\r\n وقد رد فرانكلين روزفلت, الذي اصبح رئيسا للولايات المتحدة في اذار 1933 على ذلك ب ̄ \"البرنامج الجديد\", غير ان الاقتصاد الامريكي لم يتعاف معافاة حقيقية الى ان دخلت الولاياتالمتحدة الحرب العالمية الثانية. \r\n \r\n وبرنامج روزفلت الجديد عبارة عن ملخص لمجموعة كبيرة من البرامج الحكومية الذي طرحه روزفلت في الفترة الواقعة بين 1933 و 1938 والبرنامج الجديد ذاته ينطلق اساسا من خطاب روزفلت في مؤتمر الحزب الديمقراطي, المنعقد في شيكاغو عام ,1932 الذي قبل فيه ترشيح الحزب للرئاسة, وتعهد فيه بوضع \"برنامج جديد للشعب الامريكي\", واشتملت الاجراءات المتنوعة لذاك البرنامج على دعم الصناعة المصرفية المنهارة, واصلاحها, وانشاء مؤسسة جديدة لتنظيم السوق المالي, واجراءات تدعيم الاجور والاسعار, وخلق مشاريع عديدة للتوظيف العام, ووضع - وربما هذا هو الاهم بينها جميعها - نظام الضمان الاجتماعي \"المعادل الامريكي للتأمين الوطني في بريطانيا\". \r\n \r\n لدى اخذ هذه الاجراءات مجتمعة, يتبين انها لا تشكل فقط \"برنامجا جديدا\" لمساعدة الانسان الامريكي العادي, بل انها دشنت ايضا مرحلة جديدة من التفعيل الحكومي من حيث تدخل الادارة في الاقتصاد وتنظيمه. ذلك ان العديد من البرامج الجديدة ما تزال قائمة, وتعتبر جزءا من شبكة امان حتى لا يجرؤ على المساس بها اكثر اليمينيين المدافعين عن سياسة عدم التدخل الحكومي في الاقتصاد داخل الولاياتالمتحدة. \r\n \r\n من المستحيل اليوم تصور الازمة الاقتصادية التي عصفت بالولاياتالمتحدة وغيرها من البلدان اوائل ثلاثينيات القرن الماضي, اذ كان محتوما وقوع نوع من الكساد بعد انهيار فقاعة المضاربات في عام 1929 (بسبب الارتفاع المفرط لاسعار الاسهم, وليس بسبب ارتفاع اسعار البيوت والعقارات كما جرى بين 2000 و 2006\" غير ان الانكماش تفاقم اكثر بضربة مقابلة من الحرب التجارية الدولية, التي ابتدأت \"بقانون سموت - هاولي\" المشؤوم لعام ,1930 الذي انعش تعرفة الاستيراد الامريكي, ونتيجة فشل بنك الاحتياط الفيدرالي \"البنك المركزي الامريكي\" في ضخ السيولة النقدية في النظام الاقتصادي, وبالتالي منع حدوث المصائب لدى البنوك. ولما تسلم روزفلت السلطة, كانت نسبة البطالة بين الامريكيين 25 بالمئة تقريبا, والقطاع الزراعي في حالة دمار كامل, بينما كان الانتاج الصناعي ادنى بنسبة 30 بالمئة عنه قبل الانهيار. لهذا كان لا بد من القيام باجراءات صارمة لاستعادة الثقة, وعلى درجة لا يمكن لغير الحكومة القيام بها. \r\n \r\n في الولاياتالمتحدة الكثير من النظائر السياسية. ففي السابق, كما هو الان, كانت الهيمنة الطويلة للجمهوريين تقترب من نهايتها. فحتى لو اختطف جون ماكين فوزا في شهر تشرين الثاني, فلن يبدل ذلك الحقيقة بأن حركة المحافظين التي سادت بانتصار رونالد ريغان في الثمانينيات قد استنفدت زخمها. وفي عام ,1932 شكل الفوز الساحق لروزفلت في الانتخابات على هربرت هوفر الدليل على نهاية فترة طويلة من صعود الجمهوريين. وفي هذه الايام, تبدو المؤشرات مائلة لصالح الديمقراطيين \"بصرف النظر عما اذا كانت البلاد مهيأة لباراك اوباما\". \r\n \r\n فجورج بوش يكنى استهزاء \"بجورج هربرت هوفر بوش\" فأمريكا تتحول نحو اليسار, وتعود الادارة الى حالتها النمطية الحديثة. وقد عملت معضلة \"وول ستريت\" على ترسيخ وجهة النظر واسعة الانتشار, بأن رأسمالية السوق الحر بحاجة الى توجيه. وكما كانت الحال في عام ,1932 فان البندول في عام 2008 يتحول باتجاه اتخاذ المزيد من اجراءات تنظيمه والتدخل فيه. \r\n \r\n وفيما يتعلق بالنظائر الاقتصادية, فمن المفهوم ان الاضطراب الراهن قد يؤدي الى \"كساد كبير\" ثان, لكنه بالرغم من ان التاريخ والازمات الاقتصادية السابقة توفر دروسا نتجاهلها في الحالة الخطرة التي نمر بها, الا انها لا تعيد ذاتها بالتمام والكمال. انها لاوقات عصيبة هذه التي نحياها, غير انها ليست قطعة من سنة 1932 \"في اقل تقدير\". فالاقتصاد الامريكي, الذي حقق معدل نمو بنسبة 3.3 بالمئة في الربع الثاني, لا يعيش حالة ركود حتى الان من الناحية الفنية, والبطالة تقف عند نسبة 6 بالمئة \"وليس 25 بالمئة\" والانتاج الصناعي ادنى بنسبة 1 بالمئة \"وليس 33 بالمئة\". \r\n \r\n في فترة الثلاثينيات, تفاقمت الازمة بسبب هبوط الاسعار, عندما حاولت الحكومة تسوية الميزانيات بإجراءات تخفيض الاسعار, حتى والاقتصاد في حالة انكماش. اما اليوم, فانخفاض الاسعار ليس واردا في الافق, بل ان هبوط اسعار السلع والمنتجات الزراعية يشكل, في الحقيقة, انفراجا مقبولا, وليس تهديدا. فالمشكلة لا تكمن في نقص الاموال في الاقتصاد الكلي, بل في عدم رغبة المصارف في اقراض الاموال لجميع المدينين الموثوقين. \r\n \r\n فهل تعلمنا الدروس من التاريخ؟ بالتأكيد تعلمنا. ففي الثلاثينيات, فرض \"قانون سموت - هاولي\" حربا تجاربة في ذروة تراجع اقتصادي. وبالرغم من ارجاء العمل بتحرير التجارة لدورة الدوحة, والانتقادات الواسعة للعولمة, الا ان المخاطرة ضئيلة بوقوع نوبة مماثلة من الحمائية في هذه الاوقات. \r\n \r\n وفي الوقت ذاته, فان بين بيرنانكي, الرئيس الحالي للبنك المركزي الامريكي, واستاذ الاقتصاد بجامعة برينسيتون, سابقا, استاذ عريق في مادة \"الكساد الكبير\", قد انتقد علنا اداء بنك الاحتياط الفيدرالي في حينه, وبالتالي لن يرتكب الاخطاء ذاتها الان. اما سماح الحكومة الامريكية بغرق شركة \"ليهمان اخوان\" فتلك اشارة الى ضرورة تنظيف النظام المصرفي لذاته من توكسين الرهن السيء. واما ضخ البنك المركزي للسيولة النقدية, فهو الاشارة الى ان البنك لن يسمح بغرق النظام المصرفي. \r\n \r\n هل يعني ذلك انه بإمكان الولاياتالمتحدة ان تمضي في طريقها من دون \"برنامج جديد\"؟ ليس بالضرورة. فالامر كله يتوقف على مدى تأثير الازمة في الناس العاديين. فجميع الدلائل تشير الى ان امريكا, مثل بريطانيا, تسير نحو الركود. وفي احسن السيناريوهات, سيستأنف النمو الاقتصادي في عام 2009 في الولاياتالمتحدة, اذا ما هبطت اسعار البيوت الى القاع, واستقرت حالها, واذا ما احست البنوك بالثقة من جديد لاقراض الاموال التي تختزنها لحماية ذاتها من العاصفة. في تلك الحال, تعود اسواق الاعتماد الى الحالة الطبيعية, ويكون التراجع الاقتصادي قصيرا نسبيا. لكنه اذا تواصل الركود, ستتصاعد المطالبة ببرامج من نمط \"البرنامج الجديد\", وفي الواقع, هناك من يطالب فعلا ان تغتنم الحكومة الفرصة لتدعيم الانفاق على البنى التحتية الامريكية المتداعية, كالطرق والجسور والسكك الحديدية, وما شابه, بغية خلق الوظائف الجديدة وطاقة الانفاق التي سيعود صبها جميعها في الاقتصاد. \r\n \r\n وما لا شك فيه ان تناول ماكين واوباما للازمة مختلف. فبالنسبة للاول, انخلق هذا الارتباك والتشوش من المصارف الجشعة الفالتة من الرقابة والسيطرة, ومن مقرضي اموال الرهن العقاري. اما بالنسبة للاخر, وللديمقراطيين عموما, فتمثل هذه الازمة اتهاما لمجمل الفلسفة الاقتصادية للجمهوريين, التي لم تهتم الا بمصالح الاغنياء, ومع هذا, يتفق المرشحان على امر واحد, هو الحاجة الى قوانين تنظيمية اكثر صرامة كي يتم الحؤول دون تكرار الازمة. وبهذا المعنى على الاقل, وايا تكن قساوة التراجع الاقتصادي, يصبح وضع \"برنامج جديد\" في حكم المؤكد.0 \r\n \r\n \r\n