القرار جميع أطراف النزاع السوري وخاصة السلطة بالتطبيق الفوري لجميع التزاماتها بموجب القانون الدولي، كما يطالب جميع الأطراف إلى التطبيق الكامل لوقف الأعمال القتالية، بما فيها عمليات القصف الجوي، ويدعو روسياوالولاياتالمتحدة إلى ضمان التطبيق الفوري لوقف الأعمال العدائية، ابتداءً من حلب، ولتحقيق ذلك إنهاء جميع الطلعات العسكرية فوق المدينة. المشروع الفرنسي لم يلق قبولًا لدى السلطات الروسية، حيث أكدت موسكو أنها تعتبر مشروع القرار الفرنسي في مجلس الأمن حول سوريا أحادي الجانب ومتحيزًا لاحتوائه عناصر لا علاقة لها إطلاقا بالمسألة الإنسانية، لا سيما فقرة الكيماوي السوري، وأنها ستعرض مشروع قرار بذات الشأن خلال ترأسها مجلس الأمن في أكتوبر الجاري. وقال نائب وزير الخارجية الروسي، غينادي غاتيلوف: "القرار يثير لدينا أسئلة كثيرة، نحن من حيث المبدأ لا نؤيد مثل هذه الخطوات المسيسة التي تهدف إلى استخدام مجلس الأمن الدولي لتقديم مزيد من الضغط على سورياوروسيا"، مضيفا: "يحتوي مشروع القرار الفرنسي عرضًا بخصوص إنشاء ما يشبه الرقابة على تنفيذ الالتزامات الإنسانية، لكن مرة أخرى، ما الداعي لإنشاء رقابة ما بتكليف وأهداف غير واضحة، في الوقت الذي تعمل فيه بالفعل مجموعة عمل للشؤون الإنسانية في جنيف منذ فترة طويلة؟ وتناقش كل هذه المواضيع، من مسائل إيصال المساعدات الإنسانية وغيرها". ولفت غاتيلوف إلى نقاشات حادة ونشطة تجري حاليًا بين روسياوالولاياتالمتحدة بخصوص الشأن السوري، وأن موسكو تحاول الاتفاق مع واشنطن حول إجراءات استئناف وقف إطلاق النار في سوريا، متابعا أن اتفاق ال9 من سبتمبر يعطي إمكانية جيدة لهذا الأمر، فيما قال السفير الروسي في الأممالمتحدة، فيتالي تشوركين، إن المشروع الفرنسي ليست لديه أية فرصة في النجاح. وتأتي مناقشة مجلس الأمن الدولي مشروع القرار الفرنسي في الوقت الذي طالب فيه مجلس التعاون الخليجي، الأممالمتحدة بالتدخل في سوريا لوقف الهجمات الجوية على حلب، مؤكدا أنها أدت إلى مقتل مئات المدنيين، وأوضح المجلس، الذي يضم السعودية والإمارات والبحرين والكويت وعمان وقطر، أن الهجمات التي تشنها الحكومة السورية على المدينة تدمر بصورة ممنهجة مناطق المدينة، وتمثل تعديًا صارخًا على القوانين الدولية. الخطوات الفرنسية المتناغمة مع نظيرتها الخليجية تشترك في الكثير من النقاط، أهمها أن الطرفين يعتبران من حلفاء واشنطن الأساسيين، وبينهما اتساق في المواقف فيما يخص الشأن السوري والمعارك الدائرة هناك، وحتى مستقبل الرئيس السوري، بشار الأسد، الأمر الذي يوحي بأن هذه التحركات الخليجية الفرنسية لم تكن بعيدة عن الخطط الأمريكية ولم تكن لفرنسا أو مجلس التعاون ليتخذها دون علم الإدارة الأمريكية، إن لم يكن بتحريض منها، ما يعني أن واشنطن عندما فقدت الأمل في الوصول إلى أهدافها في سوريا أو على الأقل في مدينة حلب، بدأت تلجأ لأوراق ضغط أخرى على روسيا حتى تجبرها على تغيير موقفها الداعم للجيش السوري في معركة حلب التي تتخوف منها واشنطن، على اعتبار أنها آخر معقل للتنظيمات المسلحة. ومن المُستبعد في الوقت نفسه أن تستطيع فرنسا أو مجلس التعاون الخليجي أو حتى أمريكا أن تجبر روسيا على وقف عملياتها العسكرية في سماء حلب، فعلى فرض وافق مجلس الأمن صوت على مشروع القرار الفرنسي، فإن روسيا تملك حق الفيتو الذي سيمكنها في من إحباط المخططات الأمريكية التي تروج لها دول الخليج وفرنسا. ويرى مراقبون أن التحركات الفرنسية والخليجية في مجلس الأمن، تأتي بعد أيام من تصريحات وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، أثناء اجتماع بعدد من المعارضين السوريين، التي اعترف فيها بعدم وجود مظلة قانونية لتواجد أمريكا في سوريا، على عكس روسيا التي طلبت منها السلطات السورية التدخل في المعركة بشكل رسمي، الأمر الذي يوحي بأن واشنطن بدأت تبحث عن مظلة قانونية تشرعن بها تدخلها في سوريا، من خلال قرار مجلس الأمن حول مشروع القانون الفرنسي.