في مارس قبل 3 سنوات، اتفقت الصينوباكستان على إنشاء ممر اقتصادي يعد من أكبر الممرات في العالم، يربط مدينة كشغار الصينية شمال غربي الصين، بميناء جوادار، مرورا بجبال كاراكورام وولاية بلوشستان الباكستانية، ويقدر طوله بأكثر من ألفي كيلومتر، ووصف بأنه خطة طويلة الأجل لتعزيز التجارة بين البلدين، وترغب الدولتان أن يعزز الممر النمو الاقتصادي وأن يقلص وقت النقل. مشروع الممر الاقتصادي شمل 30 اتفاقية تبلغ قيمتها حوالي 46 مليار دولار، من بينها 28 مليارًا لمشاريع بنية تحتية، تتضمن تمويلا قيمته 4.3 مليار دولار قدمه البنك الصناعي والتجاري الصيني، لبناء محطة طاقة كهروضوئية بقدرة 900 مليون واط مع شركة "زد. تي. ش. إي" للطاقة، وكذلك مد شبكات طرق وسكك حديدية وخطوط أنابيب للنفط. كما يهدف الممر لتعزيز الاتصال عبر باكستان من خلال شبكة من الطرق السريعة والسكك الحديدية وخطوط الأنابيب مصحوبة بالطاقة والمشاريع الصناعية وغيرها من مشاريع تطوير البنية التحتية لمعالجة نقص الطاقة الأساسية في باكستان. ويثير الممر الاقتصادي تخوفات لدى كثير من الدول ويلقى معارضة مبطنة من قبل العديد من دول العالم، كونه يمثل محورًا مهمًا في العلاقات الباكستانيةوالصينية ويعزز من وضع التنين الصيني كقوة اقتصادية هائلة، إذ تسعى الصين لأن يكون الممر نقطة عبور استراتيجية تسمح لصادراتها بالوصول إلى أسواق الشرق الأوسط بسرعة أكبر. في الوقت نفسه، يعاني إقليم بلوشستان، الذي يمر عبره الممر الاقتصادي من فقر مدقع، ويشهد منذ 2004 حركة تمرد انفصالية تهدف إلى السيطرة على ثروات النفط والغاز والمعادن الكبيرة فيها، كما أنه منذ فترة يعاني من وضع أمني مزر، ويشهد عمليات إرهابية كبيرة آخرها تفجيرات بلوشستان التي أوقعت أكثر من 100 قتيل في أغسطس الماضي، وأعلن مسؤوليته عنها تنظيم داعش الإرهابي وحركة طالبان. من جانبها، تعهدت الصين مرارا بضمان أمن الممر، وقال الجنرال فان شونغلونغ، نائب رئيس اللجنة العسكرية المركزية الصينية، أثناء زيارة له لباكستان أواخر العام الماضي لاستلام شركة صينية مئات الهكتارات المخصصة لبناء منطقة حرة داخل الممر، إن الصين "مرتاحة للتعاون الوثيق لضمان إدارة جيدة وأمن جيد للممر الاقتصادي الصينيالباكستاني". ويقول محللون إن هناك أسبابا أدت إلى إثارة القلق والخوف من قبل بعض الدول نتيجة إنشاء هذا الممر، فالهندوالولاياتالمتحدةالأمريكية تشعران بقلق متزايد من الجرأة الصينية، إذ لم تنس نيودلهي، التي تنافس الصين في تلك المنطقة، أن الصين استولت على إقليم التبت في حرب الستينات. رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، ومسؤولون آخرون، بعثوا بشكاوى إلى بكين، احتجاجا على المشاريع الحالية والمقترحة لأنها تعمل في الأراضي التي تطالب بها الهند، كما أن لدى الولاياتالمتحدة مخاوف طويلة الأجل إزاء الممر الاقتصادي الذي تعتبره طليعة التوسع الصيني في أوراسيا، وهي المنطقة التي تشهد تنافسا شديدا بين واشنطنوبكين على المصالح الحيوية في مجال الطاقة والنقل البري والبحري، وتمثل مشروعات الممر الصينيالباكستاني، أحد أهم أسباب القلق الأمريكي، فمن شأنها أولا منح الصين موطئ قدم في مناطق نفوذ مهمة، ترى فيها الولاياتالمتحدة مجالاً حيويًّا لها لا يجوز الاقتراب منه. كما أن الممر من شأنه دعم الصين سياسيًا في مناطق جنوب آسيا، فبعيدًا عن النفوذ الاقتصادي الواسع، قد يستخدم هذا الأمر في الأزمات السياسية بين الصين وأمريكا في المنطقة، فبينهما أزمة بشأن توسع الصين في مناطق شرقي آسيا، وأهم ملامحها أزمة بحر الصينالجنوبي، حيث قامت بكين بتعزيز تواجدها العسكري في بحر الصينالجنوبي، وخصوصًا في البحر والمجال الجوي حول جزر سبراتلي المتنازع عليها بين عدد من دول الإقليم والصين، ضمن مناطق أخرى هناك، ردًّا على حكم أصدرته هيئة تحكيم في لاهاي، في 12 يوليو الماضي، في الطعن الذي تقدمت به الفلبين بشأن حق الصين في استغلال الموارد الطبيعية في تلك المناطق، وهو ما انتقدته الولاياتالمتحدة علنًا. ومع التقارب الباكستاني نحو الصين، أكد مراقبون أن هناك ميلا في واشنطن للتنافس على النفوذ في إسلام أباد، ويقول إيان برايس، محلل في الشؤون الصينية، إن هناك شكوكا بأن الولاياتالمتحدة ستستخدم الوضع الأمني الصعب للنيل من هذا المشروع، وأكد أن إضافة الولاياتالمتحدةالأمريكية لجماعة المجاهدين الأحرار، وهي فصيل من حركة طالبان الباكستانية، إلى قائمة الإرهاب، في يوليو من هذا العام، إثر تحملهم لمسؤولية الانفجار الفاشل الذي وقع في مانهاتن، ساهم في الضغط عليهم لترك باكستان والاستقرار في المناطق التي يقام فيها مشروع الممر، مؤكدًا أن هذا جزء صغير من الاستراتيجية الكبرى التي خلقت نوعا من القلق بالنسبة للمؤسسة الأمنية في إسلام أباد والمسؤولين في بكين على حد سواء، حيث من المتوقع أن تكلف الطرفين خسائر مالية هامة تقدر بمليارات الدولارات، خاصة في ضوء العلاقة المتوترة بين واشنطنوباكستان والرغبة المتزايدة في تقييد توسع الصين. بسبب تدهور الأوضاع الأمنية والإرهاب في بلوشستان، تزايدت مخاوف كل من باكستانوالصين من خسارة المليارات إذا ما تم تأجيل أو التراجع عن إنجاز مشروع الممر الاقتصادي، حيث يعزى السبب وراء تدهور الأوضاع الأمنية في بلوشستان إلى الهجمات التي شنتها الولاياتالمتحدة وحلفاؤها في شرق أفغانستان ضد حركة طالبان الباكستانية وغيرها من الجماعات الإرهابية، وفي هذا الإطار تساءل برايس: هل الخطوات الأخيرة لواشنطن محض الصدفة لكبح جماح الإرهاب، أم أنها كانت خطوة محسوبة مسبقا من قبل الولاياتالمتحدة بهدف إبقاء باكستانوالصين تحت أنظارها؟، وتابع: عندما ضمت الولاياتالمتحدةالأمريكية حركة طالبان الباكستانية إلى قائمة الإرهاب العالمية، فهي بالطبع وسّعت بشكل كبير خيارات واشنطن في التعامل مع المنظمة، وبالفعل، شنتت الولاياتالمتحدة هجمات بواسطة طائرات دون طيار ضد جماعات طالبان، ونتيجة لهذه الضربات فإن العديد من المتشددين اتخذوا من بلوشستان مكانا لهم.