لم تحقق أي من جماعات الضغط في العالم ما حققه اللوبي الصهيوني داخل أروقة الولاياتالمتحدةالأمريكية من تأثير على السياسة الخارجية الأمريكية، على النحو الذي جعل هذه السياسة تجنح بعيدا عن مقتضيات المصلحة القومية الأمريكية، وتلتزم بحماية الكيان الصهيوني وتحقيق مصالحه وأهدافه. ويعد الالتزام بحماية الكيان الصهيوني أحد أهم الأهداف الاستراتيجية التي بلورتها السياسة الأمريكية، إذ بات هناك التزاماً أدبياً يقع على عاتق الأمريكيين بحماية الكيان الصهيوني والزود عنه مهما كلفهم الأمر. وهذا الالتزام ليس نابعاً في جوهره من أن المصالح الأمريكية تربطها أواصر وشيجة بمصالح هذا الكيان على مستوى الوطن العربي فحسب. بل إن السبب الرئيس والمباشر، يكمن – كما سبق أعلاه – في قدرة استغلال جماعات الضغط الصهيونية لطبيعة النظام السياسي الأمريكي، في ممارسة الضغوط على صانعي القرار الخارجي، لانتهاج سياسات تأخذ بعين الاعتبار حماية الوجود والأمن الصهيوني ومصالحه في المقام الأول، ولهذا فإن الولاياتالمتحدة لا تتردد في التضحية بجزء من مصالحها من أجل تحقيق تلك الغاية. وقد ظلت الحكومات الأمريكية المتعاقبة ملتزمة بالوفاء بهذا الالتزام أكثر من غيرها من الدول الأخرى. وفي هذا الصدد، صرح الرئيس الأمريكي كارتر عام 1977م، قائلاً: "إن علاقتنا بإسرائيل تحمل طابعاً خاصاً، فلا يمكن لأحد على وجه الأرض أن يشكك في أن التزامنا الأول تجاه منطقة الشرق الأوسط، هو ضمان أمن إسرائيل وحقها في البقاء الدائم، وحقها في العيش بسلام". وفي ذات السياق، تحدث الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون مع غولدا مائير – رئيسة الوزراء الصهيونية السابقة – خلال زيارتها إلى واشنطن في 31/10/1973م، قائلاً : "إن إحدى الأولويات التي يجب أن تنطلق منها السياسة الأمريكية، هي التزامنا الأخلاقي الشديد نحو المحافظة على إسرائيل، فنحن لسنا حلفاء رسميين لإسرائيل، وإنما يربطنا معاً التزام لم يخل به أي رئيس في الماضي، وسيفي به كل رئيس في المستقبل بإخلاص". وبالتالي، ففي حال ظهور أية مؤشرات تفيد بوجود مخاطر يمكن أن تهدد بقاء ووجود الكيان الصهيوني، فإن الولاياتالمتحدة تتدخل بكل ما أوتيت من قوة لإزالة هذه المخاطر، وخير مثال على ذلك، الحرب على العراق، حيث اعترف الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش في سياق حديثه عن المنافع المتوقعة من الاحتلال الأمريكي للعراق، أن أهمها يتمثل في تأمين سلامة الكيان الصهيوني، إذ صرح قائلاً: "إن إقامة عراق حر سوف يساعد على حماية إسرائيل". كما عبّر عن هذا الأمر أيضاً نائبه ديك تشيني، عندما تحدث إلى شارون قائلاً: "إن هجوم الولاياتالمتحدة على العراق من أول طليعته هو لأجل إسرائيل". ومن بين الآليات والاستراتيجيات التي تتبعها السياسة الأمريكية لحماية الكيان الصهيوني، استخدام حق النقض (الفيتو)، على مدار سنوات طويلة، بغرض حمايته من الوقوع تحت طائلة الإدانة والمسؤولية والعقوبات الدولية، ولازالت تستخدمه حتى وقتنا هذا، كلما دعت الحاجة إليه. ومن الاستراتيجيات الأخرى التي تتبناها الولاياتالمتحدة لتدعيم وترسيخ الوجود الصهيوني، وإحاطته بسياج منيع من الحماية، قيامها بتقديم الدعم الاقتصادي المتواصل له، الذي تعددت أشكاله ما بين مساعدات مالية وعينية، إلى جانب الزج به في الأسواق العالمية، لتمكينه من التغلغل في الاقتصاد العالمي. وفي سبيل ذلك، قامت العديد من الشركات الأمريكية بنقل ما لا حصر له من رؤوس الأموال وتمويل الأنشطة التجارية والمشاريع الاقتصادية الصهيونية، لتحقيق تنمية وازدهار في حركة التجارة والصناعة، علاوة على نقل عناصر المعرفة الفنية والتقنية والتكنولوجيا الحديثة وتوطينها، للاستفادة منها في تطوير المنظومة الاقتصادية الصهيونية، على النحو الذي يحقق لها التنمية المستدامة. وإلى جانب ذلك، قدمت الولاياتالمتحدةالأمريكية أيضاً – ولازالت تقدم – دعماً عسكرياً غير محدود لحماية الكيان الصهيوني، إذ يعد الدعم العسكري الأمريكي من الثوابت الراسخة التي لا تعرف التبديل، ويأتي هذا النوع من الدعم، في إطار الاستراتيجية الصهيوأمريكية التي تهدف إلى التأثير على ميزان القوى لصالح الكيان الصهيوني ضد جميع العرب. وفي الوقت الذي لا تتوانى فيه الولاياتالمتحدة عن ملاحقة ومعاقبة الدول العربية لمنعها من امتلاك الأسلحة المتطورة، خاصة في مجال الأسلحة النووية، وفرض عليها ما بات يعرف بسياسة الممنوع على العرب، تقوم في الجهة الأخرى بإمداد وتزويد الكيان الصهيوني بالأسلحة النووية، وتوطين التقنية النووية داخل دولتهم المزعومة، بواسطة العلماء الأمريكيين ذوي الخبرات العلمية والعملية. وقد ساهم هذا الأمر في بلوغ الكيان الصهيوني مراحل متقدمة في هذا المجال، جعلته في مصاف الدول القليلة التي تمتلك ترسانة هائلة من الأسلحة النووية المحرمة والمجرمة دولياً، على النحو الذي جعله محتكراً لهذه الأسلحة في المنطقة العربية، أما الدول العربية، فكما سبق وأن أشرنا، فلا يجوز لها الخروج على سياسة الممنوع على العرب أو تجاوزها قيد أنملة، حتى وإن كانت الغايات والأهداف من امتلاك القدرات النووية لا تتجاوز الأغراض السلمية المشروعة، فإن سياسة التحريم والمنع والتجريم تظل رغم ذلك قائمة ومستمرة.