ضربت كوريا الشمالية بكل نداءات وإدانات وانتقادات دول العالم عرض الحائط، وكأن هذه النداءات والانتقادات لم تصل من الأساس إلى مسامعها، حيث فاجأت العالم أمس الجمعة بإجراء تجربة نووية هي الخامسة من نوعها، وتشيد بنجاحها النووي وسط عجز دولي عن الرد على تحدي بيونج يانج. تجربة نووية جديدة أكدت كوريا الشمالية إجراء خامس تجربة نووية لها، حيث قال التليفزيون الكوري الشمالي إن "علماءنا النوويين أجروا اختبارًا لانفجار ذري لرأس نووي حديث في موقع الاختبارات النووية في شمال البلاد"، وأضاف أن حزبنا يوجه رسالة تهنئة إلى علمائنا النوويين لإجرائهم تجربة ناجحة لتفجير رأس نووي، إذ إنها ستمكّن بيونج يانج من إنتاج أي عدد ترغب فيه من الرؤوس الحربية النووية المتنوعة والصغيرة والأخف وزنًا، ذات القوة التدميرية الكبيرة. التجربة الكورية الشمالية وإن كانت قد هددت بها حكومة بيونج يانج سابقًا، إلا أن تنفيذها شكل مفاجأة أدهشت العالم من قدرة هذه الدولة على تحدي المنظمات والدول الغربية وجيرانها بهذا الشكل غير المعقول، حيث سبق أن التقطت الأقمار الصناعية صورًا أظهرت في الآونة الأخيرة نشاطًا ملحوظًا في موقع التجارب النووية لكوريا الشمالية، الأمر الذي أثار العديد من الإدانات والتهديدات من بعض الدول الجارة للشمالية، وبعض المنظمات والهيئات الدولية أيضًا وعلى رأسها مجلس الأمن. ردود فعل دولية فور إعلان التليفزيون الكوري الشمالي إجراء تجربة نووية ناجحة، انهالت الانتقادات والإدانات من دول العالم، وكانت أقربها جارتها كوريا الجنوبية، حيث اعتبرت أن التجربة النووية التي أجرتها الشمالية الأقوى، وتسببت في هزة أرضية بلغت شدتها 5,3 درجات، واستخدمت فيها رأسًا نوويًّا واحدًا، وأعلنت رئيسة كوريا الجنوبية، بارك غون هَيْ، أن كوريا الشمالية أجرت تجربة نووية جديدة، متحدية في ذلك قرارات مجلس الأمن والمجتمع الدولي. في ذات السياق قال مسؤول في وزارة الدفاع الكورية الجنوبية إن بلاده تقدر قوة الانفجار الناجم عن تلك التجربة بحوالى 10 كيلوطن، مؤكدًا أنه أقوى انفجار يقوم به الشمال حتى أمس، وأوضح المعهد الأمريكي للرصد الجيولوجي أنه رصد الانفجار قرابة الساعة 12 و30 دقيقة بتوقيت جرينتش الجمعة قرب المكان الذي سبق لكوريا الشمالية أن أجرت فيه تفجيرات نووية في الماضي، مضيفًا أن الانفجار وقع قرب سطح الأرض وليس في أعماقها. في الوقت نفسه قررت اليابان فرض مزيد من العقوبات على بيونج يانج، وأكد رئيس الوزراء الياباني، شينزو آبي، أن التجربة غير مقبولة إطلاقًا، فيما قالت وكالة الأرصاد الجوية اليابانية إن الموجة التي سجلت مع الهزة الأرضية مختلفة عن تلك التي ترصد عند وقوع زلزال طبيعي. بدورها طالبت الصين بضبط النفس بعد التجربة النووية لكوريا الشمالية، وأشارت بكين إلى أنه ليس من مصلحة أحد أن تشهد شبه الجزيرة الكورية حالة من الفوضى أو الحرب بعد تجربة كوريا الشمالية، وبدأت وزارة البيئة الصينية بشكل عاجل عملية لمراقبة الإشعاع في المناطق الحدودية في شمال شرق البلاد، وقالت وزارة الخارجية الصينية إن كوريا الشمالية أجرت مجددًا تجربة نووية على الرغم من المعارضة العامة للأسرة الدولية، مؤكدة أنها تجربة تعترض عليها الحكومة الصينية بشدة، ودعت الخارجية الصينية بقوة الجمهورية الشعبية الديمقراطية الكورية إلى احترام التزاماتها في الحد من انتشار السلاح النووي، وتطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي في هذا المجال، والامتناع عن أي عمل يمكن أن يؤدي إلى تدهور الوضع. الوكالة الدولية للطاقة الذرية اعتبرت أيضًا التجربة الشمالية مقلقة جدًّا ومؤسفة، حيث رأى المدير العام للوكالة، يوكيا أمانو، أن التجربة تشكل انتهاكًا فاضحًا لعدد من قرارات مجلس الأمن الدولي، وازدراء كاملًا للطلبات المتكررة للأسرة الدولية، مؤكدًا أنها عمل مقلق جدًّا ومؤسف، فيما أعلن مجلس الأمن الدولي أنه سيعقد اجتماعًا طارئًا بشأن كوريا الشمالية. أمريكا التي طالما نددت بتجارب كوريا الشمالية النووية، اعتبرت أن تصرفات كوريا الشمالية استفزازية، حيث حذر الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، من عواقب خطيرة جراء هذه التجربة، وقال المتحدث باسم الرئاسة الأمريكية، جوش إرنست: إن أوباما سيواصل مشاوراته مع حلفائنا وشركائنا في الأيام المقبلة؛ للتأكيد على أن التصرفات الاستفزازية لكوريا الشمالية ستنجم عنها عواقب خطيرة، وأوضح إرنست أن الرئيس الأمريكي، الذي تم إبلاغه بالوضع بينما كان على متن الطائرة الرئاسية عائدًا من زيارة لآسيا، أجرى مشاورات مع الرئيسة الكورية الجنوبية، بارك غون هي، ورئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، في اتصالين هاتفيين منفصلين، لافتًا إلى أن "أوباما أكد التزام الولاياتالمتحدة الثابت بأمن حلفائنا في آسيا والعالم". في الوقت نفسه أعلن مجلس الأمن القومي الأمريكي التابع للبيت الأبيض أنه بصدد تحليل الانفجار، وقال المتحدث باسمه، نيد برايس: نحن على علم بحصول نشاط زلزالي في شبه الجزيرة الكورية في محيط موقع كوري شمالي معروف لإجراء التجارب النووية، مضيفًا في بيان له: نحن نواصل مراقبة الوضع وتقييمه بتنسيق وثيق مع شركائنا الإقليميين. فيما أعرب وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، ونظيره الأمريكي جون كيري، عن قلقهما إثر التجربة النووية، وأعلنا أنهما سيحيلان الأمر إلى الأممالمتحدة، وأكد كيري، خلال تصريحات أدلى بها في جنيف قبل بدء مباحثاته مع لافروف حول الأزمة السورية، أنه أجرى مباحثات جدية حول هذه التجربة مع اليابانوكوريا الجنوبية. من جانبها أعلنت الرئاسة الفرنسية أن الرئيس، فرنسوا هولاند، يدين بقوة التجربة النووية الكورية الشمالية، ودعت مجلس الأمن الدولي إلى النظر في هذا الانتهاك ، وجاء في بيان الإليزيه أن الأسرة الدولية يجب أن تتحد في مواجهة هذا الاستفزاز الجديد، الذي يأتي بعد إدانة مجلس الأمن الدولي بالإجماع للتجارب البالستية التي أجرتها كوريا الشمالية. تاريخ بيونج يانج النووي تملك كوريا الشمالية تاريخًا نوويًّا طويلًا جعلها محط الأنظار والترقب والقلق العالمي، حيث بدأ تاريخها النووي عام 1993، عندما طالبت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتفتيش مواقع يشتبه أنها تحتوي على نفايات نووية، وفي عام 1994 انسحبت كوريا الشمالية من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في عام 2005 أعلنت بيونج يانج أنها تمكنت من تطوير أول سلاح نووي، وفي أكتوبر 2006 أجرت كوريا الشمالية أول تجربة نووية تحت الأرض، وفي مايو 2009 أجرت كوريا الشمالية التجربة النووية الثانية، ليأتي العام التالي وتكشف للخبراء الأجانب عن منشأة مخصصة لتخصيب اليورانيوم. شهد فبراير عام 2013 التجربة النووية الثالثة لبيونج يانج، والتي اعتبرت الأقوى حينها، حيث حررت كمية من الطاقة تقدر بما بين 6 و9 كيلوطن، وتلاها في عام 2015 إعادة تشغيل المفاعل النووي يونغ بيون، وكانت آخر تجاربها النووية في يناير الماضي، عندما أعلنت أنها أجرت اختبارًا نوويًّا تحت الأرض في موقع الاختبار النووي "بونغ كيه-ري"، وأفادت وكالة المسح الجيولوجي للولايات المتحدة بوقوع زلزال بقوة 5.1 ريختر في موقع الانفجار. هذه التجارب النووية قد تؤدي إلى تصعيد حدة التوتر وتفعيل الأنشطة العسكرية في المنطقة وتفجير صراع تسليح غير مسبوق بين العديد من الدول.