تمر مصر خلال الفترة الحالية بظروف اقتصادية أقل ما توصف ب«السيئة»، تذكرنا ب«الكساد الكبير», الذي حدث للولايات المتحدةالأمريكية في أوائل القرن الماضي عام 1929 م، الذي بدأ بانهيار سوق الأسهم الأمريكية، وأثرت الأزمة بشكل كبير على معظم البلاد نظرا لانخفاض التجارة العالمية، وانهار متوسط الدخل الفردي، وهبوط أسعار المحاصيل الزراعية حوالي 60 %، ما أثر على المزارعين. المعروف في علم الاقتصاد أن حدوث الأزمات في الدول الرأسمالية يعود إلى رفض النظام الحر تدخل الدولة للحد من نشاط المستثمرين في السوق، فيصبح أصحاب رؤوس الأموال أحرارا في كيفية استثمار أموالهم، وأصحاب الأعمال أحرارا فيما ينتجون كما ونوعا، كما أن إدخال الآلة في العملية الإنتاجية من شأنه إضعاف الإنتاج وتقليل الحاجة إلى الأيدي العاملة، وبذلك فإن فائض الإنتاج يحتاج إلى أسواق للتصريف، وعندما لا يجد سبلا لذلك تحدث فوضى اقتصادية تكون نتيجتها الحتمية أزمة. أمريكا «روزفلت» الولاياتالمتحدةالأمريكية لما تبدأ في التعافي إلا بعد وضعها سياسة جديدة، كانت على يد الرئيس فرانكلين روزفلت عام 1933؛ من خلال الابتعاد عن سياسة السوق الحر والاتجاه إلى الاقتصاد الموجه، حيث استهدف الدخول في مشاريع كبرى بأكبر قدر الهدف منها القضاء على البطالة تدريجياً وأنشأ مكاتب توظيف لهذه المشاريع. وأصدر «روزفلت» قوانين من شأنها تحقيق الاستقرار في قطاع الزراعة، وقانون الإصلاح الصناعي عام 1933، وتصحيح استخدام الأوراق المالية من خلال إنشاء لجنة تبادل الأوراق المالية عام 1934، ما جعل الشعب الأمريكي يثق في الاقتصاد مرة أخرى، ووضع الأموال والذهب في البنوك نتيجة حث الرئيس لهم للنهوض بالاقتصاد. ولجأ الرئيس الأمريكي إلى سحب الودائع الخاصة ببلاده من المصارف العالمية، لتتصدر الأزمة من بلاده إلى أوروبا, في المقابل، أسهم هذا القرار في انفراجة الأوضاع الاقتصادية بالولاياتالمتحدة، واستغرق برنامج «روزفلت» سنوات قليلة في تنفيذه، ولم يحمل شعبه أي شيء في الأزمة، بل على العكس، سن قانون ينص على إرسال مساعدات للشباب العاطلين عن العمل مابين سن 18 إلى 25 عاما. مصر «السيسي» وبعد مرور 83 عاما، انتقلت الأزمة هذه المرة إلى مصر نتيجة انحرافات اقتصادية كبيرة في الأربعين عاما الماضية، فاليوم تعاني مصر من انهيار عملتها المحلية، ما جعل محافظ البنك المركزي يلمح إلى إمكانية لجوء الدولة إلى تعويم الجنيه، الأمر الذي أثر بالسلب على الأسعار وشهدت عدة ارتفاعات متتالية، فجعلت متوسط الدخل الفردي يقل بنسبة 30 % على الأقل كما حدده عدد من الخبراء الاقتصاديين. شرع الرئيس السيسي في تطوير شكة الطرق بحجة جذب الاستثمار, وأسند الأمر إلى القوات المسلحة بعيدا عن المدنيين، ما قلص فرص العمل، كما لم لم تأت الاستثمارت التي كان ينتظرها؛ نتيجة روتين إداري وعدم استقرار سياسي واقتصادي. لم يجد السيسي حلولا سوى تخفيض عدد الموظفين في الدولة, وإعلان البنك المركزي طرح أصول الدولة في البورصة، ما فسره الخبراء ببيع ممتلكات الدولة، والاتجاه لمشاريع لم تحقق الغرض منها وكان يمكن تأجيلها، كمشروع قناة السويس الجديدة، الذي أنهك الاقتصاد لاعتماده على إيداعات بنكية من المصريين أنفسهم، بالإضافة إلى مشروع استطلاح المليون فدان، الذي لم تظهر أي نتائج له حتى الآن. الرئيس اختار الحلول الأسهل ظاهريا، لكن لها تبعات كارثية؛ مثل الاقتراض من صندوق النقد ومن عدة دول خليجية، التي يتحملها الأجيال القادمة، وكان يمكن أن تسن قوانين تجنبها "شبه الانهيار الاقتصادي" كالضرائب التصاعدية، وضريبة الأرباح على البورصة، وضرائب على الممتلكات التي تتخطى المليون جنيه، وإقرار قانون التأمين الصحي الشامل إجباري، كلها حلول سريعة كما أكد خبراء الاقتصاد. كيف تصرف الرئيسان؟ أراد «روزفلت» إنقاذ الولاياتالمتحدةالأمريكية من التضخم، فلجأ إلى تحويل الاقتصاد من حر إلى موجه، بتنفيذ ما يحتاجه الشعب, عن طريق تحريك الاقتصاد بأموال الشعب ودين داخلي أمريكي، وأقام المشروعات عن طريق شركات قومية وخاصة، فدارت عجلة رأس المال. في المقابل، حاول الرئيس السيسي تحريك الاقتصاد، فلجأ إلى الدين الداخلي والخارجي بشكل مبالغ فيه، وأسند ي المشاريع إلى القوات المسلحة لسرعتها في تنفيذ ما يطلبه، لكنه تغافل دورة رأس المال، ما أثر بالسلب وازداد التضخم.